قال تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ).
قال ابن الحاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق، حدثنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال: سألني علي بن الحسين رضي الله عنهما ما يقوله الحسن في قوله تعالى: ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) فذكرت له، فقال: لا ولكن الله تعالى أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد رضي الله عنه ليشكوها إليه قال: " اتق الله وامسك عليك زوجك "، فقال: أخبرتك إني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه.
وبذلك يكون المعنى أن الله ـ عز وجل ـ أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيتزوجها، ولما أتاه زين يشكوها إليه قال له ( اتق الله وامسك عليك زوجك ) فأنزل الله تعالى أني اخبرتك بزواجك لها وتخفي ذلك بعد أن أخبرتك.
وقوله تعالى: ( لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهم وطرا )، أي إنما أبحنا لك تزويجها، وفعلنا ذلك لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة رضي الله عنه، فكان يقال له زيد بن محمد، فلما قطع الله تعالى هذه النسبة بقوله: ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ـ إلى قوله ـ اعدوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) ثم زاد ذلك بيانا وتأكيداً بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها لما طلقها زيد بن حارثة رضي الله عنه، ولهذا قال الله تعالى في آية التحريم ـ أن ذكر يا يحرم زواجها ـ ( وحلائل أبنائكم الذين من أصباكم ) ليتحرز من الابن الدعي.
وقوله تعالى: ( وكان أمر الله مفعولا )، أي وكان هذا الأمر الذي وقع قدر قدره الله تعالى وحتمه وهو كائن لا محالة، كانت زينب رضي الله عنها في علم الله ستصير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان الذي ولي تزويجها منه هو الله عز وجل بمعنى أنه أوحى إليه أن يخل عليها بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر.
وأما عن طريق الجنة هو السرقة والزنى:
فوالله لو أنك تأملت في الحديث لوجدت أن رسول الهدى عليه من الله افضل الصلاة والتسليم كان يدعوا إلى أعظم الأمر الذي هو الأساس الذي تنبي عليه بقية الشرائع، وهو: التوحيد، وهو إفراد الله سبحانه بالعبادة، ولا يُشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل،ولو جاء أحد الناس يوم القيامة لم يفعل المعاصي كلها صغيرها وكبيرها ولكنه أشرك بالله تعالى مالم ينزل عليه سلطانا فمأواه إلى النار وبئس المهاد، قال تعالى: ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر دون ذلك لمن يشاء )، وقال تعالى: ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)، وأنت قد جعلت من السرقة والزنى طريق للجنة وهذا خطأ فادح،لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الفواحش ما ظهر منها ومابطن سواء كانت كبائر كالزنا والسرقة أم من الصغائر، (وسوف يأتي ) وأنك لو نظرت للأحاديث الأخرى ونظرت إلى القرآن لوجدت أن من أمة محمد عصاة ويرتكبون الكبائر ولكنهم موحدين، ولم يشركوا بالله شيئا، فهؤلاء تحت مشيئة الله إن شاء عذبهم في النار بقدر معاصيهم ثم مآلهم إلى الجنة، وإن شاء عفى عنهم، وبهذا لا يتناقض أمر الله ورسوله، وهاك أدلة تحرم الزنى والسرقة وغيرها من الفواحش:
عن أبي هريرة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم فيها حين ينتهبها وهو مؤمن ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن فإياكم إياكم . ( متفق عليه )
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (12) سورة الممتحنة
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (32) سورة الإسراء
وقال عليه الصلاة والسلام

العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي)
قال تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (63) سورة الفرقان
قال تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (72) سورة الفرقان
قال تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(6

يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69)إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (70) سورة الفرقان
فهل بعد هذا يتفوه المجنون فضلا عن عاقل بمثل ما قلته.
وأما عن السب واللعن:
فربما تكون هذه النقطة حجة عليك وليست لك، لأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ما من أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة، وبذلك تكون الدعوة إذا لم تكن من أهلها فهي طهور لك من ذنوبك يوم القيامة، ( فهل بعد هذه رحمه ) صلوات الله وسلامه عليه، وأما لم لم يقل أي إنسان دعوت عليه..، ذلك لأن الإنسان الذي لا يتبعه لا يستحق الطهر والأجر، لأن الإنسان لو كان يريد الأجر لتبعه، وأما الكفار فالله جل وعلا قد لعنهم وقال في محكم التنزيل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } (161) سورة البقرة
أنا والله الذي رفع السماوات بلا عمد أشهد بأن محمد صلى الله عليه وسلم هو أشرف المرسلين وخاتم النبيين، ووالله إن من تبعه واقتفى من هديه انه على هدى وسيفوز فوزا عظيما.
وفي الختام اقول لك:
أنت قد حاججتني بما هو جحة عليك وليس لك البتة.
تأمل معي:
إن الله عز وجل يقول: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )، ألا تؤمن بالله؟ ألا تطيعة؟ ستقول لي: بلا أؤمن به وأطيعه، فأقول لك: يقول تعالى: ({يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} (171) سورة النساء، فالله سبحانه يقول لك انته خير لك، كن رجلا يقبل الحق أينما كان، ( أوليس الحق أحق أن يتبع ).