ثالثا :تنظر سورية بقلق بالغ إلى حدودها الشرقية مع العراق حيث تجثو القوات الأمريكية متحفزة ودون أن تخفي أن سورية جزء من الدول المناوئة لها في محور الشر والداعمة الأساسية لحركات الإرهاب
الإسلامي (حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والمقاومة العراقية),فأمريكا التي أمدت إسرائيل بالقنابل الذكية في حربها مع مجاهدي حزب الله لن تتورع عن الدخول والهجوم على سورية بإرسال جزء من قواتها في العراق عبر الحدود الشرقية الواسعة عندما تدخل سورية في مواجهة تحرير الجولان.وبذلك تدرك سورية أنها ستدخل في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل وأمريكا بالوقت الذي لايتوفر فيه غطاء عربي وتوازن على مستويات القوى العالمية كما كان متوفراً في حرب 1973 أو حتى حرب1982 في لبنان عندما عوض الاتحاد السوفيتي خسائر الطيران السوري في مواجهاته ضد إسرائيل والتي يصر الذين يطالبون سورية بفتح جبهة الجولان على تناسيها مع ما سببت من خسائر وشهداء سقطوا في الدفاع عن خاصرة سورية(لبنان),وكان وجود الاتحاد السوفيتي يضمن توازنا استراتيجيا دولياً يمنع الانفراد بسورية .
رابعا :تدرك سورية أنها الدولة العربية الممانعة الأخيرة للمشروع الصهيوامريكي في المنطقة ,وهو المشروع الذي غير لبوسه مرات ومرات ,فمن تطوير اقتصادي ورفاهية شعوب المنطقة كما طرح في مشروع الشرق الأوسط الواسع عبر عقول صهيونية ومال خليجي وعمالة عربية,إلى ديمقراطية للشعوب العربية سقطت مع صعود حماس إلى الحكومة في انتخابات فلسطين وصعود الأخوان المسلمين في مصر وطبيعة الفئات التي أفرزتها الانتخابات في العراق,وجاءت الطبعة الأخيرة لهذا المشروع على شكل الشرق الأوسط الجديد الذي يقسم المقسوم ويفتت المجزئ على أسس اثنية طائفية ضيقة فيصبح العراق ثلاثة أقاليم والسعودية أربعة مع منطقة فاتيكان إسلامية تضم مكة والمدينة ,ويصبح عندها الغنى البشري والسكاني والطائفي في سورية مصدر تهديد لأمنها الوطني والقومي,فسورية ستتحول إلى مناطق عديدة طائفية كما هو مخطط لها وفق المشروع الصهيو أمريكي إلى منطقة ساحلية
تضم الطائفة العلوية ومنطقة شمالية تنضم إلى كردستان ومنطقة وسطى تضم مدن حلب وحمص ودمشق ويشكل السنة قوامها ويستمر المخطط ليشمل كل دول المنطقة خاصة تلك الدول المحيطة بإسرائيل فتتحول إلى كانتونات طائفية صغيرة فتبدو الأوهام التي قامت عليها إسرائيل أسس قيام ونشوء دول المنطقة(دولة يهودية قوية بين كانتونات طائفية وعرقية ممزقة وضعيفة)
خامسا : فشل الرهان السوري على الجماهير العربية والشعور القومي,في الضغط على حكوماتها وعدم مقدرتها على إيجاد خطوط ممانعة ومقاومات شعبية تدخل في اللحظات الحاسمة والمصيرية لتاريخ شعوب المنطقة ,فلقد راهنت سورية على الضغط الشعبي العربي في رفض العدوان الأمريكي ومن خلفه دول التحالف ,ووقفت مع دول عربية قليلة في رفض العدوان جهاراً نهاراً, وذهبت أبعد من ذلك في دعم غير مخفي للمقاومة العراقية وتركت الحدود السورية لمرور الإخوة العرب للدفاع عن ارض العراق وعروبته , في عدوان غير مسبوق على العراق من قوة أجنبية في العصر الحديث,محاولة دفع التهديد الذي يحمله المشروع الأمريكي الذي يرمي تفتيت العراق وإخراجه عن محيطه العربي,لكن قوافل العرب الذين توقعت سورية دخولهم في مواجهة القوى المعادية لم تصل إلى الحدود المفتوحة ,وأصبح مايستغربه الإنسان العربي لدى قرأته تواريخ التآمر والتخاذل العربي في الأندلس وعند سقوط
بغداد أمام جحافل التتار , حقيقةً واقعةً يعيشها حاضراً لدى رؤية دول التحالف تدخل العراق وتسقط نظامه, وتحملت سورية في سبيل ذلك ضغوطا أمريكية شديدة وشروطاً قاسية رفضتها سورية على الجملة ,لتدفع في مقابل هذه المواقف عزلة دولية خاصة بعد التصالح الأمريكي الفرنسي وخروج سورية
من لبنان .
سادسا : تدرك سورية أن كل المحاور العربية التي حاولت الانضواء تحت عناوينها فشلت, ولم تحقق لسورية الحدود الدنيا من تطلعاتها القومية, في الحفاظ على المنطقة, وتجنيبها ويلات التقسيم .
لكن هذا الإدراك لم ينتقل إلى دول هذه المحاور,ولعلنا نذكر هنا المحور السعودي المصري السوري وهو المحور الذي ظل الأبرز منذ أوائل التسعينيات وحتى العدوان على العراق ,حيث لم تستطع السعودية ومصر مجاراة الهموم والهواجس القومية لسورية إذ لم تكن لدى الدولتين القدرة أو الرغبة في رفض الاملاءات الأمريكية لينفرط عقد التحالف في هذه اللحظة الحاسمة ولتدخل سورية في صراع نفوذ مع السعودية في لبنان بعد خروج قوات الجيش السوري منه في العام2005 ,فسورية راهنت على القوى الممانعة والمقاومة في لبنان بينما وضعت السعودية خياراتها لدى القوى التي تحمل وتبشر بالمشروع الأمريكي في المنطقة وتنادي بــــ(لبنان أولاً),وحدث الاستقطاب الكبير في لبنان والذي قد
ينذر بجولة حاسمة قريبة.
وخلاصة القول أن دخول سورية في المواجهة الحاسمة لتحرير الجولان تحكمه نواظم إقليمية وعربية ,لاتستطيع سورية تجاوزها أو القفز عليها, في لحظة اختلال موازيين
القوى العالمية والتربص الأمريكي لتحقيق أهدافه في ضرب دول الممانعة (سورية وإيران), وعدم التوازن وعدم الوضوح في الرؤيا للدول العربية المنضوية رغبةً أو قسراً في المشروع الأمريكي الذي يجتاح المنطقة . ولايمكن لسورية وللسوريين في المدى المنظور الاعتماد على شيء بقدر اعتمادهم على فكرهم الخلاق وسواعدهم العارية لتحقيق أهدافهم في تحرير الجولان وبناء الدولة القوية التي تشكل قبلة كل العرب وكل المحاور.