الموضوع: محمد الماغوط
عرض مشاركة واحدة
قديم 18/04/2005   #26
عاشق من فلسطين
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ عاشق من فلسطين
عاشق من فلسطين is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
المطرح:
حيث هناك ظلم ... هناك وطني..
مشاركات:
4,992

إرسال خطاب MSN إلى عاشق من فلسطين إرسال خطاب Yahoo إلى عاشق من فلسطين
افتراضي بعض مما قيل عن كتاب شرق عدن غرب الله ..


شرق عدن ...غرب الله) جديد الماغوط في 700 صفحة أسئلة الوجع في هذه البيداء العربية المظلمة
دمشق ـ ابراهيم حاج عبدي

حين خرجت نسخ كتابه الجديد "شرق عدن ... غرب الله" من المطابع، اتصل محمد الماغوط مرارا بالدار الناشرة (المدى) لإرسال النسخ إليه، ولكوني أعمل في هذه الدار، ولغياب العامل المكلف بهذه المسائل، ونزولا عند إلحاحه، خطرت لي فكرة أن أقوم بإيصال النسخ إليه، لأرصد سعادته بوليده الجديد، وأمضي في صحبته بعض الوقت طالما يبخل الماغوط على الصحافيين والإعلاميين بالحوارات، فها هي الفرصة سانحة، فلماذا لا استغلها؟؟

وضعت النسخ الخمسين المتفق عليها مع الدار في سيارة أجرة وتوجهت إلى منزل الشاعر الكبير في حي المزرعة بدمشق، ضغطت جرس الباب ففتح لي ابن شقيقته الطبيب المقيم عنده والمكلف برعايته، وما إن أخذ النسخ من يدي حتى دعاني إلى الصالون حيث يجلس الماغوط، دخلت بوجل فوجدت ساحر الكلمات شيخا مسنا يتربع كملك بلا تاج على أريكة زرقاء، في جو عابق بالدخان، وسط كآبة توحي بالعزلة والأمجاد الأدبية الماضية. صافحته بحرارة، وغمغم هو بدوره، مرحِّبا بي، بصوته المتحشرج الخشن الذي يحمل شقاء السنوات السبعين، وبابتسامة حيية، باهتة ارتسمت على وجهه المتعب المحتفظ بملامح حادة حفرت فيها قساوة الأيام أخاديد لم تستطع إخفاء أصولها البدوية القادمة من بلدة السلمية الواقعة على تخوم الصحراء، حيث ولد العام 1934.

تذكرت لدى رؤيته في هذه الحال ما قالته فيه زوجته الراحلة سنية صالح: "مأساة محمد الماغوط انه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط، ومنذ مجموعته الأولى (حزن في ضوء القمر) وهو يحاول إيجاد بعض الكوى أو توسيع ما بين قضبان النوافذ ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية". هذا التوق إلى الحرية هو الذي حدد مسار الكتابة لدى الماغوط، وقاده إلى الاحتجاج و التمرد، وهو الآن يجسد هذا الاحتجاج عبر المنفى المنزلي الاختياري الذي فرضه على نفسه، بسبب صحته. هو يعيش الآن في شقة مسدلة الستائر، السيجارة لا تفارق أنامله المصفرَّة، وكأس الشراب(الويسكي) رفيق وحدته. على الطاولة أمامه صحن من الحمص، وبعض الأناناس المشروح، وعلب منوعة من الأدوية، مع مسجلة ينبعث منها، بلا توقف، صوت فيروز الشجي المليء بالحنين إلى أمجاد الشباب والنضارة، وعلى الجدار المقابل لوحات تشكيلية مهداة إليه من أصدقاء بعضها عبارة عن بورتريهات له، وأيضا بورتريهات لزوجته سنية صالح، وبورتريه لجمال عبد الناصر،وأخرى لكمال خير بك، وبتقنية الحرق على الخشب ثمة صورة للفنانة الراحلة سعاد حسني.

في هذه المملكة المتشكلة من اللون، والموسيقى، والدخان يمضي صاحب (الفرح ليس مهنتي) أيامه: "وساعات نومي بعدد كوابيسي/وكوابيسي بعدد وسائدي، واتساع بلادي/وبلادي باتساع أرصفتي، ودفاتري"، وإذ سألته عن قراءاته في هذه الأيام تنهد بمرارة كمن يريد القول بان العمر لم يعد يسعفه على القراءة: "اقتصر على قراءة الصحف والدوريات"، وبتحريض من أحد ضيوفه راح الماغوط يشرح، باختصار، علاقته بالكتابة: "قد يلجأ المرء إلى التحايل أو المراوغة في تصرفاته، وممارساته، وأحاديثه الشفوية، أما فيما يتعلق بالكتابة فلم أندم على حرف وضعت توقيعي تحته، ولم أخضع لأي سلطة سوى سلطة الحقيقة، فقد أساوم على كل شيء أما المساومة على الكتابة فلم أجربها ولا أعرفها، كل ما كتبته كانت قناعات راسخة، ولم اسمح لأحد أن يملي علي كلمة".

هذا المبدأ الصارم في الكتابة، والذي يصل إلى حدود القدسية هو الذي جعل من الماغوط سيدا للكلمات، إذ قدم خلال نصف قرن ـ هو عمر تجربته الأدبية ـ نتاجا إبداعيا متفردا، غير آبه بالنظريات النقدية، والتنظير، والقوالب. هو يسفح أشواقه، وأحزانه، وهواجسه، ومخاوفه، وقناعاته، وخيباته على الورق، ولا يهمه بعد ذلك تحت أي بند تندرج هذه الكتابة، كما أنه لم يتقيد يوما بشكل أدبي محدد أو بقالب فني معين، ولم تشغله هذه المسألة، هو فقط يسعى إلى كتابة ما يشعر به، ويحسه بصدق. يقول في أحد حواراته القديمة: "لم أجد نفسي في خيمة التنظيرات. أردت أن أبقى وفيا لتجربتي كما هي، ووفيا لأسلوبي الذي كتبت به قصائدي الأولى، إذ لم اكن مهتما بالشكل بل بالإحساس القادم من تجربة ما، ومعاناة ما، فليس في شعري رموز أو أسطورة، ولا اعتمد على تراث بعينه، فقط اعتمد على الصدق والبساطة". فاستطاع الماغوط بهذا الصدق وتلك البساطة أن يرسم عالما ملونا قوامه الورق، والمداد وجبل من الأحزان التي تثقل روحه المحلقة، أبدا، في فضاء الشعر رفيقه الوحيد في هذي الحياة، فضلا عن قراء مجهولين يتلهفون إلى جديده بشغف، بل ونصبوه ملكا متوجا على عرش الكتابة "السهلة الممتنعة" القائمة على المفارقة، والتي تطرح أسئلة أكثر من تقديم الأجوبة، فكان الماغوط صاحب مدرسة أدبية لطالما حاول الكثيرون تقليدها واقتفاء أثرها دون جدوى.

بهذه الروح المتوثبة الرافضة لأي مصالحة مع واقع مرير يمضي الماغوط في الكتابة ليقدم نصوصا جديدة تحت مسمى فانتازي "شرق عدن ...غرب الله" مؤكدا بأن العنوان جاء عفويا ولا يحمل أي دلالة دينية، وليس القصد منه الإثارة بقدر ما ان العنوان ينتمي إلى مدرسة الماغوط القائمة على المفارقة المرة، والتراجيديا إذ يحاول الماغوط في هذه النصوص كما في نصوصه الأخرى بناء عالم جميل، بالكلمة، نقيض لما هو قائم. عالم خال من الشرور، والأوبئة، والأمراض، والتخلف، والقمع، والاضطهاد، والسجون، وأقبية التعذيب، ومليء بالزهور، والفراشات، والحب وكأنه، في هذا المنحى، يحاول تجسيد ما قاله الفيلسوف الألماني هايدجر: "البديل الخلاق للعالم الحقيقي المشوش، هو مملكة الشعر والروح".

لا يمل الماغوط من الشكوى، ولا يتوانى عن فضح الجوانب الحرجة في المشهد العربي المعاصر على الصعيد السياسي، والثقافي، والأخلاقي، والحضاري، والاجتماعي... يصغي إلى أصوات المهمشين، والمعذبين، والمنسيين... يواسيهم بكلمات من رذاذ المطر، ويصنع لهم تيجانا قوامها القصيدة، لكنه ورغم هذا الصراخ الطويل، والشكوى المزمنة، والدعوات المتكررة إلى الحرية والفرح، يظل يعيش في بيداء هذا الواقع العربي الأليم، فيطلق صيحة موجعة: "بأقلام من المطر أكتب/وبعيون من المطر أقرأ/وبقطارات من المطر أسافر/وأوزع هدايا وقبلات من المطر/وأقيم تحت المطر/ولم أرَ الربيع إلا في المتاحف وعلى طوابع البريد...

ورغم أن الماغوط عاش تجربة السجن لفترة قصيرة في الخمسينيات، لكن هذه التجربة طغت على إبداعه، وانطبعت على روحه و نبرته كوشم أبدي لا يمحى: "كان السجن المبكر هو بداية صحوة الشباب، وبدلا من أن أرى السماء رأيت الحذاء...وهذا ما اثر على بقية حياتي" يقول الماغوط في حوار سابق معه، ويضيف: "والمثير أنني أنا الذي لم اكمل تعليمي قد تعلمت كثيرا من السجن والسوط العربي بيد السجان. السجن والسوط كانا معلمي الأول، وجامعة العذاب الأبدية التي تخرجت منها إنسانا معذبا خائفا إلى الأبد وصار الخوف يسكنني وهرب مني الأمان لآخر لحظة من عمري. الآن حين يرن جرس الباب اشعر بالرعب وحين يرن الهاتف أتوجس خوفا...معظم الأشياء التي احبها أو اشتهيها، وأحلم بها رأيتها من وراء القضبان: المرأة ،الحرية، الأفق"، وهو لذلك لا يكتب بل ينزف!! كما يعبر.

هذه هي الأشياء التي يحتفي بها الماغوط في نصوصه الجديدة، مثلما احتفى بها من قبل، محذرا النقاد والشعراء والجلادين من الغرور قائلا لهم: "تذكروا منظر صدام حسين لحظة اعتقاله أمام العالم أجمع"، ووسط هذا المستقبل العربي المظلم والتعتيم الإعلامي، والثقافي، والسياسي "ومع ذلك لا يتحدثون في هذه الأيام سوى عن الشفافية!!"، ويسخر الماغوط من شعار الصمود والتصدي إذ يجد له تأويلا ساخرا:الصمود والتصدي: صمود على الكراسي/والتصدي لكل من يقترب منها".

تقول فاطمة النظامي في مقدمة هذه النصوص: "يمتاز أسلوب الماغوط بالتركيز والتكثيف، وبإبداع عفوي يفوق حدود النقد، ويعتمد لغة الصورة، لأن الطفل المدهش القابع في أعماقه يريد أن يخاطب الطفل القابع في أعماق كل إنسان، وإذا ما كان رامبو قد حلم بعالم ينطق كل الناس فيه شعرا، فإن الماغوط قد استطاع أن يترجم حلمه بأن يكون بمقدور كل إنسان أن يفهم ، ويحس، ويتذوق الشعر، خاصة إذا ما تنسَّم فيه عبير الحرية والحب والعدالة والسلام"، وها هو بعد أن رسم هذا العالم المشتهى الذي لم يتجسد قط إلا في الأحلام، يجد نفسه وحيدا، حزينا، مهزوما: "كل ما هنالك أنني شمعة عجوز أضاءت كثيرا/ولم يبق لها إلا الرماد والذكريات".

"شرق عدن...غرب الله" هي نصوص تحمل نكهة الماغوط، وتتلون بمفارقاته الموجعة، وهي تجمع بين الشعر، والمقالة وتمتاز بتلك النبرة التهكمية الساخرة، والنزعة الإنسانية، والنقد اللاذع، الذي وسم كتابات الماغوط منذ كتابه "غرفة بملايين الجدران" مرورا بـ "العصفور الأحدب" و "الأرجوحة"و" الفرح ليس مهنتي" و "خارج السرب"و "سياف الزهور" و "سأخون وطني" وصولا إلى هذه النصوص التي تندد بالألم الإنساني، وتسعى إلى الخروج من عتمة الأيام التي تحيط بها بلطة أيمن الظاهري، وفتاوى عمه بن لادن، وغازات علي الكيماوي، والمطرقة الشيعية، والسندان الأموي، والساطور الجزائري، ورهائن أبى سياف، والسجون العربية... والماغوط يبحث وسط هذا الخراب عن صباحات مشرقة لا تبدو قريبة من شاعر يأبى الابتسام في وجه الظلم، ولا يروضه سوى الموت.


--------------------------------------------------------------------------------

..غنــــي قلــــــيلا يـــا عصـــافير فأنــي... كلمـــا فكــــرت في أمــــــر بكـــيت ..
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03667 seconds with 10 queries