ولم يعرف تاريخ الحرب كله مثل خيبة الأمل تلك». وبعد عشرين يوما من بداية الحرب كانت المعارك قد توقفت لتبدأ حرب أخرى، أكثر فتكا، تمتزج فيها الأحقاد الدفينة والمسائل البترولية والجشع المسيطر على النفوس... وبدأت الدماء تنزف أكثر فأكثر في العراق. كان لا بد للعراق أن يغرق في الفوضى، وليصبح الوضع اعتبارا من مايو 2003 أكثر رعبا مما كان مرعبا في ظل دكتاتورية صدام حسين.
بعد السقوط
لم يكن الموساد، كما يؤكد مؤلف هذا الكتاب، بعيدا عن ملاحقة صدام بعد سقوط نظامه. وُضعت فرضيات كثيرة حول مكان وجوده، وليس أقلها غرابة إمكانية لجوئه إلى الأصدقاء الذين اعتمد عليهم في الماضي، أي روسيا والصين، هذا على الرغم من تأكيد البلدين رسميا أنهما لن يمنحاه حق اللجوء إليهما.
في الوقت نفسه كانت ألوف الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية تصل كل دقيقة إلى مقرات القيادات المختصة وكذلك آلاف المحادثات الهاتفية. أدركت عندها أجهزة الاستخبارات الأميركية المتنوعة مدى افتقارها إلى مترجمين يقومون ب«غربلة» تلك المحادثات. وكان بوش وبلير وشارون في حالة غضب متصاعد أمام فشل العثور على صدام أو معرفة إذا كان قد مات.
وقد كانوا يؤكدون في تصريحاتهم العلنية أن ذلك لم يكن يشكّل موضوعا ذا أهمية كبيرة فصدام لم يعد يمثل أي تهديد. لكن لم يكن هناك الكثيرون ممن يصدقون ذلك».
وكان اهتمام بوش وبلير منصبا أكثر على إيجاد أسلحة الدمار الشامل المزعومة. لكن الحقيقة تكشفت عن شيء آخر، هو أنها غير موجودة في العراق.
ولم يتردد روبن كوك، وزير الخارجية البريطاني السابق، وكلير شورت، الوزيرة السابقة في حكومة بلير التصريح أن رئيس وزراء بريطانيا قد كذب على البرلمان والشعب عندما أكد وجود مثل تلك الأسلحة في العراق.
وأثناء الأزمة كلها كان مائير داجان، لا يكف عن ترديد قوله أن الموساد «لا يزال يبحث» عن الأسلحة المزعومة، من دون إضافة شيء آخر. ولو كان يدرك حقيقة عدم وجودها.
وفي ديسمبر 2003 ألقي القبض على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. يقول المؤلف: «لقد قبضوا عليه بسبب متطلبات المرأة الوحيدة التي كان لا يزال يثق بها أي سميرة شهبندر، الزوجة الثانية بين الزوجات الأربع».
ويضيف: «بتاريخ 11 ديسمبر اتصلت هاتفيا بصدام من مقهى للانترنت ببعلبك؛ حيث كانت تعيش في لبنان هي وابنها علي، الابن الوحيد الحي من أبناء صدام، تحت أسماء مستعارة منذ أن غادرا العراق قبل عدة أشهر من بداية الحرب». وفي بيروت تمّ رصدها ومراقبتها.
ويؤكد مؤلف هذا الكتاب أن مقرّبا من مائير داجان قد شرح له أنه «لأسباب سياسية لم تتم رسميا دعوة الموساد للمشاركة في العيد»، ويقصد ملاحقة صدام من قبل الأميركيين. وما يؤكده أيضا هو أن الموساد قد التقط يوم 11 ديسمبر 2003 مكالمة سميرة الهاتفية لصدام حسين وتمّ فيها تحديد موعد للقاء بالدقيقة والمكان.
وفي اللحظة نفسها التي كانت تستعد فيها للذهاب إلى موعدها جاءها صوت في الهاتف، ليس صوت صدام، يقول لها إن الموعد قد ألغي. وفي اللحظة نفسها أيضا كانت تلفزيونات العالم تبث صورا لاعتقال صدام في حجرةعلى عمق 5,2 متر في باطن الأرض قرب تكريت.
وعند رؤية تلك الصور طرح محللو الموساد أسئلة، لا تزال دون إجابات، مثل: من كان الرجلان المسلحان المجهولان ويقومان بالحراسة أمام الحجرة؟
هل كانا لحماية صدام أم لقتله إذا حاول الهرب؟ لماذا لم يستخدم صدام مسدسه للانتحار؟ هل منعه الجبن أم أنه كان يأمل في عقد صفقة؟ ثم لم يكن لمخبئه سوى مدخل واحد، فهل كان سجينا؟
ألم يكن وجوده حيث كان جزءاً من صفقة؟ وماذا كان يريد أن يفعل بال000 750 دولار التي وجدوها معه عند اعتقاله؟ ولماذا لم يكن معه أية وسيلة للاتصال بالخارج ولو حتى هاتف نقّال؟
فهل تجد هذه الأسئلة، وكثيرة غيرها، إجابات ذات يوم؟!
|