تحذير لأميرة القلوب
كان هاليفي قد ترك ذكرى أخرى مثيرة من فترة إدارته للموساد، إذ كان قد قرر إعادة دراسة ملف وفاة الأميرة ديانا ودودي الفايد في باريس. وبعد قراءته للملف الأول للموساد حول الحادث طلب من موريس العميل الإسرائيلي الذي شارك في تجنيد هنري بول، سائق السيارة التي تعرّضت للحادث القاتل، تقديم محضر عن اليوم الأخير لديانا ودودي.
ويؤكد الذين قرأوا هذا المحضر الجديد أنه يحتوي على العديد من الأقوال الدقيقة الجديدة بالقياس إلى الملف الأصلي للموساد؛ مثل القول أن محمد الفايد، والد عماد - دودي- كان مسكونا باستمرار بفكرة أن ديانا كانت حاملاً وأن المخابرات الأميركية والبريطانية والفرنسية كانت تراقب الثنائي العاشق منذ وصولهما إلى باريس.
ويشير المحضر أيضا إلى عدة محادثات هاتفية تضمنت احداها إنذارا من الحارس الشخصي لديانا، العامل سابقا في سكوتلانديارد، يقول لها انتبهي. ويركز تقرير موريس الجديد كثيرا على سيارة الفيات اونو البيضاء التي كانت تقف بالقرب من فندق ريتز.
وقد أكّد عدد من المصوّرين الصحافيين بعد ذلك أنها كانت تعود لجيمس اندرسون الذي تخصص بالتقاط صور لديانا وكسب من ذلك ثروة كبيرة. لكن موريس يؤكد أن اندرسون لم يكن موجودا تلك الليلة.
ويتحدث موريس عن سيارة فيات اونو بيضاء لاحقت بجنون السيارة المرسيدس التي كان يستقلها دودي وديانا ويقودها بول هنري. وبعد فترة من الحادث عُثر على سيارة من الطراز نفسه في مرآب لتصليح السيارات في باريس وقد أُعيد دهنها منذ فترة وجيزة باللون الأزرق.
وعندما كشطوا الدهان اكتشفوا أن لونها في الأصل هو الأبيض. لكن لم يذهب رجال الشرطة بعيدا في التقصّي بهذا الاتجاه. فهل كانوا يظنّون أن الأمر لا يتعلق بالسيارة التي يبحثون عنها؟
في هذه الحالة، لماذا لم يذهبوا إلى مقبرة للسيارات المحطّمة كانت موجودة في إحدى ضواحي باريس حيث كانت توجد سيارة فيات اونو بيضاء اللون محطمة إلى درجة لا يمكن التعرف عليها، كانت قد تعرّضت لحادث بعد عدة ساعات من الحادث القاتل لديانا ودودي تحت نفق ساحة آلما بباريس؟
وجاء في محضر موريس قوله حرفيا: بعد أقل من أربع ساعات من وقوع الحادث طار جيمس اندرسون فجأة إلى كورسيكا. لم يكن هناك أي سبب مهني يدفعه للقيام بذلك.
ولم تكن هناك أية شخصية شهيرة في الجزيرة آنذاك. وفي مايو عام 2000 وُجدت سيارة محروقة في غابة بالقرب من مدينة نانت، وكان السائق محروقا بداخلها. وأظهرت فحوص الحمض النووي أن الجثة هي جثة جيمس اندرسون.
فلماذا ذهب اندرسون إذن إلى كورسيكا؟ هل من أجل تلقي مبلغ مالي كبير مقابل إعارته سيارته الفيات اونو البيضاء لأحدهم؟ لكن لمن؟ ما يقوله محمد الفايد هو أن سيارة اندرسون قد أُعيرت واستخدمت من أجل إرغام هنري بول على فقدان سيطرته على السيارة المرسيدس.
لكن هناك الكثير من الأسئلة الأخرى، مثل لماذا الإهمال الكبير في تحقيق الشرطة حول موت اندرسون؟ ولماذا لم تحاول معرفة أسباب سفره إلى كورسيكا والتفتيش بدقة في حساباته المصرفية؟ بكل الحالات لم يتم التحقيق عمّا إذا كان قد وضع مبلغا كبيرا من المال في أحد حساباته بعد الحادث.
ربما أن هاليفي لن يقول أبدا ما لديه حول هذه القضية. كان قد وصل من دون ضجيج إلى رئاسة الموساد وغادره بالطريقة نفسها، ليحل محله مائير داجان الذي كان قد شارك في قمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1991.
لقد اختاره أرييل شارون الذي ربطته به صداقة حميمة بعد مشاركتهما معا في عمليات القمع ضد الفلسطينيين في لبنان، ومنذ اللحظات الأولى لاستلامه منصبه الجديد كانت تعليماته لعملائه واضحة وهي: اقتلوا بكل الوسائل... وبكل الاتجاهات.
ما بعد صدام .
في يناير 2003 كانت إدارة جورج دبليوبوش على أهبة الاستعداد للقيام بهجوم على العراق، وفي ذلك الوقت الذي كانت تدق طبول الحرب قال الرئيس الأميركي لبعض المقرّبين منه أنه يتهيأ لرفع المنع المفروض على وكالة الاستخبارات المركزية من اغتيال صدام حسين. وكانت قرارات المنع تلك التي أصبح ممنوعاً بموجبها على الوكالة قتل أي رئيس دولة تعود إلى الفشل الذريع الذي كانت قد عرفته محاولة اغتيال الزعيم الكوبي فيدل كاسترو خلال سنوات السبعينات.
لم يتم إلغاء تلك القرارات رسميا أبدا بشكل رسمي، لكن في تلك الأيام الأولى من عام 2003 كان المحافظون الجدد الذين يحيطون بالرئيس بوش - وكان أغلبهم قد عمل مع بوش الأب - يرفعون الأنخاب للاحتفال بالموت القريب لصدام حسين.
وكان دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، قد صرّح بأنه يحق شرعيا للولايات المتحدة اغتيال أي إنسان كان قد ساهم من قريب أو بعيد بالتحضير لتفجيرات 11 سبتمبر؛ ثم أضاف رامسفيلد قوله أن جرما آخر يقع على كاهل صدام وهو تخزينه لأسلحة الدمار الشامل.
ويشير مؤلف الكتاب هنا إلى أن كولن باول، وزير الخارجية، وجورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والمحللين قد ذكّروا بإلحاح أنه ليس هناك ما يثبت بطريقة قاطعة أن لصدام روابط مع تفجيرات سبتمبر أو أنه يمتلك أسلحة الدمار الشامل، وكان رامسفيلد يجيبهم باستمرار بأن مصادر معلوماته تفيد غير ذلك.
اكتشف عميل الموساد المقيم في السفارة الإسرائيلية بواشنطن أن المصدر الرئيسي الذي يزود رامسفيلد بالمعلومات هو أحمد الجلبي الذي كان قد ساهم في إنشاء المؤتمر الوطني العراقي. ويؤكد مؤلف هذا الكتاب أن أحمد الجلبي كان أحد مخبري الموساد في العراق بعد وصول صدام حسين إلى السلطة عام 1979.
وكان مدينا بمئات الملايين من الدولارات للذين أودعوا أموالهم في البنك الذي عمل بإدارته. وكان الموساد قد نجح في سحب ودائعه منه قبل إفلاسه. وبعد فترة وجيزة وجّه محمد سعيد النابلسي، مدير البنك المركزي الأردني، تهمة للجلبي بتحويل 70 مليون دولار إلى حساب خاص باسمه في أحد البنوك السويسرية.
وصل الجلبي إلى واشنطن لحظة انتخاب جورج دبليو بوش رئيسا للولايات المتحدة الأميركية. ولم يكن حتى حرب الخليج الأولى سوى أحد الكثيرين من أمثاله الذين يبحثون عن مصالحهم.
لكن الحرب غيّرت المعطيات وتقرّب الجلبي باسم المؤتمر الوطني العراقي من أجواء المحافظين الجدد المحيطين بجورج دبليو بوش ومن بينهم ديك شيني وبول وولفويتز ودونالد رامسفيلد واتفق الجلبي مع هذا الأخير على القول أن صدام حسين قد يشكل خطرا على العالم كله.
والمثير للاستغراب أن الجلبي بدأ بالاطلاع على تقارير سرّية حول صدام حسين من إعداد وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي. وأشار الجلبي إلى أن تقارير الوكالة بعيدة عن الواقع.
وفي نهاية صيف 2002، قبل عدة أيام من الذكرى الأولى لتفجيرات 11 سبتمبر، أمر رامسفيلد بإنشاء وحدة خاصة في البنتاغون من أجل إعادة النظر بالمعلومات التي يقدمها الجلبي وإعادة تقويم علاقات صدام حسين بالقاعدة وتطوير أسلحة الدمار الشامل في العراق.
|