عرض مشاركة واحدة
قديم 11/08/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


شــاعرنا محمود درويش يحثنا بقصيدته الجميلة: "للطلقة في صدر فاشستي سأغنّي.."
لا، لن أغنّي.. قد أضطرُّ لأن أمزّق جسد عدوّي بالرصاص، ولكني قطعاً لن أغنّي لموته!!
كنا أطفالاً نتزاحم في المناسبات الوطنية كي نردد مع فهد بلان أغنيته: "ونشرب دم الغاصب شرب.."
أكثر من ثلاثة آلاف مواطن أمريكي لقوا حتفهم في عملية أيلول الإرهابية، فهل سمعنا طفلاً أمريكياً على شاشة التلفزيون، في البيت، في الشارع، أو في المدرسة يغني: ونشرب دم بن لادن شرب؟!.. طبعاً لا!..
قالها رامزفيلد وزير الدفاع الأمريكي ولم يقلها غيره.
ربّوا صقوراً حادة المخالب كرامزفيلد ـ لا أحد يمنعكم ـ ولكن اتركوا لأطفالنا عيونهم الجميلة!!
دانيال، شاب أمريكي من اصل أرجنتيني، وهو صديق عزيز جداً لابني مازن، التحق بالجيش فور تخرجه من الثانوية العامة. ما زلت أذكر ولن أنسى لقاءه الأول مع ابني بعد غياب طال أكثر من عام. منذ ذلك الحين ومازن يذهب إلى محطة القطار مرة كل أسبوع للقاء دانيال وهو في طريقه لقضاء عطلة الأسبوع مع أهله.
لاحظت مؤخراً فتوراً في العلاقات بين ابني ودانيال، فتوراً أثار حيرتي. لقد كان ابني يتأخر بالرد على الرسائل الصوتية التي كان دانيال يتركها له. بعد بضعة محاولات لمعرفة أسباب هذا الفتور قال مازن ونبرات صوته تعبر عن خيبة أمل: إنني أشعر بالأسف يا أماه. التحاق دانيال بالجيش قد جعل منه شخصاً مختلفاً كل الاختلاف. لقد تعسكر عقله. صار يقود سيارته بطريقة عسكرية. يأكل بطريقة عسكرية. باتت العلاقة معه صعبة. لأمريكا جيش قوي ومن حقها كما هو من حق كل أمة على سطح الأرض أن تجنّد بعد أبنائها لحماية وجودها وكيانها، ولكن كم سيكون حجم المأساة لو تحول كل طفل في المجتمع الأمريكي إلى دانيال؟!..
عندما فجرت فتاة فلسطينية يافعة نفسها أمام متجر يهودي، عثروا على رأسها في كومة بطيخ أمام المتجر وإحدى ساقيها في قسم اللحوم. لا يكفي الظلم وحده ـ مهما كان فظيعاً ـ أن يدفع الإنسان إلى قتل نفسه بتلك الطريقة الشنيعة وبمحض إرادته. وحدهم السحرة هم الذين يحولونه إلى غول!!
لا يستطيع الغول أن يميّز بين عدوه وجاره عندما يختلف لأقل الأسباب وأتفهها مع هذا الجار.
هل ميّز الغيلان في سوريا عندما اقتحموا مدرسة المدفعية وقتلوا مائتين من زملائهم؟..
هل ميّز الغيلان عندما فجروا سيارة مفخخة في حي الأزبكية بدمشق وأطبقوا بناية بكاملها فوق سكانها؟
هل ميّز الغيلان في صعيد مصر عندما اجتاحوا قرية الكشح وذبحوا واحداً وعشرين من العزّل الأبرياء؟
هل ميّزوا في الجزائر عندما بقروا بطون مائة ألف رجل وطفل وامرأة؟!
طبعاًً.. لم يكن مبررٌ لوحشيتهم سوى كونهم غيلان!
كنت يوماً في طريقي من مشفى حلب الجامعي ترافقني زميلتي الدكتورة سمر الشايب وهي سيدة محجبة خلوقة مهذبة عندما صادفنا على بوابة المستشفى طفلين يتراوح عمراهما بين السادسة والتاسعة، كان يقبض كل منهما بيده على عصفور حي وينتف ريشه باليد الأخرى والعصفوران يزقزقان ألماً يستجيران ولا من مجير.
أدرت ظهري من هول المنظر وغطيت وجهي بيدي بينما اقتربت سمر من الطفلين متوسلة: حرام عليكم يا أولاد!.. وجاءها الرد من كبيرهما فوراً: حرام عليك أنتِ أن تتجولي بين الرجال، عودي إلى بيتك وانقبري هنــاك!
تركتُ سمر تجادل الطفلين وأسرعتُ إلى أقرب موقف باص لقناعتي المطلقة بأنني لا أستطيع أن أحوّل الغول طفلاً!!
لا أعرف الآن مصير ذانك الطفلين لكني لن أستغرب إذا سمعت بأن أحدهما اقتحم بطائرة مدنية بناية تغص بالناس، والآخر ينط من كهف إلى كهفٍ في أفغانستان!
لا، لن أستغرب ذلك، ولكني سأستغرب إن قيل لي بأنهما إنسانان طبيعيان يعيشان حياة أسروية متوازنة نفسياً وعقلياً وفكرياً.
كنّا حديثي العهد في أمريكا عندما كان ابني مازن يركض ـ تشجعه أخته فرح في الحديقة العامة ويصيح بأعلى صوته: ماما أرجوك أن تعثري لي على حجر كبير كي أضرب تلك البطة وأكسر رجلها.
بعد مرور عامين على تواجدنا هنا، عثر الأطفال في حديقتنا على طائر ميت فأقاموا عليه مناحة. اضطررت وأباهم تحت ضغط حزنهم أن ندفن الطائر في حفرة صغيرة، وضعنا فوقها بعض الأزهار ثم وقفنا متشابكي الأيدي دقيقة صمت على روح الفقيد!
في أواسط الستينات كنت طفلة صغيرة وكانت حركة "فتح" قد ولدت لتوّها. طرح علينا المدرس سؤالاً: ماذا ستصبح في المستقبل؟.. وتعالى الصياح: فدائي.. فدائي.. فدائي..
لو ارتقى المعلم آنذاك بمستوى تفكيره قليلاً لأدرك خطورة المستقبل الذي كان ينتظرنا. لم يشأ أحد من الطلاب أن يصبح مزارعاً.. نسّـاجاً.. نجاراً.. خبازاً.. ممرضاً.. طبيباً.. معلماً.. مهندساً.. أو عامل تنظيفات. كبرنا وصرنا فدائيين (!!!) وها نحن نعيش المستقبل الذي انتظرناه.
ازدادت رقعة الأرض السليبة اتساعاً.. ازداد جهلنا، جوعنا، عرينا، فقرنا، مرضنا، وتشرذمنا. تحولنا جميعاً في أعين العالم إلى غيلان.
ما زال المعلم نفسه في كل مدرسة عبر وطننا المذبوح من الوريد إلى الوريد يطرح نفس السؤال ولكن دون أي جواب!
وما زال الشيخ بلال يكرر نفس الهراء دون أي احتجاج؟
ثلاثمائة مصلي جلسوا أمامه يوم عيد المولد النبوي.. هو يخيط وهم يلبسون.
لم يرتقِ أحد بينهم بمستوى تفكيره إلى حدّ السؤال!!
زرع قناص واشنطن في الأسابيع الأخيرة الرعب في قلوب الناس في عاصمة أقوى دولة في العالم.
لمدّة ثلاثة أسابيع والأطفال في المراحل الابتدائية محشورون كالسردين داخل صفوفهم دون أن يمارسوا أياً من نشاطاتهم. صرح ناطق باسم قطاع التعليم: ليس الخوف على حياتهم وحده هو الذي يدفعنا إلى إبقائهم داخل صفوفهم، بل الخوف أيضاً على عقولهم الغضة التي لا تستطيع استيعاب ما يجري من أعمال عنف في الخارج. نحاول قدر الإمكان أن نحوّل محور انتباههم ونُشغِلهم داخل الصف بقضايا تناسب أعمارهم ولا ترهق تفكيرهم.
في الذكرى السنوية الأولى لأحداث أيلول الإرهابية، نصح المختصون التربويون والنفسيون وسائل الإعلام بأن تقلل من عرض مناظر تلك الأحداث خوفاً على الصحة النفسية والعقلية للأطفال والتي أكدت الدراسات أنها تأثرت كثيراً تحت ضغط هذه المشاهد في العام الفائت.
اجتاحت مجموعة من الشيشان مدججة بالأسلحة والمتفجرات مسرحاً في موسكو الأسبوع الماضي وهددت بقتل أكثر من ثمانمائة شخص جاؤوا للاستمتاع بالموسيقى والغناء.
سلموا مفاوضيهم رسالة تقول: نقسم بالله العظيم أننا نحب الموت أكثر مما تحبون الحياة!..
ما الحكمة في أن نحبّ الموت؟.. لا يستطيع إنســانٌ أن يصل إلى قناعة بأن الموت أفضل من الحياة لو لم يمر يوماً في طريقه من طفولته إلى بلوغه على كهف الساحرة كي تعلمه كيف ينتف عصفوراً حياً ويكسر رجل بطة مسالمة، لينتهي بعد ذلك بتفجير طائرة للركاب أو اقتحام مسرح للغناء!!
لم يسئ أتباع دين في العالم إلى دينهم كما أساء المسلمون!.. بعضهم شوّه هذا الدين والبعض الآخر صمت حيال ذلك. والذين صمتوا ينقسمون بدورهم إلى فئتين: فئة صمتت لأنها تخاف وفئة صمتت لأنها تتفق مبدئياً مع الذين شوهوه، وكل من الفئتين مسؤول ومُدان!!
أصدرت السيدة كلينتون منذ عدة أعوام كتاباً بعنوان، It Takes a Village (نحتاج إلى قرية) أحدث ضجة في الأوساط الصحفية. عنوان الكتاب يعبّر عن محتواه وهو مأخوذ من مثل إفريقي يقول: نحتاج إلى قرية بكاملها كي نربّي طفلاً. يبدو أن السيدة كلينتون قد توصلت في كتابها إلى نصف الحقيقة إذ غاب عنها نصفها الآخر: ونحتاج إلى شيخ واحد كي نهدم قرية.
"صوتي ليس عورة. أشــكر الله أنه أجملُ هبةٍ منحتني إياها السماء!"

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03865 seconds with 10 queries