تتمة
ما رجع إلى مصر ألا بعد أن مهد أمور الحجاز، وأباد طوائف الوهابية التي كانت منتشرة في جميع قبائل الحجاز والشرق وبقي منهم بقية بالدرعية أميرهم عبدالله بن سعود فجهز محمد علي باشا لقتاله جيشاً وأرسله تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا، وكان عبدالله بن سعود قبل ذلك يكاتب مع طوسون باشا بن محمد علي باشا حين كان بالمدينة وعقد معه صلحاً على بقاء إمارته ودخوله تحت طاعة محمد علي باشا فلم يرض محمد علي باشا بهذا الصلح فجهز ولده إبراهيم باشا وجعل العساكر إليه، وكان ابتداء ذلك في أواخر سنة إحدى وثلاثين فوصل إلى الدرعية سنة اثنتين وثلاثين ونازل بجيوشه عبدالله بن سعود وقوع بينهما وقاع وحروب يطول ذكرها إلى أن استولى على عبدالله بن سعود في ذي القعدة سنة 33، ولما جاءت الأخبار إلى مصر ضربوا لذلك ألف مدفع وفعلوا شنكا ويزنوا مصر وقراها سبعة أيام، وكان محمد علي باشا له أهتمام كبير في قتال الوهابية وأنفق في ذلك خزائن من الأموال حتى أخبر بعض من كان يباشر خدمته أنهم دفعوا في دفعة من الدفعات لأجرة تحميل بعض الذخائر خمسة وأربيعن ألف ريال هذا في مرة من المرات كان ذلك الحمل من الينبع إلى المدينة عن أجرة كل بعير ست ريال دفع نصفها أمير ينبع والنصف الآخر أمير المدينة وعند وصول الحمل من المدينة إلى الدرعية كان أجر تلك الحملة فقط مئة وأربيعن ألف ريال وقبض إبراهيم باشا على عبدالله بن سعود وبعث به وكثر من أمرائهم إلى مصر فوصل في سابع عشر محرم سنة أربع وثلاثين وصنعوا له موكباً حافلا يراه الناس وأركبوه على هجين وازدحم الناس للتفرج عليه، ولما دخل على محمد علي باشا قام له وقابله بالبشاشة وأجلسه بجانبه وحادثه، وقال له الباشا ما هذا المطاولة فقال الحرب سجال قال وكيف رأيت ابني إبرهيم باشا قال ماقصر وبذل همته ونحن كذلك حتى كان ماقدره الله تعالى فقال له الباشا أنا أترجى فيك عند مولانا السلطان فقال المقدر يكون ثم ألبسه خلعة وأنصرف إلى بيت اسماعيل باشا ببولاق، وكان بصحبة عبدالله بن سعود صندوق صغير مصفح فقال الباشا له. ماهذا؟ فقال هذا ما أخذه أبي من الحجرة أصحبه معي إلى السلطان، فأمر الباشا بفتحه فوجدوا فيه ثلاثة مصاحف من خزائن الملوك لم ير الراؤون أحسن منها ومعها ثلاثمائة حبة من اللؤلؤ الكبار وحبة زمرد كبيرة وشريط من الذهب، فقال له الباشا الذي أخذتموه من الحجرة أشياء كثيرة غير هذا فقال هذا الذي وجدته عند أبي فإنه لم يستأصل كل ما كان في الحجرة لنفسه بل أخذه العرب وأهل المدينة وأغاوات الحرم وشريف مكة فقال الباشا صحيح وجدنا عند الشريف أشياء من ذلك ثم أرسلوا عبدالله بن سعود إلى دار السلطنة ورجع إبراهيم باشا من الحجاز إلى مصر في شهر المحرم من سنة 35 بعد أن أخرب الدرعية خراباً كليا حتى تركوا سكناها ولما وصل عبدالله بن سعود إلى دار السلطنة في شهر ربيع الأول طافوا به البلد ليراه الناس ثم قتلوه عند باب همايون وقتلوا أتباعه أيضاً في نواح متفرقة هذا حاصل ما كان في قصة الوهابي بغاية الأختصار ولو بسط الكلام في كل قضية لطال، وكانت فتنتهم من المصائب التي أصيب بها أهل الإسلام فإنهم سفكوا كثيراً من الدماء وانتهبوا كثيراً من الأموال وعم ضررهم وتطاير شررهم فلا حول ولا قوة إلا بالله وكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلّم فيها التصريح بهذه الفتنة كقوله صلى الله عليه وسلّم « يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق » وهذا الحديث جاء بروايات كثيرة بعضها في صحيح البخاري وبعضها في غيره ولا حاجة لنا إلى الإطالة بنقل تلك الروايات ولا لذكر من خرجها لأنها صحيحة مشهورة ففي قوله سيماهم التحليق تصريح بهذه الطائفة لأنهم كانوا يأمرون كل من اتبعهم أن يحلق رأسه ولم يكن هذا الوصف لأحد من طوائف الخوارج والمبتدعة الذين كانوا قبل زمن هؤلاء، وكان السيد عبدالرحمان الأهدل مفتي زبيد يقول لا حاجة إلى التأليف في الرد على الوهابية بل يكفي في الرد عليهم قوله صلى الله عليه وسلّم سيماهم التحليق فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم واتفق مرة أن مرأة أقامت الحجة على ابن الوهاب لما أكرهوها على اتّباعهم ففعلت، أمرها ابن عبدالوهاب أن تحلق رأسها فقالت له حيث أنك تأمر المرأة بحلق رأسها ينبغي لك أن تأمر الرجل بحلق لحيته لأن شعر رأس المرأة زينتها وشعر لحية الرجل زينته فلم يحدلها جوابا ومما كان منهم أنهم يمنعون الناس من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلّم مع أن أحاديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلّم لأمته كثيرة متواترة وأكثر شفاعته لأهل الكبائر من أمته وكانوا يمنعون من قراءة دلائل الخيرات المشتملة على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم وعلى ذكرها كثير من أوصافه الكاملة ويقولون أن ذلك شرك ويمنعون من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم على المنابر بعد الأذان حتى أن رجلا صالحاً كان أعمى، وكان مؤذنا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الأذان بعد أن كان المنع منهم، فأتوا به إلى ابن عبدالوهاب فأمر به أن يقتل فقتل ولو تتبعت لك ما كانوا يفعلونه من أمثال ذلك لملأت الدفاتر والأوراق وفي القدر كفاية والله سبحانه وتعالى أعلم.
|