وفي هذا السياق جاءت مهمّتها المكشوفة منذ البداية في أفغانستان لـِ"دعم المجاهدين"، التي لم تكن أبداً لنصرة المسلمين ضد "الكُفّار والملحدين"، كما كانت تدّعي، وإنما خدمة للأميركان ضد السوفيات. ومَنْ للأميركان غير السعودية عوناً في هذا المجال تحديداً؟! أليست هي بلد الاسلام وقبلة المؤمنين والسيف الملائم لمثل هذه المهمّات؟!
والأمر نفسه كان قد حصل ضد الثورة اليمنية التي أطاحت بالإمام أحمد، إنطلاقاً من عداء أميركا والغرب كلّه لعبد الناصر الذي انتصر للثورة. لم يكن عبد الناصر ملحداً ولا كافراً، كان مسلماً وعربياً قومياً اشتراكياً، وكان السعوديون الذين يخشونه يتغنّون بالاشتراكية ليلاً عند سماعهم لكوكب الشرق أم كلثوم وهي تُغنّي "الاشتراكيون أنت إمامهم..."، ويحاربونها نهاراً كما قال، رحمه الله! ومع ذلك قاتلوه "دفاعاً" عن الامام المخلوع الذي بقي "يزحف" كالسلحفاة نحو صنعاء عدة سنين ولم يصلها، حتى ملّت منه أميركا وكلّت من زحفه السعودية نفسها!
أما في أفغانستان فقد تمّ التخلّي عن "المجاهدين" وطعنهم بشكل لا يُقاس بطريقة التخلّي عن الإمام. فبعد أن سقط الاتحاد السوفياتي وتقسّم، قَلَّبَ الأميركان السعوديين على "جماعتهم"، ثم فرضوا عليهم بعد ذلك إيقاف الدعم المالي لأي جمعية أو مؤسسة أو ما شابه، وجفّفوا مصادر الدعم الانساني والخيري – وليس الارهابي فقط – لأن "الارهابيين" كما تعرف أميركا والسعودية أصبح لهم مع طول التجربة والسنين مؤسسات وشركات، وشكلت تنظيماتهم السرية دولاً داخل الدول، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، الأمر الذي أدّى الى أحداث "سبتمبر" في نيويورك، والبقية معروفة ومعاشَة حتى اليوم.
خلاصة القول أن الدور السعودي المسكوت عنه لا ينحصر في الموقف من العراق وفلسطين وصولاً الى الحرب الاسرائيلية التدميرية ضد لبنان، بل يمتد من أيام المؤسس عبد العزيز الى فهد الى ابنه "عزوز" الذي يصفه بعض "الحاقدين" على المملكة بصاحب نسبة الـ 5%، ويقال 10%.. والله أعلم! ولا يُغيّر من هذه الحقيقة فرض قضية فلسطين على رقاب "طوال العمر"، يومَ كانت الثورة تُرعب وتهزّ، وكانت حركة فتح "بولدوزراً" حقيقياً، وليست عربة تائهة في أدغال التسوية وصراعات الكراسي والفضائح المالية وغيرها..
اليوم تشعر السعودية بعد أن استفردت الولايات المتحدة بمقدرات هذا العالم، وفتحت معها صفحة جديدة ضد "الارهابيين" في كل مكان، أن بامكانها جرّ الركب العربي المتهالك كيفما تريد، في ظل تمكن الأميركان من احتلال العراق، ومحاولة الصهاينة التمكّن من فلسطين ولبنان وسورية وغيرها.
وفي ضوء هذا الوضع جاء الموقف السعودي العلني الأخير من المقاومة اللبنانية مكشوفاً على رؤوس الأشهاد، وقد أعاد المملكة عارية الى وضع "كما خلقتني يا رب"!
ما يجب أن يُقال هنا بأسلوب مباشر وعلى الملأ، ودون أي تلطيف أو تخفيف أن السعوديين "الحكام" قد أفسدوا في الأرض فساداً لا يوازيه إلا فساد المتحكمين في عراق الدم والقتل على الهوية. أفسدوا في كل مجالات الحياة وارتكبوا أشدّ الموبقات وأغرب المتناقضات. فهم الذين أنشأوا ودعموا أكثر القنوات الفضائية تزمتاً وانغلاقاً، وحصروا مهامها تقريباً على مواضيع إطاعة أولي الأمر، والنجاسة، والافتاء في موضوع صوت المرأة، هل هو عورة أم لا؟! وكيفية شكل الحجاب والسروال، وهل يُحنّي الرجل شعره كبعض الصحابة الأولين أم يصبغه باللون الأسود الداكن؟!
وهم الذين أنشأوا ودعموا – في المقابل أقنية متخصصة بنشر الانحطاط والفن الهابط وكليبات العري التي تذهل حتى عراة الغرب أنفسهم. وهم أيضاً الذين أنشأوا مواقع الكترونية متعددة الاختصاصات، هدفها جمع الجواسيس والساقطين من سائر الأحزاب والمنظمات الوطنية والقومية والماركسية... الخ!
حتى خطبة يوم الجمعة في الحرم النبوي الشريف أصبحوا يدسّون أنوفهم الطويلة فيها وأخذوا يكتبونها للأئمة على الورق بما في ذلك الأدعية والابتهالات ويا ويل الواحد منهم لو أخطأ في ترتيب قراءة صفحاتها، التي أصبحت تركزّ في الأسابيع الأخيرة على السياحة وضرورة الترويح عن النفس (بما يُرضي الله)، وعن التسامح مع الأعداء (كخطبة منتصف شهر حزيران)، عدا عن تقديم النصيحة لنا هل نتبوّل واقفين أم نجلس القرفصاء!!
.. وحتى موسم الحج أفسدته السعودية وحرّفت مناسكه بالنسبة للبعض، وتلك قصة أخرى مذهلة لم تحدث منذ أيام الرسول الكريم إلا في هذه الأيام. وسنأتي على تفاصيلها في "رأي" آخر..
فهل ثمة مجال للاستغراب إذا أدانت السعودية المقاومة هنا وهناك، وغازلت اسرائيل والأميركان؟!!
|