عام 2006 هو عام موزارت و في عام موزارت يحتفل عشاق الموسيقى من مختلف بقاع العالم بالعيد الـ 250 لميلاد عبقري النمسا...
قسم الموسيقى في أخوية سيحتفل ( متأخرا ) بذكرى هذا العبقري ..و أن تصل متأخرا خير من ان لا تصل ابداً .
سنحاول في هذا الشريط أن نجمع ما يمكن من مقالات , ابحاث , موسيقا ...صور...كل شيئ عن موزارت .
و هذه بداية
"قداس لراحة الموتى" لموتسارت: روعة العبقرية في أيام صاحبها الأخيرة
خلال السنوات الأخيرة من حياته القصيرة كان موتسارت قد دنا من قضية الموت في الكثير من أعماله... صحيح انه كان لا يزال في مقتبل العمر وما كان عليه أن يفكر باقتراب موته، وإن فكر طبعاً بحتميته، لكن ذلك لم يمنعه من أن يجعل الموت واحداً من مواضيعه الأثيرة. ومن هنا كان من الطبيعي حين شاء القدر لقطعته الرائعة "قداس لراحة الموتى" أن تكون آخر ما ألّفه، بل ألا تكتمل على رغم انها اليوم تقدم وتعرف مكتملة، كان من الطبيعي للباحثين في حياة موتسارت وأعماله أن يتحدثوا عن ذلك الحدس الغريب الذي جعل الموسيقي الشاب ينجز ما أنجز من العمل وكأنه يكتب وصيته، وكأنه يضع اللمسات الأخيرة على عمله، كأنه في هذا العمل ذي الطابع الديني الصرف، يضع من ذاته أكثر مما وضع في أي عمل آخر من أعماله. من هنا لم يكن غريباً على باحث كبير مثل الفريد اينشتاين في كتابه/ المرجع عن موتسارت يقول مؤكداً ان هذا القداس الذي اعتبره كثر من أعظم المؤلفات الموسيقية الدينية "لا يمكن اعتباره عملاً دينياً خالصاً، بل انه عمل مطبوع بالروح الماسونية التي كانت روح موتسارت الأساسية"، مضيفاً "ان الموت بالنسبة الى الموسيقي كان قد كف عن أن يكون مصدر رعب له، بل كان أقرب الى صديق يناجيه وينتظر مثوله في حضرته". ومع هذا على رغم علو باع اينشتاين في كل بحث يتعلق بصاحب القداس، فإن باحثين آخرين يرون أن من الصعب جداً الموافقة على حكمه "بالنظر الى العدد الكبير من المقاطع - في هذا العمل - التي يطبعها الحزن الشديد والارتباك والقلق وصولاً الى اليأس المطبق". وفي مطلق الأحوال فإن جانب الصلاة والتوسل الى السماء في هذا العمل (كما في فقرة "تذكار" وفقرة "نجّني يا الهي") يبدو نادراً من القداس... بل حتى حين يكون ثمة، لفظياً، جانب تغريمي في فقرة ما (كما في مقطع "كيريالايسون") فإن الموسيقى تأتي متناقضة تماماً مع ذلك الجانب. أو هذا على الأقل ما يؤكده الباحث جان - فكتور هوكار، الذي يضيف: "في نهاية الأمر ليس ثمة أي انتظار للرحمة في هذه الآلة الصاخبة التي تندفع من دون هوادة الى الأمام غير تاركة إلا نادراً لحظة للتأمل".
< يحمل هذا العمل الأخير لموتسارت الرقم "ك: 626" بين أعماله...
وعلى رغم أن للعمل كله روح موتسارت، فمن المعروف انه إذ تركه غير مكتمل، فإن أرملته كلفت صديقه ومساعده (في أعمال كثيرة له ومنها "تيتوس") بأن يستكمله، انطلاقاً مما كان موتسارت دونه... والحال أن هذا المساعد، ويدعى سوسماير، قام بالعمل، بكل جهد وابداع حيث أن كثراً يبدو من الصعب عليهم أن يعرفوا حصة الأصلي من حصة المضاف في العمل.
وعلى أي حال فإن لكتابة موتسارت لـ"القداس لراحة الموتى" (أو "الجناز") حكاية أحيطت دائماً بعلامات الاستفهام وبدت أقرب الى الأسطورة وتنوعت تفسيراتها. وتقول هذه الحكاية ان موتسارت الذي كان المرض قد اشتد عليه وهو بعد في الخامسة والثلاثين من عمره، ويعيش فقراً مدقعاً، زاره ذات يوم شخص مجهول وغامض لم يتفوه أمامه بكلمة، بل اكتفى بأن يعطيه رسالة، غير موقعة، يكلفه كاتبها بتأليف "قداس جناز" ويعده بأنه مستعد لأن يدفع اليه مبلغاً كبيراً ثمنه. وبعد أيام عاد الزائر المجهول وأعطى الموسيقي الشاب بعض التعليمات ثم منحه مبلغاً من المال على سبيل العربون... ثم راح الزائر يتردد مرات تالية على منزل موتسارت للتأكد من سير العمل. حتى بوغت بالمؤلف وقد مات من دون أن يكمله. ولاحقاً، بعد استشراء هذه الحكاية، وتعدد التفسيرات لها، من واحد يقول ان الزائر لم يكن غير شبح الموت، الى آخر يقول ان الزائر كان روح والد موتسارت، تبين للباحثين ان الزائر لم يكن في حقيقة أمره سوى خادم نبيل ثري يدعى الكونت فرانز فون فالزغ... وهذا الأخير كان هاوياً للموسيقى وكان اعتاد أن يطلب من مؤلفين شبان أن يبيعوه انتاجاتهم ليضع اسمه عليها لاحقاً حين تقدم، زاعماً انه هو مؤلفها. لكن المسألة كانت مختلفة مع قداس موتسارت، إذ ما ان رحل هذا الأخير اذ اشتد عليه المرض ورمي في حفرة جماعية في المدينة، حتى أكمل سوسماير العمل ضمن اطار فهمه العميق لعمل موتسارت. وقيل أن هذا الأخير لم يكمل تماماً سوى القطعة الأولى من بين الاثنتي عشرة قطعة التي تؤلف القداس، مع ثلاث قطع أخرى بينها "الكريا" و2 "فوغا"... أما القطع الثماني التالية فإن سوسماير هو الذي نظمها ورتبها، علماً أن القطع الثلاث الأخيرة ("سانكتوس" و"بندكتوس" و"آغنوس ديبي") هي من تأليف سوسماير كلياً. ومع هذا ففي الأحوال كافة ينطبع العمل بما يشبه الاستسلام النهائي ازاء الموت، من دون أي أثر لثورة أو انتفاضة ولو عابرة. ان الاستسلام الرائع الحزين هو المهيمن على العمل ككل... ولهذا جعل موتسارت، ومن ثم سوسماير، مع التوزيع الأوركسترالي، عملاً في منتهى الرزانة والبساطة من دون أي مفاجآت... إذ ليس في العمل أي نايات أو أوبوا ولا كورات ولا كلارينيت عادية، وفي المقابل ثمة دور كبير وأساسي للكورات المنخفضة، كما للكلارينيت من مقام "فا" التي يبدو طابعها أكثر حدة من طابع الكلارينيت العادية... ومع مثل هذا التوزيع عرف المؤلف، وتابعه، كيف يصوران بهدوء ذلك الصراع العنيف بين القوى الظلامية اللعينة، وبين القوى النيّرة التي تعبر بالأصوات البشرية عن التطلع الى أعلى حيث النور يأتي كملجأ على رغم الأعاصير. وخلال العمل ككل يحدث مرتين أن تأتي هذه الأصوات مندغمة بجمل عابرة كتبت للكمانات، تأتي لتتصدى، كنوع من العزاء لا أكثر، لقوى الظلام... وخلال هذه المجابهة العنيفة تبدو "النهاية" معلقة... ولكن حتى اللحظة التي "يغرق فيها كل شيء في وهدة الفناء" كما يقول الباحث هوكار، وذلك "عبر الصفحة الموسيقية الأكثر رعباً وسواداً، التي كتبها موتسارت خلال حياته وهي تلك التي تحمل هنا اسم "اوروسوبلكس". وفيها تعبير عن فناء كل شيء وتفككه... لكن المريع هنا هو ان موتسارت لا يجعل هذا التفكك النهائي يحدث وسط تمرد ما أو مجابهة ما، بل عبر الانفراط الكلي والصامت للتناسق والايقاع، وصولاً بالتدريج الى أعمق أعماق الصمت. وهنا، في تلك اللحظة، يرتفع صوت المقطوعة الأسمى المعنونة "لا كريموزا" (النحيب) بكل ما فيها من تعبير "مزدوج" بحسب اينشتاين، حيث ترفع في الوقت نفسه وتيرة الأمل واليأس، الشكل واليقين، وسط موسيقى يبدو واضحاً انها تطرح وسط الارتباك الكلي النهائي، السؤال الأبدي: ما فائدة هذا كله؟... وحين تبدو الموسيقى طارحة لهذا السؤال تتوقف كلياً بعد نوطتين أو ثلاثة وينتهي هذا العمل الذي يرى كثر انه يكاد يكون الأغرب والأكثر تأثيراً في تاريخ الموسيقى ككل وليس في تاريخ موتسارت نفسه.
إذاً، بعد كتابته الجزء الأساسي، وصياغته للروح العميقة التي حملها هذا العمل، أسلم فولفغانغ آماديوس موتسارت الروح في السابع من كانون الأول (ديسمبر) 1791، مختتماً بهذا حياة عبقري لم يجد الدهر مثله، عبقري بدأ حياته الموسيقية في سنواته الأولى، وألف في كل الأنواع راكضاً هاجماً متأملاً فرحاً بائساً، معوزاً، محروماً، متفاخراً، تاركاً لنا مئات الأعمال بين أوبرات (تعتبر من أروع ما كتبت البشرية في هذا النوع) وأعمال دينية وسيمفونيات وكونشرتات، وكل هذا في نوع من "الأرستقراطية الأثيرية التي تضفي نبلاً على كل ما يكتبه ويؤلفه، معطية اياه لوناً لا يمكن لأحد أن يقلده...".
ابراهيم العريس - الحياة11.08.2003 -
* في المرفقات :
( قداس لراحة الموتى ) Mozart requiem mass K626
اداء
Sir Neville Marriner & The Academy Of St Martin In The Fields
نص القداس حسب الحركات مترجماً للانجليزية
J.S: Death is the solution to all problems. No man = No problem.