الاستعدادات تجري على قدم وساق لإفراغ مبنى القيادة القطرية لحزب البعث في منطقة أبو رمانة بدمشق، وإعادته إلى وزارة التربية، إذ كان قبل ذلك معهداً لإعداد المعلمين، في وقت أعلنت فيه القيادة عن تحديد موعد مؤتمرها القطري في أواخر شهر أيار/ مايو 2005، على أن يسبقه مؤتمر قومي "أخير" مطلع الشهر نفسه.
وأكدت مصادر مطلعة أن فروع أجهزة المخابرات السورية المنتشرة بين الأحياء السكنية في العاصمة دمشق سيتم ترحيلها إلى خارج المدينة أو إلى الإدارات تحسباً لأي طارئ.
وقالت المصادر إن إخلاء مبنى القيادة القطرية لحزب البعث سيبدأ في فترة قريبة نظراً لضخامة المكاتب التي يفترض أنها لن تكون بهذا الحجم في الفترة القادمة، إضافة إلى استغلاله لأعمال مفيدة للمجتمع السوري بدل "تعطيله" بهذا الشكل.
ليس مهماً أن تخرج المخابرات من الأحياء السكنية إلى مناطق أخرى، وليس كافياً أن يخلي حزب البعث مبنى من المباني في حين أن المنتفعين والمتنفذين ما زالوا "يملكون" كل شيء في سورية، فالمشكلة أعمق والمطلوب أكبر من ذلك بكثير.
فروع الأمن ومقراته في المدن والمناطق السورية تنتشر مثل الدكاكين، فلا يمر المرء من شارع إلا ويجد مقراً لهذا الفرع الأمني أو ذاك، في حين يشعر المرء بانقباض في صدره ويسأل الله أن يمر من هذه المنطقة بسلام. وإن إبعاد هذه المقرات ونقلها إلى أماكن أخرى، لا يعني سوى "تحديث" الأمن دون أن يعني بالضرورة تغيير أساليبه (تجاه المواطن)، فالإجراءات الأمنية لحماية مقرات فروع الأمن هي الدافع الأساسي لهذه الإجراءات.
وكذلك الأمر بالنسبة لمقر الحزب، فماذا يعني أن يُعاد المبنى للحكومة؟ هل المشكلة في هذا المبنى الذي صادره الحزب، أم المشكلة هي في مصادرة البلد بأكمله لصالح فئة محدودة ومحددة؟! فلو أعاد الحزب كل المباني (وهي مال عام) التي صادرها؛ هل سيعيد الحزبيون، أو بالأصح المنتفعون وأصحاب المصالح الخاصة المنضمون إلى الحزب؛ الذين حولوا البلاد إلى مزرعة خاصة؛ ما نهبوه من المال العام؟ ماذا عن "الشركات الخاصة" التي أسست من "المال العام"؟
في الحقيقة لم يكن السوريون في السنوات الماضية (في زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد) يتوقعون أن يتخلى الحزب عن بعض مقراته، لكن دعونا لا ننسى أن من يتخلى عن "بعض" مقراته الآن مرشح، إن لم يتخذ بعض الخطوات المرضية لجهات خارجية؛ أن "يتخلى" مكرهاً عن الحكم أيضاً، فالأمر لا يتعلق بهبة يقدمها عن طيب خاطر، إذ المطلوب من السلطة في سورية (أمريكياً) أن تخرج من جلدها، وأن يضع "البعث" السوري نصب عينيه مصير "شقيقه" العراقي. ولذلك فإن التراجع تحت الضغط يفقد كثيراً من معانيه، ولا يأخذ حجمه الذي يمكن أن يأخذه حين يُقدم عن "طيب خاطر" في وقت الرخاء.
إن كل ما يحصل الآن في سورية هو إجراءات تجميلية لم تطَل الجوهر بعد. المشكلة ليست في هذه "الرتوش" التي يتحدثون عنها (مثل بعض المباني المصادَرة)، المطلوب هو التخلي عن فكرة الحزب الواحد والقائد الأوحد واحتكار السلطة والثروة بيد أناس لم يصلوا إلى السلطة إلا على ظهر الدبابة العسكرية، ولم يستقروا في أماكنهم إلا بواسطة أدوات القمع، أما صندوق الاقتراع الحر النزيه فهو بعيد عنهم كبعد المشرق عن المغرب.
إذا كان المطلوب أمريكياً أن تخرج السلطة من جلدها - كما يقال - وأن "تحسن" الأجهزة الأمنية وآلات القمع من تعاملها وتعمل على طريقة حلفائها، بحيث لا تتحرك إلا ضد مع تصفهم الولايات المتحدة بالإرهابيين؛ فإن المطلوب سورياً أن تخرج السلطة الفاسدة وأجهزتها القمعية من حياة المواطنين.
--------------------------------------------------------------------------------------
أخبار الشرق - www.thisissyria.net