العقل والعاطفة
العقل والعاطفة
ثم طلبت العرافة ثانية قائلة: "هات حدثنا عن العقل والهوى"
فاجاب وقال:
كثيرا ما تكون نفوسكم ميداناً تسير فيه عقولكم ومدارككم حرباً عواناً على اهوائكم وشهواتكم.
وإنني اود ان اكون صانع سلام في نفوسكم.
فأحول ما فيكم من تنافر وخصام الى وحدة وسلام.
ولكن أنى يكون لي ذلك، اذا لم تصيروا انتم صانعي سلام لنفوسكم ومحبين جميع عناصركم على السواء؟
ان العقل والهوى هما سكان النفس وشراعها وهي سائرة في بحر العالم.
فإذا انكسر السكن او تمزق الشراع فإن سفينة النفس لا تستطيع ان تتابع سيرها، بل ترغم على ملاطمة الأمواج يمنة ويسرة حتى تقذف بكم الى مكان أمين تحفظون به في وسط البحر.
لأن العقل اذا استقل بالسلطان على الجسد قيد اهواءه، ولكن الاهواء اذا لم يرافقها العقل كانت لهيباً يتأجج ليفنى نفسه.
فاجعل نفسك تسمو بعقلك الى مستوى اهوائك، وحينئذ ترى منها ما يطربك ويشرح لك صدرك.
وليكن لك من عقلك دليل وقائد لأهوائك لكي تعيش اهواؤك في كل يوم بعد موتها وتنهض كالعنقاء متسامية فوق رمادها.
وأرغب اليكم ان تعنوا بالعقل والهوى عنايتكم بطيفين عزيزين عليكم.
فإنكم، ولا شك، لا تكرمون الواحد اكثر من الثاني، لأن الذي يعتني بالواحد ويهمل الآخر يخسر محبة الاثنين وثقتهما.
واذا جلستم في ظلال الحوار الوارفة، بين التلال الجميلة، تشاطرون الحقول والمروج البعيدة سلامها وسكينتها وصفاءها، فقولوا حينئذ في قلوبكم: "ان الله يستريح في العقل".
وعندما تعصف العاصفة، وتزعزع الرياح اصول الاشجار في الاحراج، وتعلن الرعود والبروق عظمة السماوات، فقولوا حينئذ في اعماق قلوبكم متهيبين خاشعين" ان الله يتحرك في الاهواء".
وما دمتم نسمة من روح الله، وورقة في حرجه، فأنتم ايضا يجب ان تستريحوا في العقل وتتحركوا في الاهواء.
من السهل ان تعرف كيف تتحرر ولكن من الصعب ان تكون حراً
|