عرض مشاركة واحدة
قديم 21/07/2006   #47
شب و شيخ الشباب HashtNasht
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ HashtNasht
HashtNasht is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
قدامك ...مانك شايفني !
مشاركات:
3,438

افتراضي فكر تشي غيفارا السياسي


الثورة

كانت الماركسية بنظر تشي نظرية للعمل الثوري قبل كل شيء. وقد تبنى فكرة ماركس: لا يكفي تفسير العالم بل يجب تغييره. وكان يعتبر، مستندا إلى لينين، إن دور الثوريين هو المساهمة في خلق شروط الاستيلاء الثوري على السلطة، وهذه هي الفكرة التي نجد عند تشي بصدد دور حرب الغوار.
فبنظره لا يمكن قضاء الوقت في انتظار استيفاء شروط الاستيلاء على السلطة كما كانت تفعل غالبية الأحزاب الشيوعية بأمريكا اللاتينية، بل تجب المساعدة على خلق شروط الثورة. ولا يعني هذا بأي وجه أن لتشي تصور إرادوي صرف للعمل الثوري لا يأخذ بالحسبان الشروط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع، بل طور فكرة استحالة تطور الثورة دون فعل المنظمات الثورية والجماهير. وقد كان هذا التصور في قطيعة تامة مع تصورات غالبية منظمات اليسار التقليدي بأمريكا اللاتينية آنذاك، ولا سيما الأحزاب الشيوعية التي كان لها تصور للثورة على مراحل وكانت تنتظر يوم تستوفى فيه الشروط لطرح مشكل الاستيلاء الثوري على السلطة. بهذا المعنى يتعين فهم جملة تشي:« واجب كل ثوري ان يقوم بالثورة ». وتبنى تشي فكرة ماركس التي مؤداها أن تاريخ البشرية يتميز بكون البشر أنفسهم صانعيه وأن الثورة الاشتراكية هي بداية صنعه بوعي. ومن جهة أخرى يتعذر تحقيق الثورة والاشتراكية، بنظر تشي، دون تعبئة شعبية وليس فقط بطليعة ثورية تستولي على السلطة وتبني مجتمعا اكثر إنسانية. فبرأيه يستحيل أي تغيير حقيقي للمجتمع دون تدخل الجماهير. وتبنى صيغة تحرر العمال من صنع العمال أنفسهم. وسيكون كامل نشاط تشي الثوري موجها بهذا الفكر السياسي التي يمثل قطيعة مع التصورات القائمة في الحركة العمالية بأمريكا اللاتينية آنذاك.
يكمن تفسير تطور فكر تشي السياسي جزئيا في الأسفار التي قام بها في أمريكا اللاتينية بين 1951 و1956. وكانت إقامته في غواتيمالا هامة من زاوية النظر هذه. فهناك شهد كيف تمت إطاحة حكومة البلد التي حاولت تطوير إصلاحا زراعيا، وذلك بتدخل عسكري مدعوم من الولايات المتحدة ومن جيش غواتيمالا. ويؤكد هذا أن الوصول إلى الحكم دون الإطاحة بالمجتمع القديم محكوم بالفشل. ليس التصور القائم على تحويل إصلاحي للمجتمع غير أوهام بنظره، فالقطيعة الشاملة، والثورية بالضرورة، مع النظام الاجتماعي القديم، هي التي تجعل تغييرا حقيقيا للمجتمع أمرا ممكنا.. وبعد بضع سنوات من موت تشي كان المثال الشيلي هو أيضا منيرا.
فحكومة أليندي،الذي وصل إلى السلطة بالطريق الانتخابي ، حاولت القيام بإصلاحات اجتماعية هامة لكن دون استناد فعلي إلى الجماهير الشعبية ودون تدمير جهاز الدولة القديم، أطيح بها بانقلاب بينوشيه سنة 1973 ، وهو الانقلاب الذي دعمته ومولته وسلحته كبريات التروستات الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية.
أخيرا، لأجل فهم التصور الذي طوره تشي لثورتهم يجب إدراك أنه كان ذي رؤية واضحة لمكانة البرجوازية في بلدان أمريكا اللاتينية. وكانت الأحزاب الشيوعية آنذاك تدافع عن وجوب قيام البرجوازية الوطنية بالثورة وتطوير البلد مثل البرجوازية الفرنسية في 1789 قبل وضع الثورة الاشتراكية على جدول الأعمال. أدرك تشي استحالة الدفاع عن هذه الرؤية الميكانيكية للثورة. فبرجوازية البلدان الخاضعة للسيطرة اختارت بشكل ممنهج الارتباط بمصالح الإمبريالية، و كانت ضد أي ثورة خوفا من ثورة شعبية تقوم بإصلاح زراعي وتمس المصالح الاقتصادية للإمبريالية عبر تأميمات. بفعل عجزها عن تطوير ثورة ديمقراطية، الناتج عن كونها تابعة، وخشيتها من ثورة ديمقراطية تمس مصالحها، لا تقوم برجوازية البلدان التابعة باي دور ثوري، لا بل هي تعارض الثورة. لذا لا يمكن، بنظر تشي، الوصول إلى إصلاح زراعي جذري وإلى النضال الفعال ضد الإمبريالية وتدخلها بأمريكا اللاتينية ولأجل الخروج من التخلف، إلا بالاستناد على الجماهير الشعبية، لاسيما الفلاحين الفقراء والسير نحو ثورة اشتراكية. وهنا أيضا كان مثال الثورة الكوبية هو المغذي لفكر تشي. إذ واجهت هذه الثورة مجموع هذه المسائل فيما بين استيلاء الثوريين على السلطة سنة 1959 وسياسة التغييرات الاجتماعية التي طبقت فيما بعد وإعلان الطابع الاشتراكي للثورة عام 1961. ومن هنا انطرحت بالنسبة لتشي ضرورة ثورة اشتراكية على صعيد قارة أمريكا اللاتينية برمتها ومجموع العالم الثالث بوجه عام. يلتقي هذا التصور إلى حد كبير مع ذاك الذي دافع عنه تروتسكي والتروتسكيون ومؤداه ان مهام الثورة الديمقراطية بالبلدان التابعة هي على كاهل الجماهير العمالية والفلاحية نفسها لأن البرجوازية، المستندة إلى الإمبريالية، لا تسير بها إلى النجاح. وعلى هذا النحو يتعين أن تكون الثورة دائمة وليست عبر مراحل بحيث تشكل الثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكية سيرورة واحدة.

نظرية عن حرب الغوار
كان تشي مقتنعا بحتمية النضال المسلح. وكان يدرك أن ثورة إشتراكية، أي ثورة تضع موضع الاتهام مصالح الطبقات الحاكمة وسلطتها، لن تنتصر سوى بمواجهة جهاز الدولة القديم وتدميره. وسيكون وهما الإعتقاد أن الطبقات الحاكمة ستترك السلطة تفلت منها دون رد فعل. يتعين إذن على الثورة أن تكون قادرة على الظفر عسكريا أيضا. علاوة على أن التاريخ أبرز مرارا عديدة، في أمريكا اللاتينية، أن الجيش الوطني والقوى الامبريالية قد تتدخل لسحق الحركات الشعبية، وصولا حتى إلى فرض ديكتاتورية عسكرية. ومن جهة أخرى خبَر غيفارا ذلك غداة إنزال وحدات من أتباع الديكتاتور السابق باتيستا، الذين سلحتهم الولايات المتحدة الأمريكية ودربتهم وأطرتهم، في Playa Gijon قصد إطاحة حكومة كاسترو في أبريل 1961. وقد كان ما كسب تشي من تجربة خلال رحلاته في قارة أمريكا اللاتينية برمتها حاسما ومفيدا في النظر الى النضال الثوري بما هو نضال مسلح ايضا.
سوف يضع تشي، انطلاقا من تصوراته السياسية ومن دراسة حركات حرب غوار أخرى بالعالم، نظريته الخاصة بحرب الغوار. وهي ترتكز على فكرة أن جماهير الفلاحين المستغَلين هي من يشكل في نفس الوقت حلقة المجتمع الضعيفة وقطاع السكان الذي يتعين على الحركات الثورية الاعتماد عليه. ومن جهة أخرى، يعتبر من زاوية نظر الاستراتيجية العسكرية، أن القرى تقدم للثوريين مجالا ملائما (إمكانية إيجاد مخابىء، والانسحاب بعيدا عن منال قوى القمع...) . ولا يمكن بنظره أن تحدث الثورة إلا إذا اجتمعت شروط عديدة، ألا وهي سياق سياسي واجتماعي ملائم، ووعي الجماهير بإمكانية التغيير و توقها إليه. أي أنه لا يعتبر حرب الغوار كفيلة وحدها بانتصار الثورة. كان تشي يرى أن تطور حرب غوار في وسط ملائم يتيح ظهور شروط الإنتصار الثوري. إنها تقوم بدور حافز لتناقضات المجتمع بكشفها للطبيعة الحقيقية للسلطة وإمكانية النضال ضدها بفعالية.
لم يكن تشي يرى في حرب الغوار هذه طليعة تناضل منعزلة عن الجماهير. بالعكس يتوجب عليها الاستناد على هذه الأخيرة، والظهور بمثابة المعبر عن نضالها الطبقي، واستقطاب مقاتلين منها. تمثل حرب الغوار استمرارا مسلحا لنضال سياسي في المقام الأول.إن دورها إذن سياسي بقدر ما هو عسكري، وتقوم فضلا عن عمل الدعاوة الكلاسيكي، بالدعاوة بالأفعال بإبراز عدم استقرار السلطة القائمة وباتخاذ تدابير ثورية في المناطق التي يتحكم بها مناضلو حرب الغوار (نزع ملكية ، وتوزيع الأراضي على الفلاحين ،وتنظيم تعاونيات وبناء سلطة أخرى...). وتدريجيا تؤسس وضع سلطة مزدوجة بظهورها كسلطة بديلة عن السلطة القائمة. وللعلاقة التي تقيمها مع الفلاحين معنى مزدوج لأنها تتعلم وتتكيف مع الوضع الحقيقي ومع مطالب الفلاحين. وعلى هذا النحو تميل أكثر فأكثر إلى تشكيل جسم واحد مع جماهير الفلاحين.
كان تشي فضلا عن ذلك واعيا بالدور الذي يتعين على قطاعات المجتمع الأخرى أن تقوم به. وكان يدرك بوجه خاص أن على الطبقة العاملة أن تلعب دورا مركزيا في النضال الثوري. وهكذا فإن تنسيقا بين مقاتلي حرب الغوار والطبقة العاملة ضروري و يتيح معا إطاحة النظام و توحيد مجموع الفئات الشعبية في النضال الثوري ( مثال فيتنام ). و للإضراب العام في وجهة النظر تلك دور مركزي. و كان نموذج الثورة الكوبية حاسما بالطبع، إذ أن الضربة القاضية على نظام باتيستا جاءت من الإضراب العام في فاتح يناير 1959.

J.S: Death is the solution to all problems. No man = No problem.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07598 seconds with 10 queries