في البعد الدولي لا تستطيع إسرائيل الارتياح رغم الغطاء الأميركي نظرا لتعدد البؤر الملتهبة، وبالتالي حاجة الولايات المتحدة إلى تسويات في ملفات أخرى تضطرها لضبط الإيقاع الإسرائيلي الحربي، خاصة أن ملفات مثل العراق وكوريا الشمالية وإيران ستضطر واشنطن للبحث عن تضامن دولي يطالبها في المقابل بكف يد إسرائيل أو ضبط قوتها.
وقد لاحظنا وتيرة ذلك في المواقف الروسية والصينية والفرنسية التي هي بالمناسبة أفضل من المواقف العربية.
يضاف إلى كل ذلك أنه لا إسرائيل ولا حتى الولايات المتحدة تملك إجابات أو رؤية عن الإجابات الحاسمة على سؤال ما بعد تحقق أهدافها، فماذا بعد إنهاء حكم حماس؟ وماذا بعد استئصال حزب الله؟
وهل حقا أن الخارطة المشكلة بعدهما ستخدم المشروع الإسرائيلي والأميركي في المنطقة، إذ تنهي إسرائيل حكم حماس وتضعف حزب الله باستخدام القوة العسكرية والروافع الداخلية والإقليمية والدولية المساندة.
ولكن إسرائيل بالقطع ستغامر بخسارة التسوية والهدوء واستقرار المنطقة ككل، خاصة أن التاريخ يعلمنا أن المقاومة المستضعفة سرعان ما تجد الظروف والمناصرين لاسترجاع قوتها وإعادة الكرة من جديد.. فما بالكم بمقاومة عقدية؟
في ظل كل ذلك على ماذا تراهن إسرائيل؟ وإلى أين تذهب؟!
يحمل المستقبل ثلاث سيناريوهات لكل منها قدر من الإمكان رغم تفاوت ذلك القدر.
الأول سيناريو الحرب (الفوضى)، وهو الذي يفترض توسع نطاق الضربات المتبادلة ليشمل سوريا وإيران ولبنان وفلسطين. ولكن هذا السيناريو مخاطره كبيرة جدا وعواقبه لن تحتملها إسرائيل فضلا عن الولايات المتحدة، لأنه يهدد مستقبلهما في المنطقة ويضعف المشروع الأميركي في العراق ويقامر باستقرار الأنظمة الحليفة لها.
ولذا لا نرى أن لهذا السيناريو وزنا كبيرا لأن مصالح جميع الأطراف لا تريد الوصول إليه، كما أن الدول الكبرى لا تساند الولايات المتحدة في الوصول إليه لتعارض مصالحها هي الأخرى معه، ناهيك عن ضعف شعبية الرئيس الأميركي جورج بوش إلى أدنى مستوى وترنح حليفه توني بلير تحت سطوة الفضائح.
الثاني سيناريو اللاحرب واللاستقرار (التأرجح) الذي قد يقود يوما إلى الحرب ويوما إلى الاستقرار، وهو سيناريو يفترض عدم اعتراف إسرائيل بواقع الردع الذي يملكه حزب الله، وعدم اعتراف الحزب بواقع الاستقطاب اللبناني المتناقض حول المقاومة وجدواها، ما سيبقي حالة المواجهة في وتيرة تعلو تارة وتنخفض أخرى.
ولكن هذا السيناريو مشكوك فيه أيضا لأن الساحة الإقليمية وحتى الدولية لا تقوى على سيناريو يشعل الجبهة اللبنانية، وهو بالذات يناقض الرغبة الأميركية ولا تقوى عليه الجبهة الداخلية الإسرائيلية وسيخلق انقساما حادا في الساحة اللبنانية مع ارتفاع وتيرة المقاومة.
أما الثالث فسيناريو الاستقرار (التوازن) فيفترض توصل الأطراف إليه إما حسب المعادلة القديمة بتفاهم غير مباشر على حدود المقاومة وسقف العدوان ضمن توازن الرعب السابق، وإما حسب توازن جديد ينتهي إليه الأمر تتوقف بجانبه صواريخ المقاومة مقابل توقف شكل من أشكال العدوان.
وهذا السيناريو البعيد عن طموح إسرائيل والقريب من آمال المقاومة لا يبدو بعيدا، خاصة إذا أنجزت المقاومة صفقة مع إسرائيل حول جنودها المخطوفين. ولعلنا نلمس في التاريخ الإسرائيلي ما يؤيد مثل هذه الصفقات، كما أن التصريحات الإسرائيلية السرية والعلنية تتضمن ذلك على الأقل في قضية جلعاد شاليط الأسير لدى حماس.
وهم سيصلون إلى ذات الاستنتاج في لبنان بعد انتهاء الأهداف المعدة للضرب وتأكدهم أن لا جدوى من المراهنة على استئصال حزب الله لكونه يملك قاعدة شعبية لا يمكن لصناعة السياسة اللبنانية أن تغيبها.
ويزيد من قوة هذا السيناريو محدودية الأهداف الإسرائيلية وإمكانية قبول الأغلبية الحاكمة في لبنان لنشر هش للجيش اللبناني مع انسحاب إسرائيلي عن معظم الأراضي التي بقيت محتلة وإفراج عن الأسرى اللبنانيين.
الجزيرة.