12/07/2006
|
#65
|
مشرف متقاعد
نورنا ب: |
May 2006 |
مشاركات: |
3,276 |
|
ثم جاء المتوكل وأخذ يضطهد المعتزلة اضطهاداً مزرياً، وصار يتتبعهم فرداً فرداً ويقصيهم عن مناصبهم التي كانوا فيها على عهد أسلافه الثلاثة. ومن جملة ما فعل في هذا السبيل أنه أمر عامله في مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة هناك، إذ كان معتزلياً شديداً، وأن يضربه ويطوف به على حمار في الأسواق[4]
ولا مراء أن المتوكل كان من أظلم الخلفاء ومن أكثرهم عربدة ودناءة وسفكاً للدماء. وقد سماه بعض المستشرقين " نيرون الشرق". ولكن فعله ذاك في إحياء السنة وإماتة الفتنة جعل الفقهاء يمجدونه ويغتفرون له سوء فعله [5].
وأقام العباسيون محاكم الزنادقة التي حاكمت كل من جاء برأي يخالف رأي الإسلاميين الكلاسيكيين بتهمة الزندقة وقتلوه وأحرقوا كتبه. وقتلوا وأحرقوا أعداداً كبيرة من العلماء وكتبهم من أمثال ابن الراوندي و ابن المقفع( قتل عام 760م) وابن أبي العوجاء (عام 772م) و بشار بن برد( عام 784)و صالح بن عبد القدوس(عام 783م) وجعد بن درهم(عام742م) والحلاج (عام 922م) وآخرين. وهناك كُتاب اعتبرهم الإسلاميون الأوائل من كبار الزنادقة منهم أبو حيّان التوحيدي وأبو العلاء المعري وابن العربي الذي كتب " جواهر الأمثال" الذي قالوا إنه يدعوا إلى الكفر.
وفي الأندلس ساد جو من الخوف على الفلاسفة والكُتاب لأنه كان من السهل أن يُتهموا بالزندقة. ويُحكى أن ابن رشد عندما قدموه للحاكم أبو يعقوب يوسف، سأله أبويعقوب:" كيف يرى الفلاسفة السماء، هل هي من مادة أزلية أم أن لها بداية؟ " فسيطر الخوف على ابن رشد الذي اعتبر السؤال بمثابة استدراج له ليقول شيئاً يعتبره الحاكم دليلاً على الزندقة، فلم يستطع أن ينطق كلمةً واحدةً [6]. , وفي مثل هذا الجو المشحون بالخوف، اجتمع علماء الأندلس في مدينة قرطبة في عام 1192م وأحرقوا مكتبة المدينة بكل ما تضم من كتب العلم والطب والفلك، لأن تلك الكتب كانت تمثل خطراً عظيماً على الإسلام لما فيها من إلحاد [7].
وتعلم المسلمون غير العرب من أساتذتهم العرب، أهل الإسلام، كيف يحرقون الكتب. فلما غزا تيمورلنك بغداد قتل ونهب وأسر وسبى وأحرق المكتبات وأباح بغداد لجنوده. ولما رجع إلى سمرقند احتفلوا به لأنه ملأ أسواقهم بالعبيد والجواري والتحف. وقبره اليوم في سمرقند تعلوه قبة خضراء شاهقة، وتحيط به الآيات من كتاب الله الكريم. وهو مقدس في نظر العامة هناك، يحجون إليه وينذرون النذور إليه ويتبركون به. ولا يهمهم أنه حرق الكتب.
يروي البروفيسور نيكلسون عن المقديسي: " إن الأندلسيين لم يعترفوا إلا بالقرآن وبموطأ مالك، فإذا وجدوا أحداً من أتباع أبي حنيفة أو الشافعي طردوه من بلادهم. وإذا لقوا معتزلياً أو شيعياً قتلوه[8]
ويقال إن الخليفة الهادي أمر أثناء حجته التي قتل فيها الرجل الذي وصف الحجيج ببقر البيدر، أن يهيأ له ألف جذع من جذوع النخل لكي يصلب عليها الزنادقة. وصرح قائلاً: " والله لئن عشت لأقتلن هذه الفرقة كلها حتى لا أترك منها عيناً تطرف"[9]. والغريب أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن الزنديق يجب أن يقتل ولا تقبل توبته إذا تاب [10]، مع أن الله يقول: " فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم "( المائدة/39). وزيادةً على ذلك فإن الله يتوب على المارقين لكي يشجعهم على التوبة، حتى قبل أن يتوبوا هم: " وعلى الثلاثة الذين تخلفوا حتى إذا ضاقت بهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم" ( التوبة/11 .
والعلماء والحكام المسلمين يقتلون من يخالفهم الرأي ويحرقون الكتب باسم الإسلام لأنهم يعتقدون أنهم يحاربون بالإنابة عن الله، والله قادر أن يدير حربه بنفسه إن أراد أن يحارب المرتدين وعبدة الطاغوت. وحتى معاوية بن أبي سفيان، أبعد الناس عن الدين، سمع أن عليّ بن أبي طالب قد بعث الأشتر والياً على مصر، وخشي أن يؤلب الأشتر الناس عليه فتآمر مع أحد شيوخ القبائل الذي سقى الأشتر عسلاً مسموماً مات على أثره، فلما سمع بذلك معاوية قال: " إن لله جنداً من عسل ". فأدخلوا الله في المؤامرات والاغتيالات.
|
|
|