عرض مشاركة واحدة
قديم 08/07/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي الخاتمة.


كان قد بدأ شك كبير بأن الحرب قد أصبحت على الأبواب، وحضرت في اليوم التالي اجتماعاً لعرض الخطة الهجومية السورية في حال أطلقت إسرائيل قواتها على الجبهة المصرية، وحضر الاجتماع اللواء أحمد سويداني رئيس أركان الجيش آنذاك، وقد صدق على الخطة كما عرضها عليه اللواء عبد الرزاق دردري رئيس شعبة العمليات، ولكنه اعترض اللواء سويداني قبل مغادرته سائلاً عن الاسم الرمزي الذي يفضل إطلاقه على هذه الخطة.
فكر اللواء سويداني لثوان معدودة وقال بفخر لا يخفى: "نصر" .. اعترضت على التسمية، فدعاني اللواء سويداني - وكان من مستجدي دورتي في الكلية العسكرية - إلى مكتبه للمناقشة وتبعته، خاصة وأنني لا أعلم لماذا استدعيت إلى سورية وماذا ينتظرني من مهام.
أبديت له في مكتبه القريب من اجتماع الخطة مخاوفي الكبيرة - معللة عسكرياً - من إمكانية تحقيق أي نجاح لهذه الخطة، وهاهي بعض الأسباب:
• إن مسرح العمليات غير محضر للقيام بأية عملية هجومية، لا طرق ولا مرابض ولا قواعد انطلاق للقوات المهاجمة الأمر الذي يتطلب لإتمامه فترة زمنية طويلة تعد بالأسابيع وليس بالساعات - كما ادعى -
• إن القوات المكلفة بالهجوم لا تتمتع بأي كفاءة عسكرية وكان عمودها الفقري اللواء 80 الاحتياطي، والذي جمعت عناصره على عجل، وبعضها لم يستلم سلاحه وذخيرته بعد. بل إن الكثير من عناصره لا يزال باللباس المدني وهو لم يستدع للتدريب منذ وقت طويل.
• كانت الوسائط القتالية الأخرى اللازمة للقتال الهجومي الذي يعتمد أولاً على الحركة شبه معدومة، فالشاحنات المدنية كانت تنقل العسكر إلى مواقع لا يعلمون عنها شيئاً، ولم تحضر لأي غرض قتالي.
• لم يكن لدى قوات الهجوم أي وسائط قيادة واتصال تقريباً، كما أن القيادة العامة لا تملك مثل هذه الوسائط لتأمين سيطرة مركزية على القوات المشتركة في الهجوم.
• لم ينظم أي تعاون بين القوات المهاجمة وبين وحدات الدفاع المتمركزة في قطاع هجومها (العبور - التغطية الجوية - المرور من حقول الألغام - الاستفادة من الدعم الناري والمدفعي للقوات المدافعة). طبعاً كان هناك كلام نظري حول بعض هذه الأمور ولكنه يفتقر إلى أي مرتكز واقعي.
كان اللواء سويداني في وضع حرج جداً، ولم يستطع أن يدخل في نقاش جاد حول الملاحظات التي أبديتها، وهنا أسقط في يده وأطلعني - كما يقول - على سر كبير لا يعلم به أحد وعزاه إلى الرئيس عبد الناصر في اجتماع ضمهما مع رئيس الوزارة آنذاك يوسف زعين ومفاده أن "الحرب لن تقوم، وسنكسب المعركة دون قتال". وكان هذا الاجتماع منذ يومين - كما ادعى -.
لم أصدق هذه الرواية ولكنني لا أستطيع تكذيبه وجهاً لوجه، ولكنني رجوته ألا يصل هذا الكلام إلى القوات بأي شكل من الأشكال، لأن خبرا كهذا سوف ينتشر كالنار في الهشيم وسوف يتواكل القادة والمقاتلون ولا ينفذون أي إجراء يرفع من جاهزيتهم القتالية، وخاصة أنني لم أوافقه على هذا التقييم الذي خرجوا به مع الرئيس جمال عبد الناصر. وأن قرار الحرب هو قرار إسرائيلي وليس قرارنا بعد الآن.
على خط النار:
صدر القرار بتعييني رئيساً لأركان مجموعة الألوية 35 بقيادة العميد سعيد طيان وذلك بدلاً من العقيد إحسان زين الدين الذي كان لا يتمتع بالكفاءة العسكرية اللازمة لشغل هذا المنصب - حسب تصريح اللواء سويداني - ولكنني بهذه المناسبة عبرت له عن أن مثل هذه العليقة والحرب على الأبواب لا تجدي نفعاً، وأجاب معترفاً بأنهم تأخروا في مثل هذه الإجراءات، ولكن وجودي أفضل من العقيد زين الدين (وأن تصل متأخراً أفضل من أن لا تصل أبداً).
لم أستغرب معالجة أمور بهذا القدر من الأهمية بمثل هذه السطحية والارتباك وسوء التقدير، وأنا أعام أن الأمر في القطاع المدني لا يختلف كثيراً، إن لم يكن أسوأ بكثير. ولكن القوات المسلحة كانت تعاني أساساً من عيوب هامة لا تستطيع معها أن تكون في حال جاهزية عالية وأركز على ثلاثة منها:
أولاً- كانت القوات المسلحة مهتمة بكل الأمور الداخلية ماعدا الجاهزية القتالية، والصراع على السلطة كان الهم اليومي للقادة ليس فقط على المستوى الأعلى، بل إنه كان حديث الساعة حتى على مستوى المقاتل العادي.
ثانياً- إن تشكيل القوات وتمركزها واختيار عناصرها وتجهيزهم وتسليحهم لم يكن بغرض المواجهة مع العدو، فهذا كان آخر اهتمامات المسؤولين.
ثالثاً- أبعدت الأكثرية الساحقة من الكفاءات القيادية عن مراكز القيادة، وسلمت إلى قادة موالين غير مؤهلين، وأحيانا أغبياء وغالباً مكروهين، الأمر الذي خلق هوة كبيرة بين القيادات والمقاتلين على مختلف المستويات.
هل من المستغرب إذاً أن أجد لدى بعض الضباط من مجموعة الألوية شعوراً بالشماتة عندما اخترقت القوات الإسرائيلية خطوط جبهتنا في شمال الجولان؟ ولم أتكتم على ذلك، بل ذكرته في تقريري عن الحرب بعد انتهائها مع التحليل المناسب وبدون ذكر الأسماء طبعاً، ورفعته إلى القيادة العامة بالطريق النظامي.
لم تصطدم قيادة مجموعة الألوية 35 مباشرة مع العدو، ولكنها كانت جاهزة لصد أي هجوم ينطلق من القطاع الجنوبي للجبهة من جنوب بحيرة طبريا، وبالفعل فقد لوحظ من مساء التاسع من حزيران - بعد أن اخترقت جبهتنا من القطاع الشمالي صباحاً - تجمعات كبيرة تتزايد مع مرور الوقت، واتخذنا قراراً بتدميرها أو على الأقل منعها من متابعة التجمع الذي بدا لنا وكأنه مؤشر على هجوم، يؤمن في حال نجاحه تطويق القوات السورية المدافعة على هضبة الجولان وذلك بالتلاقي مع الاختراق الذي حصل شمالاً.
لم تتفق القيادة معنا في تقديراتنا - على ما يبدو - وفوجئت باتصال قرب منتصف الليل، وكان على الطرف الآخر العقيد عبد الكريم الجندي رئيس المخابرات العامة، وكان ينتقد تصرفنا في القصف المدفعي، ويزعم أنه كان من المفترض أن نستأذن القيادة في ذلك. إلا أنني رفضت هذا المبدأ، مذكراً أن العدو قد أصبح في ديارنا ولا يعقل أن نراه يحضر لتطويقنا ونحن بانتظار إذن القيادة للاشتباك معه، ثم استنكرت تدخله في أمر عسكري كهذا وهو لا يملك مثل هذا الحق. حينئذ قال بأنه يتكلم من مكتب وزير الدفاع، واستلم اللواء حافظ الأسد الهاتف وحاول أن يبرد من ثورتي بالادعاء بأن العقيد الجندي يتحدث باعتبار أن هناك حديثاً عن وقف لإطلاق النار، قد يتم في الساعة الثالثة من فجر هذا اليوم العاشر من حزيران. وأجبته بأننا ننفذ الأوامر حين تلقيها، وأن توجيه اللوم والانتقاد بسبب اشتباكنا مع العدو وهو في أرضنا أمر لا يمكن قبوله.
استمرت المعركة في القطاع الشمالي والأوسط حتى ظهيرة اليوم العاشر من حزيران، وفي القطاع الجنوبي تابعنا معركة المدفعية مع الرماية المباشرة على خط الجبهة، وقد تبين فيما بعد ومن الأدبيات الإسرائيلية عن هذه الحرب، أن القيادة الإسرائيلية كانت بالفعل تحضر هجومها باختراق خطوط دفاعنا في القطاع الجنوبي وذلك بقوة لوائين في نسق الهجوم الأول، واعترف الكتاب الإسرائيليون بأن مدفعيتنا وأسلحة الرمي المباشر على خط وقف إطلاق النار قد شتت القوات المتجمعة جنوب بحيرة طبريا، وألغي قرار الهجوم هذا.
بعض الحقائق والمواقف التفصيلية التي ميزت الحرب على الجبهة السورية:
أولاً- خط الجبهة الحصين لم يكن إلا أسطورة، فالدفاعات السورية كانت عادية جداً. الخنادق والأفراد كانت مدعمة بدرجات مختلفة، وبعض المنع الإسمنتية لما كان يسمى بأسلحة الوضع، وهي قطع مدفعية أو دبابات منفردة زرعت في مواقع مناسبة للاشتباك تحسب ولا تتعلق بخطة الوحدات المدافعة حولها إلا من باب التنسيق، ولم يكن هناك خطة تحصين متكاملة تشمل كل قطاعات الجبهة.
ثانياً- لم تكن القيادة الميدانية للجبهة تمارس سيطرتها على القوات المدافعة وقوات الهجوم المعاكس التي كان من المفروض أنها تستعد لتنفيذ هجومها المعاكس على العدو المخترق، كما أن أي تنسيق لم يكن قد نظم بين المدافعين واللواء 70 المدرع الذي كان يقوده المقدم عزت جديد والذي يعتبر العمود الفقري للهجوم المعاكس.
ثالثاً- إن الظروف النفسية التي كانت مسيطرة على القوات السورية المدافعة بعد سقوط الجبهتين المصرية والأردنية في أقل من أربعة أيام، وتوجه كامل الآلة العسكرية الإسرائيلية إلى الجولان كانت مدمر، ولا يمكن أن ننسى أبداً الآثار المأساوية لإعلان الرئيس جمال عبد الناصر استقالته باعتباره مسؤولاً عن خسارة الحرب وتدمير جيشه.
رابعاً- كان إعلان سقوط القنيطرة قبيل ظهيرة اليوم العشر من حزيران سبباً هاماً أفقد كل مدافع على كامل قطاع الجبهة أي أمل في جدوى وفاعلية صموده، وبالتالي فقد تخلخل الدفاع بالانسحابات الكيفية حتى انهار.
لا أريد أن أعلق كثيراً على سقوط القنيطرة - أو إعلان سقوطها - لأن تبرير السقوط - أو إعلانه - لا يزال ملتبساً وخاضعاً لتفسيرات واجتهادات لا تنتهي، ورغم مرور 39 عاماً على هذا الحدث، فإن أي إيضاح لم يصدر كما لم تنشر أية وثيقة .. . وكأن الأمر لا يتعدى انقطاع التيار الكهربائي عن حي فقير يقبع بعيداً في ريف دمشق.
__________

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05276 seconds with 10 queries