من الحفريات إلى أغوار الوعي
أما تشارلز دارون الذي كان عالمأحياء وعالما طبيعيا. فقد كان أيضا هو العالم الحديث الذي تحدى كثيرا من المفاهيمالعلمية القديمة التي كانت تدعمها الكنيسة الأوربية. عندما كان تلميذا بالمدرسةالثانوية وصفه مدير المدرسة بأنه "لاه وعابث بالأشياء ولا يقوم بأي عمل ذي نفع" فقدكان منذ صغره، مشغولا بمراقبة الحشرات وفحص الأزهار. ولكنه برغم ذلك اكتسب - وهو مازال في الكلية - شهرته كعالم طبيعي.
في عام 1831 قام برحلة استكشاف على ظهرإحدى الناقلات البحرية إلى شواطئ أمريكا الجنوبية. وكان من المقرر أن تستغرق هذهالرحلة عامين ولكنها امتدت إلى خمسة أعوام لتتحول بذلك إلى واحدة من أهم الرحلاتالاستكشافية في العصور الحديثة. وخلال هذه الرحلة وضع دارون التصور الأولي لماسيصبح بعد ذلك نظريته في النشوء والارتقاء.
لقد ارتكزت هذه النظرية علىفكرتين رئيسيتين، أولاهما : أن كل الأشكال الحيوانية والنباتية الموجودة تنحدر منأشكال سابقة أكثر بدائية عن طريق النشوء والارتقاء البيولوجي. وثانيهما : أن هذاالنشوء كان نتيجة الانتخاب الطبيعي، أو ما يطلق عليه "البقاء للأصلح".
لمتكن فكرة النشوء بالجديدة ولكن أحدا من العلماء الذين تبنوها لم يستطع أن يأتيبتفسير مقبول، لذلك لم تأخذها الكنيسة بجدية. وكان دارون رجلا حذرا. طرح العديد منالأسئلة قبل أن يجازف بالإجابة عنها. وهو بذلك قد استعمل منهج جميع الفلاسفة : منالضروري أن تسأل ولا مبرر للاستعجال في الإجابة.
آمن دارون بأن التغيراتالصغيرة التدريجية التي حدثت للكائنات المختلقة قد تؤدي إلى تغيرات كبرى إذا أعطيتالوقت الكافي، وقد برهن على ذلك بوجود العديد من الحفريات المختلفة لكائن واحد فيطبقات مختلفة من الصخور. وكذلك ساعدته رحلته الطويلة على رؤية أفراد النوع الواحدمن الحيوان ضمن نطاق المنطقة مع اختلاف طفيف في التفاصيل الدقيقة، وبما أن عمرالأرض يبلغ 4.6 بليون سنة تقريبا فعلينا أن نتخيل حجم التغيرات التي حدثت خلال هذهالفترة الطويلة
ويبقى سيجموند فرويد - الذي ولد عام 1586 - الذي تخصص في طبالأعصاب وقاده هذا التخصص إلى البحث في أعماق النفس البشرية، ويغطي مصطلح "التحليلالنفسي" وصفا لهذه النفس ويقدم أيضا منهجا وطريقة لعلاج الآلام النفسية والعصبية. ويمكن القول بلا مبالغة إن فرويد هو أول من اكتشف الحياة الغرائزيةللإنسان.
فهو ليس كائنا عقلانيا بحتا كما حاول الفلاسفة العقلانيون أنيقنعونا. فغالبا ما تحدد اندفاعات لا عقلانية ما نفكر به أو نحلم به أو نفعله. ويمكن أن تكون هذه الاندفاعات تعبيرا عن غرائز أو رغبات عميقة. فالرغبة الجنسية لدىالإنسان مثلا - على حد تعبير فرويد - لا تقل في أساسها عن الحاجة للرضاعة لدىالطفل.
ويطلق فرويد على "مبدأ الاندفاعات" و"الرغبة" تسمية الانفعالاللاواعي. ونحتفظ بهذا الانفعال في داخلنا منذ لحظة الميلاد حتى الموت. ولكننانتعلم تدريجيا كيف نعتدل في رغباتنا ونتكيف مع قواعد العالم المحيط بنا. أي أننانقوم ببناء "ذات" أخرى مهمتها كبت وتعديل وتأجيل هذه الرغبات وهي التي يمكن أن نطلقعليها الضمير.. أو الأنا العليا.