عرض مشاركة واحدة
قديم 07/07/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي التكملة.


إن تيار الدهشة لا يتوقف. ومع كل مرحلة من مراحل الحضارة تزداد حرقة الأسئلة.. وتزداد أيضا محاولات إعمال الفكر من أجل الوصول إلى الإجابة المثلى برغم أنه لا توجد إجابة مثلى. ينادي أفلاطون بالأفكار الكاملة التي تحلق فوق عالم الحواس. وجاء أرسطو ليقول إن الحواس هي ميزة الإنسان الكبيرة وأنها وسيلته الوحيدة للإدراك. وجاء الإسكندر الأكبر ليغزوالعالم ويجعل النمط الإغريقي يسوده فيما سمى بالهللينية. وفي ظل هذه الموجة العالمية من التفلسف خرج "الكلبيون" الذين يؤمنون بأن السعادة الحقيقية هي التوصل إلى الاستقلال عن أي عنصر خارج جسم الإنسان. وجاء "الأبيقوريون" ليؤكدوا أن الخير المطلق هو المتعة والشر المطلق هو الألم.
ولكن محاولات الإجابة عن كل هذه الأسئلة الكونية وصلت إلى ذروتها في محاولة التوحد مع روح الكون. وهي التجربة التي عرفتها معظم الحضارات بالتصوف. إنها محاولة لسد الفجوة التي تفصل الخالق عن المخلوق والانتماء إلى "أنا " أكثر تساعا وشمولا، يسميها بعضهم " الله" وبعضهم الآخر "روح العالم ". وبرغم اختلاف الحضارات فإن الوصف الذي يقدمه المتصوفة لتجربتهم هو دائما متشابه. في التصوف العربي المتأثر بالديانات التوحيدية الثلاث : اليهودية والمسيحية والإسلام، يشير الصوفي إلى أنه يخوض تجربة لقاء مع إله شخصي، ومع أن الله موجود في طبيعة وروح كل إنسان، إلا أنه يظل حائما فوق العالم. أما في التصوف الشرقي - أي في قلب الهندوسية والبوذية والثاوية - فمن الشائع الإشارة إلى أن المتصوف يدخل تجربة الذوبان الكلي مع الله. إنه يريد التخلي عن الأنا الذاتية من أجل الوصول إلى الأنا الحقيقية التي تشبه نارا غربية أبدية الاشتعال.

شهادة أم رثاء؟

تحتل الحضارة الإسلامية جزءا صغيرا من رحلة المؤلف خلف تطور الفكر الفلسفي في القرون الوسطى. ولكن علينا أن نعترف بأن كلماته القليلة قد اتصفت بموضوعية كبيرة. فهو يقول : "بعد وفاة محمد "صلى الله عليه وسلم" عام 632م انضوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحت راية الإسلام لتتبعهما إسبانيا فيما بعد. وكان للإسلام أماكنه المقدسة. كمدن مكة، والمدينة المنورة، والقدس. ومن وجهة نظر تاريخية بحتة يبدومهما أن نسجل أن العرب ضموا المدينة الهللينية المهمة "الإسكندرية"، مما سمح لهم بالإطلاع على العلوم اليونانية. وطوال القرون الوسطى لعب العرب دورا مهيمنا في مجال الرياضيات، الكيمياء، علم الفلك، الطب والفلسفة وفي مجالات كثيرة. تفوقت الثقافة العربية على الثقافة المسيحية. فالكندي الذي عرف باسم فيلسوف العرب (توفى عام 870 م) كرس جهوده لتحقيق هدفين : أولهما : الإحاطة بكل ما قاله الأوائل. وثانيهما : إتمام ما لم يتمه الأوائل، ووضع كل ذلك باللغة العربية. وفي المغرب العربي ظهر ابن باجة بفلسفته الأخلاقية. تأثر به "ابن طفيل" الذي جاء بعده واشتهر كثيرا بكتابه "حي بن يقظان"،على أن أهم فلاسفة المغرب هو ابن رشد الذي درس فلسفة الشرق والفلسفة الإغريقية على السواء ودافع عن الفلاسفة في كتابه "تهافت التهافت" ردا على الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة". وترجم ابن رشد إلى كل اللغات وترك الأثر الأكبر في الفلسفة الأوربية. أما علم الاجتماع فهو مدين أساسا للعرب، لأن مؤسسه هو الفيلسوف العربي "ابن خلدون" المعروف بمقدمته الشهيرة التي بنت عليها الحضارة الإنسانية كل مفاهيم وأسس علم الاجتماع الحديث".
هذه هي الكلمات التي ضمتها الرواية الكبيرة، التي تستعرض تاريخ الفلسفة والفكر. وهي كلمات تذكرنا بالمنزلة التي كان يحتلها الفكر العربي الإسلامي في العصور الوسطى والتي فقدتها حين فقدنا الحس الإبداعي للحضارة العربية. إن هذه الكلمات هي أشبه بالرثاء لهذا الدور الذي تسرب من بين أيدينا وجعلنا لا نحتل في تاريخ الفكر العالمي إلا سطورا قليلة وسط سفر ضخم.

من العقل إلى التجربة

إن جذوة التفكير العقلي لم تبق على حالتها، لقد تعرضت إلى خفوت شديد تحت وطأة سلطة الكنيسة في العصور الوسطى، ولكنها بقيت كامنة تحت رماد الأفكار السائدة حتى جاءت عصور النهضة كي تنفض ما عليها بفضل "ديكارت"، الذي كان أشبه ما يكون بسقراط. يؤمن بأن العقل هو سبيلنا للمعرفة، لذلك نفض كل ما على فكره من بقايا العصور الوسطى وبدأ رحلة طويلة عبر أوربا يتحدث إلى ناسها. لقد بدأ منهجه الفلسفي من نقطة الصفر ومن البحث عن إجابة لكل الأسئلة وحاول كذلك وضع منهج مترابط للتفكير الفلسفي شبيه بالمنهج الذي يسمح بفهم الظواهر الطبيعية. وهكذا فقد بدأ بتقسيم أي مسألة إلى مسائل أخرى صغيرة. ونبدأ بالأفكار البسيطة حتي نخضعها لقياس العقل وبعد ذلك نصل إلى الأفكار الأكثر تعقيدا حتى يمكن الخلوص إلى استنتاج فلسفي متكامل. وقال مقولته الشهيرة "أنا أفكر إذن أنا موجود"، وهي الأساس الذي وضعه لمنهجه الفلسفي والحياتي أيضا.
وقد وصلت فلسفة "ديكارت" الفرنسي إلى سبينوزا الهولندي الذي كان أكثر تطرفا من أستاذه فأنكر كل الحقائق التي جاءت في الكتاب المقدس وقد أثار هذا ضده الجميع وأنكر أهله. وقد قاتل سبينوزا كثيرا من أجل حرية التعبير والتسامح الديني، وعاش في أيامه الأخيرة منعزلا، مكرسا وقته للفلسفة، محاولا أن يكسب عيشه من صنع العدسات. ولكن الفلسفة اكتسبت في إنجلترا طابعا آخر، إنه الطابع التجريبي الذي وضعه الفلاسفة الثلاثة لوك وبركلي وهيوم. لقد اقترحوا إعادة النظر - مرة أخرى وليست أخيرة - في كل أفكار البشر للتأكد من كونها مبنية على التجربة. وكان أولهم "لوك" فيلسوفا ذا طابع اجتماعي، فهو أول من اهتم بالمساواة بين الجنسين، الرجل والمرأة، وكذلك يعود له الفضل على المستوى السياسي للفصل بين السلطات، السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تفاديا للطغيان. فلكي نبني دولة الحق - برأي لوك - يجب أن يشرع ممثلوالشعب القوانين ويقوم الملك والحكومة بتطبيقها.
لقد قادت هذه الأفكار إلى واحد من أهم عصور البشرية ألا وهو"عصر التنوير" فبعد أن أرسى العلم التجريبي مبدأ كون الطبيعة تسير وفق قوانين محكمة أخذ الفلاسفة على عاتقهم مهمة إرساء قواعد الأخلاق والدين، وأصبح هدفهم "تنوير" طبقات الشعب الدنيا كشرط أساسي لبناء مجتمع أفضل، ولم يكن البؤس والاضطهاد بنظرهم إلا نتيجة الجهل والشعوذة المنتشرة بكثرة بين الناس.

الغرب في مواجهة العالم

ولكن يبقى مأخذي الرئيسي على تلك الرواية التي تحكي تطور الفكر الإنساني أنها تفعل ذلك من خلال منظور غربي. فالفلسفة قد بدأت على هضاب "الأكروبولس" في أثينا ولا تحاول أن تنظر أبعد من ذلك إلى الحضارات التي نشأت على ضفاف الأنهار العظمى في مصر وحوض الهند والصين. والمؤلف يتبنى دون أن يعي مقولة بعض المؤرخين أن تاريخ العالم هو تاريخ الحضارة الغربية. أما الحضارات الأخرى فهي الاستثناء، صعدت وازدهرت وهوت لفترات مؤقتة. أما الحضارة التي شهدت وجودا دائما برغم لحظات الانحطاط المؤقتة فهي الحضارة الغربية. وهو يعيد الاعتبار إلى العصور الوسطى التي سميت بعصور الظلام في هذه الحضارة، يبحث عن كل ما فيها من جوانب إيجابية دون أن يأبه بالنظر إلى الحضارات الأخرى التي كانت وقتها في أوج ازدهارها وأبقت مشعل الفكر الإنساني متقدا كالحضارة العربية مثلا. بل إنه يذكر هذه الحضارة عرضا تأكيدا لطابعها الاستثنائي ضمن المخطط العام لرؤيته الفكرية.
ويفرق الكاتب بين ثقافتين.. وبين نظريتين مختلفتين للعالم تبعا لكل ثقافة. الثقافة التي تستعمل اللغات الهندو- أوربية وهي اللغة الجذر لمعظم اللغات الأوربية. والثقافة السامية التي تعتبر الشعوب العربية جزءا منها.
فقبل أربعة آلاف عام هاجرت الأجناس الآرية من وسط آسيا إلى سهوب أوربا حاملين معهم لغاتهم وثقافاتهم، وهي ثقافة تتميز بالاعتقاد بتعدد الآلهة وبمفهوم للكون على أنه ساحة للصراع الدائم بين قوى الخير وقوى الشر مما جعلهم في سعي دائم لمحاولة معرفة مستقبل العالم، وكذلك بالمفهوم الدوري للتاريخ. أي أنهم كانوا يعيشون التاريخ في تجدد دائم، دورات متعاقبة كتعاقب الفصول في الطبيعة وهكذا لا يعرف التاريخ بداية ولا نهاية. بل إن هناك غالبا عوالم مختلفة تولد وتختفي في تعاقب أبدي للحياة والموت. في مقابل هذه تأتي ثقافة الساميين. جاء الساميون من الجزيرة العربية ولكنهم انتشروا في أصقاع كثيرة من الأرض، وانطلق التاريخ والديانات السامية الثلاث - اليهودية والمسيحية والإسلام - بعيدا جدا عن جذورها التاريخية بفضل انتشار الأديان.
وبعكس الهندو- أوربيين الذين كانوا يؤمنون بتعدد الآلهة، فقد آمن الساميون - ومنذ وقت مبكر - بالإله الواحد وهو ما يطلق عليه مصطلح "التوحيد". وكذلك امتلكوا رؤية خطية للتاريخ، بمعنى النظر إلى التاريخ كخط مستقيم لا بد أن يصل فيه إلى نهايته ويكون هذا هو يوم الحساب الأخير. والتاريخ موجود كي يحقق الله إرادته، وفي يوم القيامة بعد أن يحاسب الله البشر على كل أعمالهم تمحى شرور العالم.
ولا يحاول الكاتب أن يغرق كثيرا وراء تاريخ الأديان. وهو لا يتعرض لليهودية إلا لأنها مقدمة لا بد منها لظهور المسيحية، وهي الدين الذي أحدث انتشاره في أوربا دفعا كبيرا في التوجه الفلسفي. فهو يؤكد أن المسيح قد خطا الخطوة الأكثر خطرا نحو العقل البشري. فالدعوة إلى محبة لا حدود لها، وإلى غفران بلا نهاية هي دعوة محرجة لكل ما في داخل البشر من أثرة وتملك. وفي عالمنا المعاصر توجد دول قوية تصبح أكثر من محرجة عندما تواجه بمطالبات بسيطة، كالسلام والمحبة والغذاء للجميع والتسامح مع معارضي النظام.





13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04929 seconds with 10 queries