الموضوع: نزار قبانى
عرض مشاركة واحدة
قديم 07/07/2006   #208
صبيّة و ست الصبايا maro18
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ maro18
maro18 is offline
 
نورنا ب:
Aug 2005
المطرح:
فى عينيك عنوانى
مشاركات:
2,017

افتراضي


خمسون عاماً من الشعر

سيرة ذاتية قصيرة

في مثل هذا الشهر قبل خمسين عاماً هجم علي الشعر .
لم يطرق الباب ..
ولم يستأذن ..
ولم يتكلم معي بالتلفون ..
وفجأةً وجدته في وسط الغرفة جالساً على حقيبته الجلدية
الضخمة كغجريٍ ضائع العنوان.
ثم نهض ليتعرف على خريطة بيتي.
دخل أولاً إلى غرفة الحمام وأخذ (دوشاً)..واستعمل
فرشاة أسناني ..ومناشفي ..وأدوات حلاقتي ..
ثم فتح الثلاجة وسألني :
((ماذا لديك من طعام ..إني جائع..)).
قلت : خبز ..وجبن روكفور ..وزجاجة نبيذ (بوردو)..
قال : طعامك متحضر . رغم أن الجبن يرفع ضغطي ...
والنبيذ يشعل حرائقي ..
ثم دخل إلى غرفة نومي ..
ففتح الخزائن والجوارير وأخرج واحدةً من بيجاماتي..
وارتدها دون أن يستأذنني..
ولسوء الحظ كان مقياس جسده كمقياسي جسدي.
ثم أختار لنفسه مقعدا ًمريحاً وسكب لنفسه كأساً وبدأ
يحتسي النبيذ الفرنسي بلذة العارف الذواقة .
وبعدما أنهى زجاجة النبيذ أحتل سريري.. وسرق كل
أغطيتي وشراشفي ومخداتي .. وقال لي :00تصبح على
خير...)).
ونمت أن على الكنبة ..
ولا زلت منذ خمسين عاماً نائماً على الكنبة ...
في مثل هذا الشهر من عام 1940 دخل الشعر إلى بيتي ولم
يخرج منه حتى الآن ..
في البدء تصورت أن الزائر الغامض سوف يمكث يوماً أو
يومين ..أسبوعاً أو أسبوعين شهراً أو شهرين..
ولم أتصور أنه سيصبح صاحب البيت وأصبح أن أجيراً
عنده أصنع له قهوته وأشتري له الصحف والسجائر وأغسل له
ملابسه الداخلية والمع له أحذيته ..
لم أكن أتصور أنا الرجل الغامض سوف يأخذ مني( ورقة
الطابو )..ويسجل البيت بأسمه ويبقى جالساً فوق رأسي إلى
يوم القيامة.
يأكل عندي .. ويشرب عندي ..ويلعب الورق عندي..
ويتزوج عندي .. وينجب أولاداً أرضعهم أنا ..وأربيهم أنا ..
وآخذهم إلى المدرسة..أنا ..
السكنى مع الشعر في بيتٍ واحد لمدة خمسين عاماً كالسكنى
في العصفورية .. لا تعرف فيها طبيعة مرضك ..ومتى
سيطلقون سراحك.
كالسكنى على حافة بركان لا تعرف متى يهدأ .. ولا تعرف
متى يثور ...
كالزواج من امرأةٍ مجنونةٍ .. لا تعرف متى تعانقك ..ولا
تعرف متى تخنقك..
ليس هناك مزاحٌ مع الشعر.
فإما يعطيك المدالية الذهبية..
وإما أن يسبب لك الذبحة القلبية..
وعندما جاءتني الذبحة القلبية عام 1974ونقلوني إلى
مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت جاءني الرجل الغامض
يحمل لي أزهاراً جميلة وقال لي :
Im Sorry أنا الذي افتريت عليك . سامحني..
قلت له : ولا يهمك .إنني أدفع استحقاقات الشعر علي وأن
يموت الإنسان وهو يكتب الشعر..خيرٌ له من أن يموت وهو يلعب
الورق.. أو يدخن الشيشة .. أو يتفرج على مسلسلٍ عربيٍ في
التلفزيون!!.

ورؤوس الناس على جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس رأسك!
اذا كان احد قد اعترض طريقنا فمن المحتمل ان نكون نحن قد اعترضنا طريق شخص ما.
فأنا التى اخترت منذ البداية ان اخسر العالم كله على أمل ان اربح نفسى.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.02415 seconds with 10 queries