عرض مشاركة واحدة
قديم 05/07/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي الخاتمة.


إنما هو يقول لنا: إنه ما دامت كل الوسائل المعرفية التي لديكم تم هدمها ـ وهذا الكلام موجه إلى الفكر الغربي تحديدًا ـ فينبغي لكم أن تأخذوا كلامي ولو على سبيل الظن، أو الفرض، أو حتى الاحتمال؛ فالأنماط المتعددة من التفكير كما يقول جيمس: 'كلها متعارضة، وليس فيها واحد على سبيل الحصر يستطيع أن يقيم الحجة على دعوى الصحة المطلقة، أفلا ينبغي أن يثير ذلك احتمالاً أو فرضًا أو ظنًا أو حَدْسًا مناصرًا لوجهة النظر البراجماتية؟ وما دامت هذه الأنماط المتعددة من التفكير غير صحيحة، ولكنها خدمت أغراضًا معينة لكم؛ فلماذا لا يثير ذلك ولو حتى احتمالاً مناصرًا لمقولتنا: إن الحقائق ينبغي أن تكون هي الوسائل التي نستطيع بها أن نصل إلى ما نريد؟'.


أي أن الرجل يبدأ بموقف عبثي من الكون، ثم ينتهي بنا إلى موقف عبثي، ثم يقول لنا: إنه ما دام الأمر كذلك فبدلاً من اليأس والمرارة والسأم على كل منا أن ينتفع بما يريح نفسه، ويجد فيه اللذة ولو بشكل مؤقت ومتغير، وعليه لكي يستريح تمامًا أن يعتقد أن ذلك الذي يفعله هو الحقيقة. وبهذا تكون خلاصة المذهب هي: 'البحث عن تسويغ المنافع كما يراها أصحابها في عالم يخلو من الحقيقة، وقد أرهقه البحث عنها'.



ويشاع بين بعض الناس أن 'البراجماتية' تمثل تسويغًا فلسفيًا لمبدأ الغاية تسوغ الوسيلة، وهذا اعتقاد ساذج؛ لأن 'البراجماتية' أبعد شرًا من ذلك؛ فهذا المبدأ يعني أن الوسيلة القذرة قد تسوغها الغاية الشريفة، لكن 'البراجماتية' لا يهمها الغايات الشريفة في شيء وإنما المهم لديها هو أن تكون الوسائل قادرة على تحقيق الغايات، كما أن 'البراجماتية' لا تمارس ذلك على أنه عمل لا أخلاقي أو حتى ميكافيللي تسوغه الضرورة، ولكن على أن ذلك هو الحق والحقيقة، وما غيره لا شيء البتة، وسندها الوحيد في ذلك هو ما يدرُّه هذا السلوك من نفع على صاحبه.



الدين البراجماتي وإرادة الاعتقاد



يذهب [وليم جيمس] إلى أن هناك أفكارًا ليس في استطاعتنا أن نحكم عليها بأنها صحيحة أو كاذبة؛ لأن المعرفة العلمية الصحيحة مستحيلة تمامًا في دائرتها؛ فماذا يكون موقفنا إذن من هذه الأفكار؟ هل ينبغي علينا أن نتوقف عن الحكم عليها، أم يحسن بنا أن نفترض عدة فروض من أجل تفسيرها؟



لقد فكر [وليم جيمس] كما جاء في كتابه 'البراجماتية' ما يلي: 'الواقع أننا لا نستطيع أن نحيا أو نفكر دون قدر من الإيمان أو الاعتقاد'، وليس الاعتقاد ـ من وجهة نظره ـ إلا فرضًا ناجحًا؛ فلماذا لا نلتجئ إلى إرادة الاعتقاد؛ حيث يعسر الوصول بداهة على حقيقة يقينية؟ ألا يحدث أن يكون الاعتقاد نفسه عاملاً فعالاً من عوامل تحقق ما نؤمن به أو ما نعتقده؟


إننا بدلاً من أن نتساءل عما يسيِّر الأشياء: هل هي المادة أو الله؟ يجب أن يكون تساؤلنا هو التالي: ما هو الفرق العملي الذي يمكن أن يحدث الآن إذا قدر للعالم أن تسير دفته بواسطة المادة أو بواسطة الله؟


بالنسبة لماضي العالم فليس ثمة فرق سواء اعتبرناه من عمل المادة أم حسبنا أن روحًا قدسًا هو خالقه ومنشؤه. أما بالنسبة للمستقبل فإن المادة لا تبشر بشيء من النجاح الذي نسعى إليه، بل تبشر بالتحطيم النهائي المطلق للكون وتحولـه إلى مأساة في نهاية المطاف؛ لذلك يجب أن يكون اعتراضنا الحقيقي على المادة ـ في زعمه ـ هو قنوط نتائجها العملية.


هذا في حين أن فكرة الله مهما تكن أقل وضوحًا من تلك الأفكار الحسابية التي أصبحت سارية رائجة في الفلسفة المكانيكية، فإن لها على الأقل الميزة العملية المتفوقة عليها من حيث نتائجها العملية التي تمنح الأمل في المستقبل.



والمنافع التي يريدها [جيمس] من الدين هي: الراحة والهدوء، والسكينة والطمأنينة، والسلام والاغتباط والمشاعر المتدفقة التي تلهب الصدور، وتبعث الحركة في الحياة ولكن دون أية التزامات.


أي أن جيمس يريد من الدين أن يكون مجرد مسكِّن أو مخدر يستطيع الإنسان باعتياده إياه أن يواصل حياته بقوة وحماس أكبر؛ ولهذا فإنه لم يهتم كثيرًا بالتفرقة بين كون الخالق هو الله ـ جل شأنه ـ أو المادة، أو البحث عن كون الله موجودًا أو غير موجود، أو على فرض وجوده هو واحد أو ثلاثة، أو أكثر بل على كل إنسان أن يحدد صفات الإله الذي من الممكن أن يفيده الاعتقاد به. أي أنه لا يؤمن بإله خالق، بل هو يخلق من عند نفسه إلهًا محدد الصفات يعمل على خدمة وإرضاء من يؤمن به، وذلك على أساس قوله: 'في مقدورنا أن نتمتع بإلهنا إذا كان لدينا إله'.


لقد استعاض [جيمس] بالاعتقاد في إله من خلقه عن الله نفسه، واعتقد أن ذلك سيحقق له المنافع التي يبغيها؛ فهل من الممكن أن يتحقق شيء من ذلك.


إن هذه المنافع وغيرها لا يمكن أن تتحقق إلا بشرط واحد هو أن يكون الإنسان مقتنعًا بوجود الله بالفعل، أما إذا لم يكن مقتنعًا بذلك فإنه من المستحيل أن يجد هذا العون من إله هو الذي خلقه، أو حتى اعتقد في وجوده من أجل إيجاد هذا العون؛ لأن ذلك أشبه ما يكون برجل يدرب نفسه على الاعتقاد بأنه غني، ثم يحاول أن يستمد من هذا الغنى الوهمي المال الذي يبتغيه.



الإسلام البراجماتي



والإسلام البراجماتي يعني بإيجاز شديد: التعامل بهذا المنظور النفعي مع الإسلام؛ أي استغلال الإسلام للمنفعة كما يراها البراجماتيون، دون التقيد بإطاراته أو شروطه أو تعاليمه، هذا بالإضافة إلى التوفيق أو بقول أكثر دقة: التلفيق المستمر بين مفاهيم البراجماتية الدينية التي تتعامل مع الدين بوجه عام على أنه مخدّر ذو مفعول متجدد دائمًا، وعلى أنه وسيلة سياسية لتطويع الشعوب لإرادة الطغاة وبين بعض المظاهر والشكليات الإسلامية التي يمكن استغلالها لصالح تلك المفاهيم، وكلٌ له شرعيته ومنهاجه في أشكال هذا الاستغلال بحسب المصالح التي يبتغيها.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04725 seconds with 10 queries