بقلم: ياعيل غبيرتس
منذ بداية عملية الاختطاف لم تُحسن حكومة اسرائيل اللعب بأوراقها جيدا في لعبة الأعصاب حول اطلاق سراح الجندي جلعاد شليت. فالدولة لا يمكنها الاذعان للابتزاز، والويل لها اذا ما وافقت على اطلاق سراح سجناء كنقطة اولى في هذه العملية. ولكن من اجل أن تُبعد هذا الابتزاز عن طريق الانذار، كان عليها أن تُدخل الى هذه اللعبة أوراقا أكثر للمساومة، تكون حقيقية وأقل كذبا بالاتفاق مع نفسها.
يوجد لاسرائيل، للأسف، تجربة غنية وطويلة في المفاوضات حول اطلاق سراح سجناء موجودين لديها ومبادلتهم برهائن، ولكن ما رأيناه حتى الآن عكَس نوعا من الهواية، حتى وإن كان الحديث لا يدور حول أمر مصيري. فكل انسان سبق له وأن أجرى مفاوضات من أي نوع كانت، يعرف تماما الشروط المصيرية اللازمة للنجاح. والشرط الاول لها هو أن يصل الى المفاوضات بظهر صلب ومدعوم، أي أن يكون خلفه ائتلاف ذي قوة كبيرة. والشرط الثاني هو عدم الخروج من الغرفة إلا بعد أن يتم التوقيع على الصفقة.
ليست اسرائيل وحدها هي التي لم تعمل من اجل تقوية الجبهة الدولية، بل انها كسرت ظهرها بتلك العملية العسكرية التي أضعفت مصداقية موقفها، وأثارت حولها ردود الفعل التي لم تكن تتوقعها وتُقدرها. وعاندت اسرائيل في أن تعلن منذ البداية، وبكل طريقة سياسية، بأنها لن تدخل الى غرفة المفاوضات مع الخاطفين، بأي شرط كان، حتى ولو بشرط نظري يمكن بواسطته أن تتمكن من معرفة ما اذا كان يمكن اطلاق سراح الجندي شليت، ولفحص مدى فعالية العملية العسكرية التي ستقوم بها لتخليصه. والقاعدة المعروفة هي أن العمل آخر خطوات التفكير، وكثيرا من هذه الامور كانت مصيرية وكانت تتطلب اجراءات وعمليات معقدة وعلى أكثر من جبهة واحدة. ففي حالات كهذه لا يجوز أن ينحصر التفكير في كيفية الوصول الى النهاية فقط، بل في كيفية إبعاد هذه النهاية بالقدر المستطاع، لأن الانذارات، سواء كانت حقيقية أم كاذبة، لا تصدر منذ البداية، بل ربما حين يشعر الشخص أنه بات مختنقا.
من الذي تبقى؟
تواجد رئيس الاركان يوم أمس في منزل عائلة شليت. هناك من رأى بذلك خطوة صحيحة، حيث يقوم القائد الأعلى للجيش بزيارة بيت عائلة هذا الجندي في لحظة مأساتها. وهناك من رأى بأن على رئيس هيئة الاركان أن يبقى في الجبهة في هذه الساعة العصيبة. في شيء واحد لا يوجد شك: زيارة رئيس هيئة الاركان لبيت العائلة في هذه اللحظات تقوي كثيرا من حدة الاحساس الذي يرافق هذه الازمة منذ بدايتها، التي يديرها الجيش وليس الحكومة. وقد فهم الجمهور بأن الجيش هو الذي دفع الحكومة الى العمليات الواسعة، وعلى عكس الاعلان عن النوايا لم تستهدف فقط اطلاق سراح الجندي المختطف، بل ربما أضرت كثيرا بالقدرة على المناورة. لقد نُظر الى الذراع في الازمة على أنها تُغير رأسها، وذلك لان عمليات عسكرية لها آثار اخلاقية وسياسية بعيدة المدى، والتي ما زالت مسؤوليتها أمامنا في الطريق، قد تمت المصادقة عليها دون اجراء نقاش حولها في الحكومة ودون الموافقة عليها من قبل المجلس الوزاري السياسي - العسكري. كل هذا، بالاضافة لكثير من التراكمات الفاشلة، زاد من حدة خطر الازمة، لذلك فان الجيش يستحق كل الاحترام عندما يحاول الحد من استمرار الحكومة بهذا السلوك، وأنه يحاول وقفها قبل ارتكاب المزيد من الخطوات التي قد تتمخض عن كوارث.
وعليه، فانه لا يفاجئنا بأن لا تحظى الحكومة الآن بما تريد من دعم. فهي قد دخلت الى هذه الازمة الحالية منذ البداية بقليل من الثقة. ولكن فقدان الدعم المتدحرج الى البساطة التي أبداها الجيش والخوف من مساهمته السلبية خلال ازمة أمنية خطيرة، كل هذا سيدفع في النهاية الى ظاهرة جديدة ومقلقة للغاية.