الموضوع: شظايا شعرية
عرض مشاركة واحدة
قديم 31/03/2005   #4
عاشق من فلسطين
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ عاشق من فلسطين
عاشق من فلسطين is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
المطرح:
حيث هناك ظلم ... هناك وطني..
مشاركات:
4,992

إرسال خطاب MSN إلى عاشق من فلسطين إرسال خطاب Yahoo إلى عاشق من فلسطين
افتراضي شعراء مجهولون من غزة


صفحات من الماضي القريب

شعراء مجهولون من غزة
ـــــــــــــــــــــــــ ـــ

محمد حسيب القاضي*



غزة قبل الاحتلال. مدينة أخرى لا تشبه كثيراً غزة بعد الاحتلال.. وقليلون من أبناء هذا الجيل يتذكرون تلك الفترة "الذهبية" من تاريخ المدينة حيث كانت تموج بحركة الاقتصاد والثقافة وشيوخ الأدب الذين خرجنا للحياة ووجدناهم بيننا.

وهؤلاء الشيوخ الأفاضل معظمهم شعراء.. إذ لم اسمع أن أحداً منهم له مؤلفات نثرية.. ولا أعلم سبباً لذلك اللهم إلا إذا اعتبروا الشعر أكثر مواتاة لذا ثقتهم التقليدية التي تربت على شعر الأقدمين وحفظت ذاكرتهم منه الكثير سواء أثناء دراسة بعضهم في الأزهر الشريف في مصر أو في معاهدها الدينية.

ولابد أن أشير هنا إلى أنني واجهت أسئلة كثيرة من شبان صحفيين وأدباء يستفسرون عن أحوال غزة قبل الاحتلال بقليل.

واعترف أن هذه الأسئلة أشعرتني من حيث لم يقصدوا بوطأة الزمن مع أنني لم أبلغ تماماً سن رواية التاريخ البعيد.. ولهذا السبب أردد دائماً إن كتابة تاريخ غزة الثقافي أمر مهم إنجازه حتى يكون بين أيدي الجيل الحاضر، يتعرف منه على حقيقة الصورة التي كانت عليها مدينة غزة في فترة الستينيات وما قبلها. وقد شعرت ببعض الارتياح عندما أخبرني الصديق الشاعر هارون هاشم رشيد أنه على وشك الانتهاء من كتاب يتناول فيه تاريخ غزة الثقافي والسياسي والاجتماعي.

ولا شك أن هذه بادرة طيبة تلبي الحاجة الملحة لوجود كتاب أو عدة كتب من هذا النوع تغطي بعض جوانب الصورة، ويرد على أسئلة الجيل الحائر المتعطش لمعرفة تاريخه البعيد والقريب. وما أحوجنا إلى مزيد من هذه الكتب التي تتوغل في تراثنا الأدبي والثقافي في فلسطين منذ بدايات القرن المنصرم.. فيما يشبه إعادة كتابة التاريخ الوطني الذي لا يتم بدون معرفة الحاضر والمستقبل، وبناء الإنسان الحضاري والواعي بمعطيات واقعه وعصره.

وفي تلك الفترة. فترة ما قبل الاحتلال كانت غزة تعج بعدد من المثقفين الذين يشكلون فيما بينهم حضوراً ما في مجالس الأدب والثقافة وعلى صفحات الجرائد المحلية.. ومن بين هذه الأسماء: الشيخ خلوص بسيسو ورامز فاخرة ومعين بسيسو وهارون هاشم رشيد وسعيد جعفر فلفل وفريد أبو وردة وصليبا الصايغ ومحمود سرداح وغيرهم.

ومن الأساتذة الذين تعلمنا منهم على مقاعد الدراسة في كلية غزة التي كانت قائمة أمام مدرسة الزهراء للبنات. وتحولت المساحة التي كان يقوم عليها مبناها المميز إلى موقف للسيارات. أقول من بين هؤلاء الأساتذة: ياسر الشوا، خالد شراب، عبد الحي الحسيني. رحم الله الذين رحلوا عنا من المربين الأفاضل. ومدّ في أعمار الباقين منهم على ما بذلوا من جهد وحب في سبيل تنشئة جيل جديد كانوا يرون فيه مستقبل غزة الأدبي والثقافي قبل أن يداهمنا الاحتلال في أواخر الستينيات ويعصف بكل شيء!! فالثقافة تحتاج دائماً إلى مجتمع مستقر كي تنمو وتزدهر وتعطي ثمارها في مجالات الإبداع المختلفة: أدباً ومسرحاً وروايةً وشعراً.. إلخ

وقدر الفلسطينيين أن يعيشوا ظروف الشتات والقهر في الداخل والخارج وأن تنقطع بهم سبل التواصل الطبيعي بين أجزاء الجسد المبعثر. وقد ساعد ذلك على اختزال مراحل النمو، وإجهاض إمكانياته المتاحة وتبديد القوة الكامنة التي لو اجتمعت في مكان واحد لأعطت الكثير وغيرت الكثير من مسارات الإبداع والصحافة والفن من حولنا.. وأتاحت فرص التطور والنضج لحياتنا الثقافية بشكل عام.

ولم تكن غزة، هذه المدينة التي في حجم الكف، سوى بؤرة نشطة وفاعلة على صعيد العمل السياسي والثقافي والاجتماعي. رغم ضآلة الإمكانيات وعسر حال الناس فيها. وخاصة في المخيمات المنتشرة في القطاع. فقد كانت هذه الأماكن الفقيرة مصدر الحلم الذي يضيء تحت أجفاننا، ويجعلنا نتشبث بالحياة ونقاوم مرور الزمن وقسوة الظروف المحيطة بنا. ونرى فلسطين من خلال مخيم جباليا والبريج والنصيرات ورفح والشاطئ قبل أن نرى فلسطين بعد ذلك مختزلة في بعض ما بقي منها!! إلا أنه برغم ما مرت به غزة من أحداث وظروف ناتجة عن الهجرة الأولى التي حولت القطاع إلى مخيم كبير.. فقد انعكس ذلك الوضع بشكل إيجابي على طبيعة العلاقات الحميمة التي ربطت بين الفلسطينيين ووحدت بينهم نفسياً وإنسانياً على هدف سياسي واحد في نهاية الأمر وهو العودة إلى ديارهم.

ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن ارتفاع نسبة التعليم في القطاع كانت بين الأسباب التي أفرزت حالة من الوعي المبكر عملت على إنضاج مستويات الرؤية المرتبطة بظروف حياتنا. وزادتنا شعوراً بالمسؤولية تجاه ما يدور حولنا. وكان لهذا أثره في الجانب الثقافي والأدبي حيث تفتحت مواهب كثيرة في الشعر والقصة والنقد أخذت مكانها على صفحات الجرائد وفي الإصدارات. وإن كانت قليلة في ذلك الوقت. أذكر منها قصص محمد جلال عناية ومحمد آل رضوان. وكذلك علي لبد وزين العابدين الحسيني وهما من أنشط كتاب القصة في ذلك الوقت.

أما محمد آل رضوان فقد بدأ في كتابة رواية طويلة تؤرخ لغزة في العهد العثماني وأسماها "سفر برلك" وكان يحدثني عنها كثيراً أثناء وجودي معه في جريدة أخبار فلسطين التي كنت أعمل فيها. وكنت شديد الحماس لهذه الرواية التي تتعرض لفترة غائبة عن وعي الكتابة الروائية عندنا. وأعني في فلسطين. ومن المؤسف أن الراحل آل رضوان قد أهمل إتمام هذا العمل الروائي. أو أنه قد أتمه خلال فترة الاحتلال. وطواه في أدراج النسيان. وأذكر أنه نشر جزءاً منه في جريدة أخبار فلسطين. ولم ينشر الأجزاء المتبقية لأسباب لا أعلمها فقد أغلقت الجريدة بعد الاحتلال، وتفرقت بنا السبل. وتم إبعادي بعد فترة اعتقال إلى الأردن. ثم إلى مصر بعد ذلك. المهم أن محمد آل رضوان الصحافي النشط قد هجر الكتابة، وتوقف تماماً خلال فترة الاحتلال الطويلة والممتدة.

أما جلال عناية فقد أصدر مجموعة قصص قصيرة لا أذكر عنوانها الآن، وكتبت عنها دراسة نقدية نشرتها في جريدة أخبار فلسطين. وعلمت فيما بعد أن هذا الكاتب المبشر غادر غزة إلى الولايات المتحدة للعمل والإقامة هناك. وتوقف عن الكتابة نهائياً.! ولم نعد نسمع عنه شيئاً.

أما زين العابدين الحسيني وعلي لبد فقد نشر كل منهما عدداً من قصصه في صفحة الأدب التي كنت أشرف على تحريرها في أخبار فلسطين وأصدر زين العابدين بعد فترة من الزمن مجموعة بعنوان "خميس يموت أولاً" ثم "سر البرى" ولم يصدر بعد ذلك شيئاً. في حين أن علي لبد لم ينشر أي مجموعة قصصية. وأعتقد أنه توقف هو الآخر عن الكتابة.

أما توفيق المبيض فقد نشر عدة قصص ومسرحيات في مصر وتوفى هناك وهو في سن صغيرة نسبياً.

وفي الشعر ظهر في غزة عدد من الشعراء عرف منهم على نطاق واسع: معين بسيسو وهارون هاشم رشيد وعلي هاشم رشيد. والسبب أنهم نشروا قصائدهم في مصر وبيروت. ومن الشعراء الأصغر سناً أحمد فرحات وعبد الرحمن بارود.. وقد غادر الاثنان غزة إلى السعودية في بداية الخمسينيات بحثاً عن لقمة العيش. ولم يكن لهما أثر في الحياة الشعرية في غزة.

إلا أن من مفارقات حالة الثقافة والشعر في القطاع وجود عدد من الشعراء الذين لم يسمع عنهم أحد في الخارج وبين الجيل الحالي لأنهم لم ينشروا دواوين شعرية مطبوعة. ومن هؤلاء: الشيخ خلوص بسيسو ومحمد برزق وابنه يحيى ورامز فاخرة وسعيد فلفل ومحمود الصايغ وهو شاعر ومدرس للغة العربية. والشيخ محيي الدين الملاح محامٍ وشاعر (وقيل لي أنه أصدر ديواناً واحداً في حياته) وهؤلاء الأساتذة من محبي الشعر اختاروا أن يكتبوا لأنفسهم ويقرأوا أشعارهم على الخاصة من أصدقائهم ومعارفهم.. فلم يشاركوا في ندوات عامة، وأكثرهم لم ينشر شعره حتى في جريدة أو مجلة. وكنت استغرب من ذلك ولا أجد له سوى تفسير واحد وهو أنهم كانوا مشغولين بحياتهم الوظيفية والعائلية أكثر من انشغالهم بالشعر وهمومه. إذ لم يكن الشعر هو شاغلهم الوحيد الذي يدفعهم إلى تجويد الكتابة فيه وتطويره ونشره على الناس. وربما لهذا السبب اكتفوا بأن يقرأوا الشعر لأنفسهم خلال مجالسهم الأدبية. ومن هذا الشعر ما جرى مجرى التندر على سبيل الفكاهة التي لا تفسد للحب قضية.

سألت ذات مرة المربي الفاضل رامز فاخرة، رحمه الله، وكان يشغل وظيفة مدير عام في دائرة المعارف.. وكنت يومها أعمل في التدريس إلى جانب العمل الصحفي. قلت له: لم تكتبون الشعر؟ فوجئ بسؤالي.. ونظر إليّ من تحت نظارته ذات الزجاج الأزرق في استغراب، وسأل بعد برهة: ماذا تعني؟ قلت: أعني أنكم شعراء سريون. لم نقرأ لكم شيئاً مطبوعاً سوى بعض ما نسمعه من مقاطع شعرية في مجالسكم الخاصة. ضحك بصوت مرتفع وهو يعدل من نظارته وقال: إن أقل واحد من جيلنا له ديوان أو ديوانان من الشعر غير المطبوع (مخطوطات) ولكننا لا نقول عن أنفسنا أننا شعراء متفرغون لكتابة الشعر. وبالتالي لا نسعى للشهرة ولا نرغب في ذلك! سألته على الفور: هل يوجد، في نظرك، ما يحول بين أن تكون موظفاً كبيراً وشاعراً في نفس الوقت؟ ما المشكلة في ذلك؟ أجاب ضاحكاً: يبدو أنك تتدرب عليّ كصحفي، وتريد أن تستدرجني. قلت له: ليس تماماً. ولكني أسأل. واعتقد أنني حصلت على الجواب.

كان ذلك الجيل ينظم الشعر على استحياء. حتى أكاد أقول أنهم في الغالب يجارون بعضهم بعضاً دون هاجس حقيقي يملي عليهم ضرورات الكتابة، ناهيك عن تحسين الشرط الإبداعي والفني في قصائدهم. هم رواة جيدون للشعر يحفظون الكثير مما تعجز الذاكرة عن حفظه بين أبناء جيلنا والجيل الحالي.

ولا عجب أن يتأثر هؤلاء بالشعر القديم من حيث تراكيبه وبلاغته سواء في قصائدهم الغزلية أو الوطنية أو "الأخوانيات" المتبادلة بينهم. مع ذلك نطالع قصائد تلامس الهم الوطني والاجتماعي، إلى جانب قصائد تنخرط في الحنين إلى الديار، والحث على الكفاح والتحرر. إلخ. شأن تلك الحقبة.

وما من شك أن ظهور شعراء احتلوا مكانتهم في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي نالوا حظهم من الانتشار من خلال دواوين المطبوعة في القاهرة أو بيروت. قد قلل من فرص هؤلاء الأساتذة "محبي الشعر" من الدخول في منافسة قد تكون غير متكافئة. وفي ظني أنه كان يمكن أن يضاف إلى دائرة الضوء شاعر أو شاعران وهما يحيى برزق وسعيد فلفل لولا أنهما لم يتحمسا كثيراً للنشر سواء في المجلات، أو في دواوين شعرية مطبوعة.

وأشير إلى أنه يوجد ديوان شعر للراحل يحيى برزق لم ينشر بعد وبالمناسبة أدعو اتحاد كتاب فلسطين لنشر ما يتوفر من إنتاج شعراء غزة المجهولين. حتى يتعرف عليهم أبناء الجيل الجديد ويكونوا في متناول الدراسة والبحث أمام الطلبة في جامعاتنا الفلسطينية.

وعندما نقرأ إنتاج ذلك الرعيل الأول من شعراء غزة نجد اتجاهين واضحين: الأول يسلك طريق الشعر المبني على التراث من ناحية التزامه الأوزان والقوافي. وهو يعكس الثقافة الأدبية التي تربى عليها هذا الجيل ومعظمه من أساتذة المدارس وخريجي الأزهر الشريف. ولهذا نجدهم محافظين على تقاليد القصيدة: العمودية كما نعرفها في كتب التراث.

أما الاتجاه الآخر. ويمثله معين بسيسو وهارون هاشم رشيد من بين شعراء كانوا أكثر معايشة واستلهاماً وتعبيراً عن الهم السياسي العام سواء من خلال القصيدة التقليدية أو شعر التفعيلة. وإن كان "معين" يشكل حالة خاصة بسبب انتمائه العقائدي الذي أمده برؤية تعكس تأثره الواضح بشعراء يساريين (بابلو نيرودا، افتوشنكو، لوركا، أراغون.. الخ) الذين كان لهم أثرهم العميق في بلورة أسلوب وتركيب صوره وأخيلته التي تميل إلى نوع الكاريكاتير أي الشعر الساخر الممزوج بخطابية حادة ومحرضة لم تعد مرغوبة لدى شعراء الجيل الثالث (جيل السبعينات) وتجديداته على صعيد كتابة قصيدة تواكب ما طرأ على الشعر في العالم العربي من إنجازات هامة (وهذا موضوع آخر).

وفي رأيي أن هذا الجيل وما تلاه من أجيال الشعر، لم يأخذ حقه في ميزان النقد الغائب بل والمفقود عندنا. وهذه المهمة من استحقاقات الشعر المؤجلة. إلى متى؟ لا أدري.

تلكم هي بعض جوانب صورة الأدب والثقافة في غزة قبل الاحتلال.. على الأقل الجانب الذي عشناه وكنا شهوداً عليه في فترة ما قبل وقوع كارثة عام 1967 التي أطاحت بالشعر والأرض على حد سواء..! ولكن إلى حين.

ـــــــــــــــــــــــــ ـــ

* شاعر فلسطيني

..غنــــي قلــــــيلا يـــا عصـــافير فأنــي... كلمـــا فكــــرت في أمــــــر بكـــيت ..
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05802 seconds with 10 queries