الرسالة الثالثة في بيان الكون والفساد
وهي الرسالة السابعة عشرة من رسائل إخوان الصفاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، آلله خيرٌ ?أمّا يُشركون؟ فصل اعلم أيها الأخ البارّ الرحيم، أيدك الله وإيانا بروحٍ منه،
أنه لما فرغنا من ذكر الأجسام الفلكية، وبيّنا كمية أُكرها، وكيفيّة نظامها، ومقادير أبعادها، واختلاف دورانها، وسرعة حركاتها، وماهية طبائع جواهرها في الرسالة الملقبة بالسماء والعالم، نريد أن نذكر في هذه الرسالة الملقية بالكون والفساد الأجسام الطبيعية التي دون فلك القمر، وكمية عددها، وكيفية نظامها، واختلاف طبائعها، وكيفية استحالة بعضها إلى بعضٍ، بتأثيرات الأجسام الفلكية فيها، وكمية الأجناس الكائنات المتولّدة منها.
واعلم أيها الأخ، أيدك الله وإيانا بروحٍ منه، أن الأجسام التي تحت فلك القمر سبعة أجناس: أربعةٌ منها هي الأُمهات الكلّيات، وهي النار والهواء والماء والأرض، وثلاثةٌ هي المولَّدات الجزئيات، وهي الحيوان والنبات والمعادن. فلنبدأ أولاً بوصف الأُمهات الكليات فنقول: إن الأُمهات كلّ واحدة منها مركبةٌ من هيولى وصورة، فهيولاها كلّها هوالجسم وصورها هي التي بها تنفصل كلّ واحدةٍ منها عن الأُخرى، وهي الصورة المقوِّمة لذات كل واحدة منها. ولما كانت الصورة نوعين: مقوِّمةً ومُتمّمة، احتجنا أن نصفها ليُعرف الفرق بينهما. فنقول: إن الصورة المقوِّمة لذات الشيء هي التي إذا فارقت هيولاها بطل وجدان ذلك الشيء. والصورة المتمّمة هي التي تُبلغ الشيء إلى أفضل حالاته التي يمكنه البلوغ إليها، وإذا فارقت هيولاها لم يبطل وجدان الهيولى. مثال ذلك السكون والحركة فإنهما إذا فارقا الجسم لا يبطل وجدان الجسم، وأما الطول والعرض والعمق، فإذا فارقت الهيولى يبطل وجدان الجسم.
واعلم يا أخي أن كلّ صورة مُقوّمة لذات الشيء تتلوها أُخرى متمّمة؛ وكلّ صورة مُقوِّمة فاعلةٍ لأخرى تابعةٍ لها يتلوبعضها بعضاً كما يتلوالعدد أزواجه أفراده وأفراده أزواجه بالغاً ما بلغ. مثال ذلك الصورة المُشاكلة في جرم النار المُقوّمة لذاتها، فهي حركة الغليان، والصورة المُتمّمة التابعة لها هي الحرارة، وتتلوها اليبوسة، ويتلوها تماسك الأجزاء. فلولا رطوبة الهواء المحيطة بالنيران التي تمنعها أن تُفرط في اليبوسة، لتماسكت أجزاؤها وجفّت كما تجفّ نار الصاعقة، ولكن لوأصابها اليبس والجفاف لقلّ الانتفاع بها وهو الغرض الأقصى منها.
واعلم يا أخي أن الهواء جوهرٌ شريفٌ فيه فضائل كثيرةٌ، وخواصُّ عجيبةٌ، من ذلك أنه يمنع النيران برطوبته أن تيبس وتجفّ، كما يمنع الأصوات بسيلانه أن تثبُت زماناً طويلاً فيقلّ الانتفاع بها، ويكثر الضرر منها، وذلك أن الأصوات ليست تمكث في الهواء إلاّ ريثما تأخذ المسامع حظّها، ثمّ تضمحلُّ، ولوثبتت الأصوات في الهواء زماناً طويلاً، لامتلأ الهواء من الأصوات ولعظم الضرر منها، حتى لا يمكن أن يسمع ما يحتاج إليه من الكلام والأقاويل. وهكذا لويبست النيران وجفّت، لما سرت في الأجسام ولم تنضجها، وبقيت الأشياء التي يراد نضجها فجّةً غليظة.
فانظر يا أخي وتفكّر في حكمة الباري سبحانه، إذ جعل ثبات النيران بحسب مُراد المستعمل لها، فإذا استغنى عنها ردّها إلى العدم بأسهل السّعي؛ فلوبقيت بحاله لعظم الضرر منها وقلّ الانتفاع بها. ومن الصّور المتمّمة لذات النار اللطافة التي تولدها الحرارة، وتتلوها سُرعة النفوذ في الأجسام. ومن الصور المتمّمة لذات النار أيضاً النور ويتلوه الإشراق. فقد اجتمعت في جرم النار عدة صور كلّها متممة لها، وهي الحركة والحرارة والبيوسة واللطافة والنور. وهي بكل صورة تفعل فعلاً غير ما تفعل بالأُخرى، وذلك أنها بالحركة تُغلي الأجساد، وبالحرارة تُسخّن، وباليبوسة تنشّف، وباللطافة تنفُذ في الأجسام، وبالنور تضيء ما حولها، وبالحرارة والحركة تحيل الأجسام إلى ذاتها. وأما الصورة المقوِّمة لذات الأرض فهي السكون الذي هوضدّ الغليان، والتالية المتمّمة لها البرودة، والتالية للبرودة اليبوسة، والتالية لها تماسك أجزائها. ومن الصور المتمّمة لها أيضاً غلظة جوهرها، ومن غلظة جوهرها تماسك أجزائها، ومن تماسك أجزاءها نشأت الكائنات على ظهورها من الحيوان والنبات والمعادن.
واعلم يا أخي بأن اليبوسة نوعان، إحداهما تابعةٌ للحرارة وهي فاضلة، والأُخرى تابعةٌ للبرودة وهي رَذْلةٌ. وذلك أن اليبوسة التابعة للحرارة هضِمة نضِجة، والتي تتبع البرودة فِجّة غير نضجة. ومثال ذلك يبوس الياقوت والبلّور وأشباهُها، فإنها قد أنضجتها بالطبخ حرارة المعدن، فهي لا تستحيل ولا تتغيّر. وأما التي هي تابعة للبرودة مثال يبوسة الثلج والجليد والملح وغيرها، فإنها لما كانت فجّة غير نضجةٍ، صارت رذلةً مُستحيلة متغيّرةً، ومن أجل هذا صارت الأجرام الفلكية لا تقبل الكون والفساد والتغيير والاستحالة، لأن تماسك أجزائها من شدة يبوستها، ويبوستها تولدت من حرارة حركتها، ثم غلبت عليها اليبوسة فطَفِئت حرارتها كما بينا في رسالة السماء والعالم.
وأما الأجسام الأرضية، فلما كان تماسك أجزائها من اليبوسة الرذلة الغير النضجة المتولّدة من البرودة، والمتولّدة من السكون، صارت تستحيل وتتغيّر وتفسُد.
عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
|