فصل في أقاويل الحكماء في ماهيّة الحركة
الحركة يقال على ستة أوجُهٍ: الكون والفساد والزيادة والنقصان والتغيّر والنُّقلة. فالكون هوخروج الشيء من العدم إلى الوجود، أومن القوَّة إلى الفعل، والفساد عكس ذلك. والزيادة هي تباعُد نهايات الجسم عن مركزه، والنُّقصان عكس ذلك. والتغيّر هوتبدُّل الصفات على الموصوف من الألوان والطعوم والروائح وغيرها من الصفات. وأما الحركة التي تسمَّى النُّقْلة فهي عند جمهور الناس الخروج من مكان إلى آخر، وقد يُقال إن النُّقلة هي الكونُ في محاذاة ناحيةٍ أُخرى في زمان ثان، وكلا القولين يصحّ في الحركة التي هي على سبيل الاستقامة؛ فأما التي على الاستدارة فلا يصحّ، لأن المتحرّك على الاستدارة ينتقل من مكان إلى مكان، ولا يصيرُ في محاذاةٍ أُخرى في زمان ثان، فإن قيل إن المتحرِّك على الاستدارة أجزاؤها كلُّها تتبدل أماكِنُها وتصيرُ في محاذاةٍ أُخرى في زمانٍ ثان إلاّ الجُزء الذي هوساكنٌ في المركز فإنه ساكن فيه لا يتحرك. فليًعلمْ من يقول هذا القول ويظن هذا الظن أويُقدِّر أن هذا الرأي صحيح، أن المركز إنما هونُقطة متوهَّمة وهي رأس الخط، ورأس الخط لا يكون مكان الجُزء من الجسم. وليعلمْ أيضاً أن المتحرِّك على الاستدارة بجميع أجزائه متحرِّكٌ، وهولا ينتقل من مكان إلى مكان، ولا يصير مُحاذياً بشيءٍ آخر في زمان ثان. فأما الحركة على الاستقامة فلا يمكن الا بالانتقال من مكان إلى مكان والمرور بمُحاذيات في زمان ثان، فإذا قيل إنه يمكن ذلك فإن الإنسان مثلاً قد يُحرّك يده أوبعض أجزائه، وهولا ينتقل من مكان إلى مكان، فماذا ترى كيف يكون حال اليد، هل يجوز أن تتحرَّك ولا تخرج من مكان إلى مكان، وكذلك حُكم الأُصبُع هل يجوز أن يتحرَّك ولا ينتقل من مكان إلى مكان، ولا يمر بمُحاذاة أُخرى في زمان ثان؟ واعلم أنه متى تحركت الأجزاء من جسم فقد تحرَّكت تلك الجملة، ومتى تحرَّكت تلك الجملة فقد تحرَّكت تلك الأجزاء، لأن تلك الأجزاء ليست غيرَ تلك الجملة. وذلك أنه إذا تحرَّك الإنسان فقد تحرَّكت أعضائه؛ وإذا تحرَّكت أعضاؤه فقد تحرَّك هو؛ وإن تحرَّكت يدُه وحدَها فقد تحرَّكت أجزاء اليد كلُّها، أن اليد ليست شيئاً غير تلك الأجزاء، وكذلك إن تحرَّك أُصبُع واحد فقد تحرَّكت أجزاء الأصبع كلُّها، لأن الأُصبع ليست غيرَ تلك الأجزاء، فمن ظنَّ أنه يجوز أن تتحرَّك الأجزاء ولا تتحرَّك الجُملة، أوتتحرَّك الجُملة ولا تتحرَّك بعضُ الأجزاء فقد أخطأ.
واعلم أنه قد ظنَّ كثير من أهل العلم أن المتحرِّك على الاستقامة يتحرَّك حركات كثيرةً، لأنه في حركته بمُحاذَياتٍ كثيرةٍ في حال حركته، ولا ينبغي أن تُعتبر كثرةُ الحركات لكثرة المحاذَيات، فأن السهم في مرورها إلى أن يقع حركةً واحدةً يمرُّ بمُحاذَياتٍ كثيرة، وكذلك المتحرِّك على الاستدلرة فحركتُه واحدةٌ إلى أن يقف وإن كان يدور أدواراً كثيرة.
ثم اعلم أنه لا تنفصلُ حركةٌ عن حركةٍ إلاّ بسكونٍ بينهما، وهذا يعرفه ولا يشُكّ فيه أهلُ صِناعة الموسيقى، وذلك أن صِناعتهم معرفةُ تأليف النَّغَم، والنَّغَمُ لا يكون إلاّ بالأصوات، والأصواتُ لا تحدُث إلا من تَصادم الأجسام؛ وتصادُم الأجسام لا يكون إلا بالحركات، والحركات لا تنفصل بعضُها عن بعضٍ إلا بسكوناتٍ تكون بينها، فمن أجل هذا قال الذين نظروا في تأليف النَّغم إن بين زمان كلّ نقرتَين زمانَ سكونٍ، وقد بيَّنا طرفاً من هذا العلم في رسالتنا في تأليف اللُّحون: ما هي، وكم هي، وكيف هي، فاعرِفْها من هناك.
واعلم أنه ينبغي لمن ينظر في حقائق الأشياء، ويبحث عن ماهيّاتها، أن يبتدئ أولاً وينظرَ ويبحث هل الشيء جوهرٌ، أوعَرَضٌ، أوهَيولى، أوصورةٌ جسمانية، أوروحانية، فأن كان جوهراً فأي جوهرٍ هو؟ وإن كان عرضاً، فأيُّ عَرضٍ هو؟ وإن كان هَيولى، فأي هَيولى هو؟ وإن كان صورةً، فأي صورةٍ هي وكيف هي؟ واعلم أن الحركة في بعض الأجسام جوهرية كحركة النار، فإنها متى سكنت حركتُها طَفِئتْ وبطَلت وبطَل وجودها؛ وفي بعض الأجسام عرضيةٌ لها حركة كحركة الماء والهواء والأرض، لأنها ان سكنت حركتها لا يبطُل وِجدانُها.
واعلم أن الحركة هي صورةٌ جعلتها النفسُ في الجسم بعد الشكل، وأن السكون هوعَدمُ تلك الصورة؛ والسكون بالجسم أَولى من الحركة، لأن الجسم ذوجهاتٍ لا يمكنه أن يتحرك إلى جميع جهاته دفعةً واحدةً، وليست حركتُه إلى جهة أولى به من جهة، فالسكونُ به إذاً أولى من الحركة.
واعلم أن الحركة، وإن كانت صورةً، فهي صورةٌ روحانية مُتمِّمة تسري في جميع أجزاء الجسم، وتنسلُّ عنه بلا زمان كما يسري الضوء في جميع أجزاء الجسم الشفَّاف وينسلُّ عنه بلا زمان، فإنك ترى السراج إذا دخل البيتَ أضاءَ البيتُ من أوله إلى آخره دفعةً واحدةً، وإذا خرج أظلمَ الهواء في البيت دفعةً واحدةً بلا زمان؛ وكذلك الشمسُ إذا طلَعت بالمشرق أضاء الهواءُ من المشرق إلى المغرب دفعةً واحدة، فإذا غابت بالمغرب أظلم الهواءُ دفعةً واحدة، فالحرارةُ إذا بدت تدبُّ، أولاً فأولاً يحمى الجوبزمان، وكذلك إذا طلعت الشمسُ، يحمى الجوأولاً فأولاً بزمان، وكذلك إذا غابت الشمس بَرَد الهواءُ أولاً فأولاً بزمان.
واعلم أن الحركة حُكمُها كحكم الضوء، وذلك لوأن خشبةً طولها من المشرق إلى المغرب نُصِبت ثم جُذبت إلى المشرق أوإلى المغرب عقداً واحداً، لتحركت جميعُ أجزائها دُفعةً واحدة.
واعلم أن بعض أفعال النفس في الجسم بزمانٍ، وبعضَ أفعالها بلا زمان، دلالةٌ على أن جوهرها فوق الزمان، لأن الزمان مقرونٌ بحركة الجسم، والجسم مفعول النفس، وأن النفس لما جعلت الجسمَ الكلِّيّ كُرِيَّ الشكل الذي هوأفضلُ الأشكال، جعلتْ حركته أيضاً الحركة المستديرة التي هي أفضلُ الحركات.
عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
|