فصل في قوله وأن لا يستعمل البرهان الأعراض الملازمة وإن علة الشيء من ذاتياته، وكون المقدمة كلية.
قوله: أن لا يستعمل في البرهان الأعراض الملازمة، إنما هولأن الأعراض الملازمة لا تفارق الأشياء التي هي لازمة لها، كما أن العلة لا تفارق معلولها، وذلك أنه متى حكم على شيء بأنه معلول، فقد وجب أن له علة فاعلة له. والأعراض الملازمة، وإن كانت لا تفارق، فليست هي فاعلة له. مثال ذلك أن الموت، وإن كان لا يفارق القتل، فإنه ليس له بعلة، ولا القتل أيضاً علة للموت ذاتية، إذ قد يكون موت كثير بلا قتل، فلا يكون معلول بلا علة. وأما قوله: وأن تكون العلة ذاتية للشيء، فإنما قال هذا من أجل أنه قد يكون للشيء الواحد علل عرضية، ولكنها لا تكون مستمرة في جميع أنواع ذلك الجنس، ولا جميع أشخاص النوع، كالقتل الذي هوعلة عرضية للموت غير مستمرة في جميع أنواعه، ولكن تحتاج أن تكون العلة ذاتية، حتى تكون القضية صادقة قبل العكس وبعده، كقولك: كل ذي لون فهو جسم، فإذا عكسته وقلت: وكل جسم فهو ذولون، لأنه لا يوجد شيء ذولون إلا وهوجسم، فإذاً الجسم علة ذاتية لذي اللون.
وأما قوله: وأن تكون المقدمة كلية، فمن أجل أن المقدمات الجزئية لا تكون نتائجها ضرورية ولكن ممكنة، كقولك: زيد كاتب، وبعض الكتاب وزير، فيمكن أن يكون زيد وزيراً، وأما إذا قيل: كل كاتب فهو يقرأ، وزيد كاتب، فإذاً زيد بالضرورة قارئ.
فصل في أن الحكم بالصفات الذاتية وأما قوله: وأن يكون كون المحمول في الموضوع كوناً أولياً، فمن أجل أن المحمولات في الموضوعات على نوعين، منها أوليات، ومنها ثوان، مثال ذلك: كون ثلاث زواية في كل مثلث كوناً أولاً، لأنها هي الصورة المقومة له، فإما أن تكون حادة أوقائمة أومنفرجة، فهو كون ثان. فقد استبان أنه لا يستعمل في القياس البرهاني إلا الصفات الذاتية الجوهرية، وهي الصورة المقومة للشيء، وبها يكون ذلك الحكم المطلوب الذي يخرج في النتيجة الصادقة.
وأعلم يا أخي أن الصفات الذاتية الجوهرية ثلاثة أقسام: جنسية ونوعية وشخصية، كما بينا في رسالة إيساغوجي، فأقول، واحكم حكماً حتماً كما تعلمه ولا تشك فيه: بأن كل صفة جنسية فهي تصدق عند الوصف على جميع أنواع ذلك الجنس ضرورة. وهكذا أيضاً كل صفة نوعية فهي تصدق على جميع أشخاص ذلك النوع عند الوصف لها. فهذه الصفات هي التي تخرج في النتيجة صادقة، فاستعملها في البرهان، واحكم بها. وأما الصفات الشخصية فإنها ليس من الضرورة أن تصدق على جميع النوع، ولا كل صفة نوعية تصدق على جميع الجنس، فلا تستعملها في البرهان، ولا تحكم بها حكماً حتماً، فإنك لست منها على حكم يقين. فقد عرفت واستبان لك أن الحكماء والمتفلسفين ما وضعوا القياس البرهاني إلا ليعلموا به الأشياء التي لا تعلم إلا بالقياس، وهي الأشياء التي لا يمكن أن تعلم بالحس ولا بأوائل العقول، بل بطريق الاستدلال وهوالمسمى البرهان.
وأعلم يا أخي بأن لكل صناعة أهلاً، ولأهل كل صناعة أصولاً في صناعتهم، هم متفقون عليها، وأوائل في علومهم لا يختلفون فيها، لأن أوائل كل صناعة مأخوذة من صناعة أخرى قبلها في الترتيب.
فصل في أن صناعة البرهان نوعان وأعلم بأن أوائل صناعة البرهان مأخوذة مما في بداية العقول، وأن التي في بداية العقول مأخوذة أوائلها من طريق الحواس كما بينا قبل.
وأعلم أن صناعة البرهان نوعان: هندسية ومنطقية. فالأوائل التي في صناعة الهندسة مأخوذة من صناعة أخرى قبلها مثل قول أقليدس: النقطة هي شيء لا جزء له، والخط طول بلا عرض، والسطح ما له طول وعرض، وما شاكل هذه من المصادرات؛ المذكورة في أوائل المقالات. فهكذا أيضاً حكم البراهين المنطقية، فإن أوائلها مأخوذة من صناعة قبلها، ولا بد للمتعلمين أن يصادروا عليها قبل البرهان. فمن ذلك قول صاحب المنطق: إن كل شيء موجود، سوى الباري - جل جلاله- فهو إما جوهر وإما عرض. ومثل قوله: إن الجوهر هوالقائم بنفسه، القابل للمتضادات، وإن العرض هوالذي يكون في الشيء لا كجزء منه، يبطل من غير بطلان ذلك الشيء. ومثل قوله: إن الجوهر منه ما هوبسيط كالهيولى والصورة، ومنه ما هومركب كالجسم. ومثل قوله: إن كل جوهر فهو إما علة فاعلة أومعلول منفعل، ومثل قوله: كل علة فاعلة فهي أشرف من معلولها المنفعل. ومثل قوله: ليس بين السلب والإيجاب منزلة، ولا بين العدم والوجود رتبة، وإن العرض لا فعل له؛ وما شاكل هذه المقدمات التي يصادر عليها المتعلمون قبل البراهين.
وينبغي لمن يريد النظر في البراهين المنطقية أن يكون قد ارتاض في البراهين الهندسية أولاً، وقد أخذ منها طرفاً، لأنها أقرب من فهم المتعلمين، وأسهل على المتأملين، لأن مثالاتها محسوسة مرئية بالبصر، وإن كانت معانيها مسموعة ومعقولة، لأن الأمور المحسوسة أقرب إلى فهم المتعلمين.
وأعلم بأن البراهين سواء كانت هندسية، أومنطقية، فلا تكون إلا من نتائج صادقة، والنتيجة الواحدة لا بد لها من مقدمتين صادقتين أوما زاد على ذلك، بالغاً ما بلغ، مثال ذلك ما بين في كتاب أقليدس في البرهان على أن ثلاث زوايا من كل مثلث مساوية لزاويتين قائمتين، لم يكن ذلك إلا بعد اثنين وثلاثين شكلاً. وعلى هذا المثال سائر الأشكال تحتاج إلى براهين أخر، وأن مربع وتر؛ الزاوية القائمة مساو لمربعي الضلعين، لم يكن البرهان عليه إلا بعد ستة وأربعين شكلاً، ويسمى هذا الشكل بشكل العروس، وعلى هذا المثال سائر المبرهنات. وهكذا أيضاً حكم البراهين المنطقية، وربما تكفيه مقدمتان، وربما يحتاج إلى عدة مقدمات، مثال ذلك في البرهان على وجود النفس مع الجسم تكفي ثلاث مقدمات، وهي هذه: كل جسم فهو ذوجهات، وهذه مقدمة كلية موجبة صادقة في أولية العقل؛ والمقدمة الأخرى: وليس يمكن الجسم أن يتحرك إلى جميع جهاته دفعة واحدة، وهذه مقدمة كلية سالبة صادقة في أولية العقل؛ والمقدمة الثالثة: وكل جسم يتحرك إلى جهة دون جهة فلعلة ما تحرك، له مقدمة كلية صادقة في أولية العقل؛ فينتج من هذه المقدمات وجود النفس. والذي ينبغي ليبرهن بأنها جوهر لا عرض، أن يضاف، إلى هذه المقدمات التي تقدمت، هذه الأخرى: وكل علة محركة للجسم لا تخلوأن تكون حركتها على وتيرة واحدة في جهة واحدة، مثل حركة الثقيل إلى أسفل، والخفيف إلى فوق، فتسمى هذه علة طبيعية. وأما أن تكون حركتها إلى جهات مختلفة، وعلى فنون شتى بإرادة واختيار مثل حركة الحيوان، فتسمى نفسانية، وهذه قسمة عقلية مدركة حساً. وكل علة محركة للجسم بإرادة واختيار فهي جوهر، فالنفس إذاًجوهر، لأن العرض لا فعل له. وهذه مقدمات مقبولة في أوائل العقول، فينتج من هذه أن النفس جوهر.
فصل في كيفية البرهان على أنه ليس في العالم خلاء ومعنى الخلاء هوالمكان الفارغ الذي لا متمكن فيه، وليس يعقل في العالم مكان لا مضيء ولا مظلم، مقدمة كلية سالبة صادقة في أولية العقل.
مقدمة أخرى: وليس يخلوالنور والظلمة أن يكونا جوهرين أوعرضين، أوأحدهما جوهراً والآخر عرضاً، وهذه أقسام عقلية صحيحة.
مقدمة أخرى: فإن يكونا جوهرين، فإذاً الخلاء ليس بموجود، أوعرضين، فالعرض لا يقوم إلا في الجوهر، فالخلاء إذاً ليس موجوداً، وإن يكن أحدهما جوهراً، والآخر عرضاً، فهكذا الحكم.
عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
|