فصل وأعلم يا أخي بأن
كل لفظة من هذه الألفاظ اسم لجنس
من الأشياء الموجودة،
وكل جنس ينقسم إلى عدة أنواع، وكل نوع إلى أنواع أخر، وهكذا دائماً إلى أن تنتهي القسمة إلى الأشخاص كما سنبين بعد.
وأعلم يا أخي بأن الحكماء لما نظروا إلى الموجودات، فأول ما رأوا الأشخاص مثل زيد وعمرو وخالد؛ ثم تفكروا فيمن لم يروه من الناس الماضين والغابرين جميعاً، فعلموا إن كلهم تشملهم الصورة الإنسانية، وإن اختلفوا في صفاتهم من الطول والقصر والسواد والبياض والسمرة والزرقة والشهلة والفطسة والقنوة وما شاكلها من الصفات التي يمتاز بها بعضهم من بعض، فقالوا: كلهم إنسان، وسموا الإنسان نوعاً، لأنه جملة الأشخاص المتفقة في الصور، المختلفة بالأعراض ثم رأوا شخصاً آخر مثل حمار زيد وأتان عمرووجحش خالد، فعلموا أن الصورة الحمارية تشملها كلها، فسموها أيضاً نوعاً. ثم رأوا فرس زيد وحصان عمر ومهر خالد، فعلموا أن صورة الفرسية تشملها كلها، فسموها أيضاً نوعاً. وعلى هذا القياس سائر أشخاص الحيوانات من الأنعام والسباع والطير وحيوان الماء ودواب البر كل جماعة تشملها صورة واحدة سموها نوعاً. ثم تفكروا في جميعها، فعلموا أن الحياة تشملها كلها، فسموها الحيوان، ولقبوها الجنس الشامل لجماعات مختلفة الصور وهي أنواع له. ثم نظروا إلى أشخاص أخر كالنبات والشجر وأنواعها، فعلموا أن النمو والغذاء يشملها كلها، فسموها النامي، فقالوا: هي جنس، والحيوان والنبات نوعان له، ثم رأوا أشياء أخر مثل الحجر والماء والنار والهواء والكواكب، وعلموا بانها كلها أجسام، فسموها جنساً، وعلموا بأن الجسم من حيث هوجسم، لا يتحرك ولا يعقل ولا يحس ولا يعلم شيئاً؛ ثم وجدوه متحركاً منفعلاً ومصنوعاً فيه الأشكال والصور والنقوش والأصاغ، فعلموا أن مع كل الجسم جوهراً آخر هوالفاعل في الأجسام هذه الأفعال والآثار، فسموه روحانياً. ثم جمعوا هذه كلها في لفظة واحدة وهي قولهم: جوهر، فصار الجوهر جنساً، والروحاني والجسماني نوعان له؛ والجسم جنس لما تحته من النامي والجماد، وهما نوعان له؛ والنامي جنس لما تحته من الحيوان والنبات، وهما نوعان له؛ والحيوان جنس لما تحته من الناس، والطير التي هي سكان الهواء، والسابح التي هي سكان الماء، والمشاء التي هي سكان البر، والهوام التي هي سكان التراب، وهي كلها أنواع الحيوان، وهوجنس لها.
فالإنسان نوع الأنواع، والجوهر جنس الأجناس، والجسم والنامي والحيوان نوع من جنس المضاف، لأنها إذا أضيفت إلى ما تحتها سميت أجناساً لها، وإذا أضيفت إلى ما فوقها سميت أنواعاً لها. فهذا وجيز من القول في معاني أحد المقولات العشر التي هي الجوهر وأقسامه وأنواعه وأشخاصه، وليس له حد، ولكن رسمه أنه القائم بنفسه القابل للأعراض المتضادة.
ولما رأوا من الجوهر ما يقال له ثلاثة أذرع وأربعة أرطال وخمسة مكاييل وما شاكلها، جمعوا هذه وسموها جنس الكم، وهي كلها أعراض في الجوهر. ولما رأوا أشياء أخر، ليست بالجوهر ولا يقال لها كم، مثل البياض والسواد والحلاوة والمرارة والرائحة وما شاكلها، جمعوها كلها، وسموها جنس الكيف، وهذه الأعراض هي صفات للجوهر، وهوموصوف بها، وهي قائمة به، وكلها صور متممة له، كما بينا في رسالة" الكون والفساد" ثم إنهم وجدوا أشياء شتى تقع على شيء واحد لم يتغير في ذاته، بل من أجل إضافته إلى أشياء شتى، فسموها جنس المضاف؛ مثال ذلك رجل يسمى أباً وابناً وأخاً وزوجاً وجاراً وصديقاً وشريكاً وما شاكلها من الأسماء التي لا تقع إلا بين اثنين يشتركان في معنى من المعاني، وذلك المعنى لا يكون موجوداً في ذاتيهما، ولكن في نفس المفكر، سموها جنس المضاف، وأصحاب الصفات يسمون هذه المعاني أحوالاً. ثم إنهم وجدوا أسماء أخر، معانيها غير معاني ما تقدم ذكرها، مثل فوق وتحت وهاهنا وما شاكلها من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس الأين. ثم وجدوا أسماء أخر، معانيها غير معاني ما ذكرنا، مثل يوم وشهر وسنة وحين ومدة وما شاكلها من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس المتى. ثم وجدوا أسماء، معانيها غير ذلك، مثل قائم وقاعد ونائم ومنحن ومتكئ ومستند ومستلق وما شاكل ذلك من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس النصبة يعني الوضع. ثم وجدوا أسماء أخر، مثل قولك: له وبه ومنه وعليه وعنده وما شاكلها من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس الملكة. ثم وجدوا أسماء أخر، مثل قولك: ضرب وفعل وصنع وما شاكلها من الألفاظ التي تدل على تأثير الفاعل، فجمعوها كلها وسموها جنس يفعل. ثم وجدوا أسماء أخر، مثل قولك: انقطع انكسر انبعث انبجس، وما شاكلها من الألفاظ، وجمعوها كلها وسموها جنس ينفعل. ثم تأملوا الأشياء كلها فلم يجدوا معنى خارجاً عن هذه التي ذكرنا، فاجتمعت لهم معاني الأشياء كلها في عشرة ألفاظ حسب، كما وجدوا لمراتب الآحاد عشرة ألفاظ حسب.
وأعلم يا أخي بأنه قد جمعت هذه الأجناس كل موجود من الجواهر والأعراض، وما كان وما يكون، ولا يقدر أحد أن يتوهم شيئاً خارجاً عن هذه الأجناس وما تحتويه من الأنواع والأشخاص.
وأعلم بأنه ربما اجتمعت هذه المعاني في شخص واحد، مثال ذلك زيد، فإنه جوهر، وفيه كمية، لأنه طويل، وفيه كيفية، لأنه أسود، وفيه مضاف، لأنه ابن، وأين لأنه في مكان، ومتى لأنه في زمان، ونصبة لأنه قائم أوقاعد، وملكة لأنه ذومال، ويفعل إذا ضرب، وينفعل إذا ضُرب.
وإذ قد فرغنا من ذكر الأجناس العشرة بقول وجيز، فإنا نذكر الآن طرفاً من كيفية تقسيمها إلى الأنواع ليكون إرشاداً للمتعلمين إلى أحد طرق التعاليم، إذ كانت طرق التعاليم أربعة أنواع، أحدها طريق الحدود، والآخر طريق البرهان، والآخر طريق التحليل، والآخر طريق التقسيم، وهي هذه: الجوهر نوعان: جسماني وروحاني، فالجسماني نوعان: فلكي وطبيعي، فالطبيعي نوعان: بسيط ومركب، فالبسيط أربعة أنواع: نار وهواء وماء وأرض؛ والمركب نوعان: جماد ونام، فالجماد هوالجسام المعدنية، والنامي نوعان: نبات وحيوان، والنبات ثلاثة أنواع، منه ما يكون بالغرس كالأشجار، ومنه ما يتكون بالبذر كالزرع، ومنه ما يكون بنفسه كالحشائش والكلاء. والحيوان نوعان: ناطق كالإنسان، وغير ناطق كسائرها، وهوثلاثة أنواع، منه ما يتكون في الرحم، ومنه ما يتكون في البيض، ومنه ما يتكون في العفونات كالدبيب؛ وتحت كل نوع من هذه أنواع، وتحت تلك الأنواع انواع أخر إلى أن ينتهي إلى الأشخاص.
وأما الجواهر الروحانية فتنقسم قسمين: الهيولى والصورة. فالصورة نوعان: مفارقة؛ كالنفس والعقل، وغير مفارقة كالأشكال والأصباغ، والكم ينقسم نوعين: متصل ومنفصل. فالمتصل خمسة أنواع: الخط والسطح والجسم والمكان والزمان، والمنفصل نوعان: العدد والحركة. والخط ثلاثة أنواع: مستقيم ومقوس ومنحن؛ والسطوح ثلاثة أنواع: بسيط ومقبب ومقعر؛ والجسم قد تقدم ذكر أقسامه؛ والمكان سبعة أنواع: فوق وتحت وقدام وخلف ويمنة ويسرة ووسط؛ والزمان ثلاثة: ماض ومستقبل وحاضر، وكل واحد ينقسم أربعة أنواع: السنون والشهور والأيام والساعات. والعدد نوعان: أزواج وأفراد، ووجه آخر صحيح وكسور، ووجه آخر آحاد وعشرات ومئون وألوف. والحركة ستة أنواع: الكون والفساد، والزيادة والنقصان، والتغير والنقلة؛ وخاصة هذا الجنس مساووغير مساو. والكيف نوعان: جسماني وروحاني، فالجسماني ما يدرك بالحواس، والروحاني ما يعرف بالعقول، كالعلم والقدرة والشجاعة والاعتقادات، والجسماني نوعان: مفردة ومركبة، فالمفردة نوعان: فاعلة وهي الحرارة والبرودة، ومنفعلة وهي اليبوسة والرطوبة. والمركبة نوعان: ملازمة ومزايلة، فالملازمة كالطعوم والألوان والروائح وزرقة الأزرق وفطسة الأفطس، والمزايلة كالقيام والقعود وصفوة الوجل، وحمرة الخجل. والكيفية الروحانية أربعة أنواع: الأخلاق والعلوم والآراء والأعمال؛ وخاصية هذا الجنس الشبيه وغير الشبيه، والمضاف نوعان: النظير وغير النظير، فالنظير ما كان المضافان في الأسماء سواء، كالأخ والجار والصديق، وغير النظير ما كان المضافان في الأسماء مختلفين، كالأب والابن والعبد والمولى والعلة والمعلول والأول والآخر والنصف والضعف والأصغر والأكبر وكلها في الإضافة معاً. فأما ذواتها في الوجوه فعلى وجهين، الوجه الأول أن يكون أحدهما قبل الآخر كالأب والابن والعلة والمعلول، والآخر أن يكونا موجودين قبل الإضافة، مثل العبد والمولى والجار والصديق، وجنس المضاف إذا أضيفت إدارته دخل باقي الأجناس كلها فيه بالعرض لا بالذات، وذلك أن الجوهر موصوف بالأعراض، والأعراض صفات له، والصفة صفة الموصوف، والموصوف موصوف بالصفة، كما أن الأب أب للابن، والابن ابن للأب؛ وخاصية هذا الجنس أن المضافين يدوران، أحدهما على الآخر، ولا يتنافيان، وهما في الإضافة معاً. فهذه الأربعة الأجناس يقال لها البسيطة.
وأما الستة الباقية فيقال لها مركبة أولها الأين وهومن تركيب جوهر مع المكان، والأماكن سبعة أنواع كما بينا في جنس الكمية التي هي من تركيب جوهر مع الزمان، وقد بينا أنواع الزمان في جنس الكم؛ والنصبة تركيب جوهر مع جوهر آخر، فإن المتكئ على المتكأ، والمستند مستند على المستند. والملكة من تركيب جوهر مع جوهر آخر، وهوينقسم نوعين: إما داخل، وإما خارج، فالداخل إما في النفس كما يقال له: علم وعقل وحلم، وإما في الجسم كما يقال له حسن وجمال ورونق. والذي من خارج نوعان: حيوان وجماد كما يقال له: عبيد ودواب ودراهم وعقارات وتجارات، وجنس يفعل نوعان، إما أن يكون أثر الفاعل يبقى في المصنوع، كالكتابة والبناء وما شاكلهما من الصنائع، ومنها ما لا يبقى للفاعل أثر كالرقص والغناء. وجنس ينفعل نوعان: إما في الأجسام كما بينا في رسالة الصنائع العملية، وإما في النفوس كما بينا في رسالة الصنائع العلمية.
وإذ قد فرغنا من ذكر الأجناس العشرة، وبينا كيفية انقسامها إلى الأنواع، فنحتاج أن نذكر الأشياء التي لا بد من ذكرها، وذلك أن هذه الأشياء، إذا قابل بعضها بعضاً، فلا تخلوأن يكون تقابلها في القول أوفي ذواتها، فالذي في القول هوالإيجاب والسلب، فالإيجاب هوإثبات صفة لموصوف، والسلب هونفي صفة عن موصوف، والذي يخص هذا التقابل الصدق والكذب. وأما الذي في ذوات الأشياء فهو ثلاثة أنواع، أحدها في الأشياء المتضادة، والآخر في الأشياء التي في جنس المضاف، والآخر في القنية والعدم. والمتضادان هما الشيئان اللذان ينافي كل واحد منهما صاحبه، ولا يدور عليه؛ والمتضادان نوعان: ذووسط وغير ذي وسط. فالذي هوذووسط مثل السواد والبياض اللذين هما ضدان وبينهما وسائط من الألوان كالحمرة والصفرة والخضرة وغيرها، ومثل الحلو والمر، فإنهما ضدان وبينهما طعوم أخر، كالحموضة والملوحة والعذوبة وغيرها من الطعوم.
وغير ذي الوسط كالصحة والمرض. ومن خاصية هذين الضدين أن أحدهما إذا كان في الجسم فالآخر أيضاً يكون في الجسم، فإن كان إحدهما في النفس فالآخر أيضاً يكون في النفس؛ وخاصية أخرى أن إدراك أحدهما إذا كان بحاسة، فالآخر أيضاً يدرك بتلك الحاسة. مثال ذلك أن السواد لا يكون إلا في الجسم ولا يدرك إلا في البصر، كذلك حكم البياض؛ والعلم لا يكون إلا في النفس ولا يدرك إلا بالعقل، والجهل كذلك حكمه. وأما المضافان فإنهما متقابلان ولا يتنافيان، ويدور أحدهما على الاخر كما بينا قبل. وأما القنية والعدم فشبيه الضد والمضاف جميعاً، وذلك أن العدم يضاف إلى القنية، والقنية لا تضاف إلى العدم، فيقال: عمى البصر ولا يقال بصر العمى. والقنية والعدم لا يجتمعان، كما أن الضدين لا يجتمعان، فإذا كانت القنية جسمانية كان العدم أيضاً جسمانياً، وإن كانت روحانية فكذلك العدم أيضاً روحاني. ولا يقال العادم للقنية إلا إذا حان وقت وجوده، مثال ذلك لا يقال للطفل إنه أدرد؛ إلا إذا حان خروج أسنانه، ولا تاركاً للفعل إلا حين إمكانه الفعل.
عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
|