فصل
وأعلم يا أخي- أيدك الله وإيانا بروح منه-
بأنك أن أنعمت النظر فيما وصفنا، وتأملت ما ذكرنا، وجودت البحث عن مبادئ الكائنات وعلة الموجودات، علمت وتيقنت أن هاتين الحالتين، أعني شهوة البقاء وكراهية الفناء، أصل وقانون لجميع شهوات النفوس المركوزة في جبلتها وإن تلك الشهوات المركوزة في جبلتها أصول وقوانين لجميع أخلاقها وسجاياها، وتلك الأخلاق أصول وقوانين لجميع أفعالها وصنائعها ومعارفها ومتصرفاتها كما سنبين في هذه الفصول.
وإنما صارت هاتان الحالتان مركوزتين في جبلة كل الموجودات، وجميع الكائنات، من أجل أن الباري- جل ثناؤه- لما كان هوعلى الموجودات وسبب الكائنات ومبدعها ومخترعها وموجدها ومبقيها ومتممها ومكملها ومبلغها إلى أقصى مدى غاياتها وأفضا حالاتها، وكان- جل ثناؤه- دائم البقاء لا يعرض له شيء من الفناء، صار من أجل هذا في جبلة الموجودات محبة البقاء وشهوته وكراهية الفناء وبغضه، لأن في جبلة المعلول يوجد بعض صفات العلة دلالة دائمة عليها، وإنما لا يعرض للباري- جل ثناؤه- شيء من النقص والفناء، من أجل إنه علة الوجود لذاته، وبقاؤه من نفسه. وأما سائر الموجودات وجميع الكائنات فلوجودها أسباب وعلل، ومتى عدم منها شيء أونقص، عرض لها الفناء والنقص والقصور عن البلوغ إلى الحال الأفضل والوجود الأكمل، والمثال في ذلك النبات والحيوان، فإنه متى عدم الغذاء الذي هوهيولى الأجساد، ومادة بقائها، هلك وانفسد وتغير واضمحل.
وهكذا حكم نفوسها متى بطلت هياكلها بطل شعورها وإحساسها، ولم يمكنها إظهار أفعالها وتأثيراتها، فتكون بتلك الحال النفوس موجودة ولكن على حال النقص، كما أن تراب أجسادها يكون موجوداً لكن على حال النقص. وقد يعلم بأوائل العقول بأن الوجود على الحال الأفضل ألذ وأشرف وأفضل من الوجود على النقص. وقد قالت الحكماء والفلاسفة بأن كل شيء يراد فهو من أجل الخير، والخير يراد من أجل ذاته، والخير المحض السعادة، والسعادة تراد لنفسها لا لشيء آخر. وقد قلنا وبينا في رسالة الإيمان بأن السعادة نوعان دنيوية وأخروية. فالسعادة الدنيوية هي أن يبقى كل موجود أطول ما يمكن على أفضل حالاته وأتم غاياته. والسعادة الأخروية أن تبقى كل نفس إلى أبد الآبدين على أفضل حالاتها وأتم غاياتها.
وأعلم يا اخي بأن النفوس الجزئية إنما ربطت بأجسادها التي هي أجسام جزئية كيما تكمل فضائلها، وتخرج كل ما في القوة والإمكان إلى الفعل والظهور من الفضائل والخيرات. ولم يمكن ذلك إلا بارتياطها بهذه الأجساد وتدبيراتها لها، كما أن الباري- جل ثناؤه- لم يكن إظهار جوده وفيض إحسانه وأفضاله وإنعامه إلا بايجاد هذا الهيكل العظيم المبني بالحكمة، المصنوع بالقدرة، أعني الفلك المحيط وما يحويه من سائر الأفلاك والكواكب والأركان والمولدات الكائنات، وتدبيره لها وسياسته إياها.
وإذ قد تبين بما ذكرنا ما الغرض وما الفائدة من الشهوات المركوزة في الجبلة، وما يتبعها من الأخلاق والخصال، وهي أن تدعوتلك الشهوات النفوس إلى طلب المنفعة لأجسادها ودفع المكروه والمضرة عنها، وتعينها تلك الأخلاق والخصال عليها، فنريد أن نبين الآن ما الخير منها وما الشر وما المذموم منها وما المحمود، ومتى يكون الإنسان مثاباً بها أومعاقباً.
عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you
|