حقوق الأقليات الدينية
كثيراً ما تؤكد التعاليم الدينية علماً بالحقائق المطلقة، مثل طبيعة العالم الواقعي، والغايات من الوجود البشري، والتفسيرات المتعلقة بوجود الشر في العالم. ومثل هذه التأكيدات لا تكون قابلة عادة للإثبات أو الدحض، وبالتالي، فإنها لا تكون موضوع مفاوضات أو مساومة مباشرة. وينجم عن هذا أن الأشخاص أو المؤسسات الموجودين في مواقع السلطة (مثلاً، الأغلبيات الشعبية في الديمقراطيات) كثيراً ما يشعرون بإغراء قمع الآراء البديلة للحقيقة الدينية (التي يؤمنون بها) أو إلى الحد كثيراً من امتيازات الأقليات الدينية. وهناك سببان على الأقل لوجوب مقاومة القادة السياسيين في الحكومات الديمقراطية هذا الإغراء، ووجوب احترام حقوق الأقليات الدينية إلى أكبر حد ممكن.
أولاً، إن السماح بممارسة الحرية الدينية لأعضاء الأقليات الدينية، التي قد تكون مُهمشة اجتماعياً أو لاهوتياً، يمكن من تفادي مشكلة مساواة المواطنية الكاملة بالعضوية في مذهب ديني معُيّن. وكمثال على ذلك، إذا ما كان بوسع الإنسان أن يكون أميركياً كامل المواطنية دون أن يكون مسيحياً، أو إسرائيلياً كامل المواطنية دون أن يكون يهودياً، فذلك يعني أن أتباع المذاهب الدينية الخارجة عن النمط الثقافي السائد، لن يواجهوا مشكلة انقسام الولاء. وفي حال عدم وجود صلة لازمة بين المواطنية القومية واتّباع معتقد ديني معين، يكون احتمال إطاعة أعضاء الأقليات الدينية للقوانين ومشاركتهم بشكل في الحياة السياسة للبلاد أكبر. بعبارة أخرى، يبدو أن منح الحرية الدينية للأقليات سيعزز على الأرجح شرعية الحكومة في نظر مثل هذه الأقليات.
وقضية الشرعية هامة بنوع خاص بالنسبة للأنظمة الديمقراطية، حيث أن الديمقراطية نظام إقناعي يتطلب قبول المحكومين ومساهمتهم النشطة، أي أن الأنظمة الديمقراطية تحقق شرعيتها عن طريق إقناع المواطنين بحقها في الحكم وقدرتها على ذلك. وتتطلب الأنظمة الديمقراطية أيضاً مشاركة نشطة من مواطنيها بدلاً من الإذعان السلبي، ويمكن المجادلة بأن تحقيق هذه المشاركة يصبح أصعب عندما يحرم بعض أعضاء المجتمع من القدرة على ممارسة بعض الجوانب الأساسية لهويتهم.
السبب الثاني لوجوب احترام حقوق الأقليات الدينية هو الناحية الدولية. فمرونة الحكومات القومية في الدخول في علاقات مُعقدة مع الدول الأخرى كثيراً ما تحد منها انطباعات موجودة بأن حكومات تلك الدول تمارس التمييز الديني. وإن نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، فإن الحكومة التي تمارس التمييز ضد أقليات دينية معينة كثيراً ما تكون في موقف غير مؤات في تعاطيها مع الدول الأخرى التي تكون فيها العقائد الدينية الهامشية ذات أهمية أكبر سياسياً.
مثلاً، في مطلع السبعينات من القرن الماضي، كانت قدرة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون على السعي لتحقيق انفراج مع الاتحاد السوفياتي محدودة أحياناً بسبب إحساس العديد من الأميركيين (بمن فيهم أعضاء في الكونغرس) بأن الاتحاد السوفياتي يمارس التمييز ضد اليهود. وقد سعى "تعديل جاكسون" القانوني (الذي تقدم به السناتور هنري جاكسون) إلى الحد من التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وإلى جعل المبادلات التجارية مرهونة بتحسّن احترام السوفيات لحقوق الإنسان. ومن الواضح أن الطريق إلى الانفراج كان سيكون أسلس بكثير لو لم يُنظر إلى الاتحاد السوفياتي على نطاق واسع على أنه معادٍ للسامية. وفي فترة أحدث، جعلت المزاعم بخصوص فرض قيود على المبشرين المسيحيين من الأصعب على الرئيس جورج دبليو. بوش العمل ضمن علاقات تعاونية مع دول مثل الأردن، ومصر، والصين، وكوريا الشمالية. فالمسيحيون الإنجيليون يشكلون جزءاًً هاماً في التحالف الجمهوري المؤيد للرئيس في الساحة السياسية الأميركية، ومن الصعب سياسياً بالنسبة لأي رئيس أن ينتهج سياسات دبلوماسية معاكسة لما تفضله مجموعة أساسية من الناخبين.
وعلى نفس النحو، لاحظتُ خلال رحلة قمت بها أخيراًً إلى باكستان، أن مصداقيتي كممثل للولايات المتحدة كانت موضع شك وشبهات بسبب الاعتقاد الواسع بأن الحكومة الأميركية والشعب الأميركي "معاديان للإسلام"، بشكل ما، في فترة ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وقد وجدت العديد من المستمعين من بين طلاب الجامعات غير راغبين في الإصغاء إلى دفاعي عن مبدأ الحرية الدينية إلى أن أعالج وأناقش إلى الحد الذي يرضيهم مسألة كون المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة ليسوا ضحايا التمييز القانوني على يد الحكومة. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، ربما تكون محاولة فرنسا تجنّب الانقسام الديني عن طريق منع الفتيات المسلمات من وضع الحجاب وكذلك الفتيان اليهود من ارتداء القلنسوة في المدارس الرسمية، قد سببت تراجعاً في الاحترام القومي الذي كانت فرنسا تحظى به في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى. وقد تكون بعض الأفلام التي اعتبرت معادية للإسلام تسببت في العنف السياسي المدفوع بدافع ديني في هولندا.
وفي جميع هذه الحالات، كان الانطباع القائم بوجود تمييز على الأقل بنفس أهمية الواقع. والدبلوماسية الناجحة تكون، إلى حد كبير، مرهونة بالنوايا الحسنة بين الدول ذات السيادة. والاعتقاد من جانب مواطني بعض الدول بأن أشقاءهم في الدين مواطنون من الدرجة الثانية في دول أخرى يمكنه أن يجعل تحقيق مثل هذه النوايا الحسنة مشكلة يصعب حلّها.
خاتمة
إن بيئة نابضة بالحياة فيها أديان منوعة ومتعددة، تساهم في المجتمع الديمقراطي السليم. وفي حين أنه ينبغي ألا يبالغ المرء في أهمية الدين في السياسة الديمقراطية، يمكن للدين أن يكون بمثابة مصدر لانتقاد السياسات والتثقيف حول المواطنية وإرساء الشرعية السياسية.
------------
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة وجهات نظر أو سياسة الحكومة الأميركية.
تحولنا لـ R A M I
|