التضليل الإعلامي لصالح الأجهزة الحاكمة، ولتظل هذه الأجهزة في وضع قابلاً لكسب وربح مزايا جديدة من الوضع الاقتصادي المتردي.
ولقد شعر الجمهور في وقت من الأوقات أن التضليل الإعلامي ما هو سوى أداة للهيمنة على العقول بالخداع والتحايل نجح في أن يجعل الجماهير منقادين ومقيدين ضمن أغلال أبواق الإعلام من تلفاز وإذاعة وصحف ومجلات رغم أنهم وفي أبسط الأمور في حياتهم اليومية يتصرفون ضد مصالحهم دون ما شعور بهذا العبء أو أدراك بأنهم مسيرون وليس مخيرون، أننا في أغلب الأحيان نجد أن هذا الجمهور الواعي بالمشكلة يختار ما هو ضد مصالحة وضد مستقبلة وإرادته
وتتفنن الأجهزة الحاكمة في حيلها فيتخذ البعض منها رجال الدين كأدوات لتسيير منطق الوضع كما يريدونه كما في برامج السيد القرضاوي وفتاويه, ويكون التفسير الديني لصالح أهداف المؤسسات الحاكمة كأن يقولوا هؤلاء للجماهير بأن طاعة الحاكم من طاعة الله وذلك ردة إلى مقولة أن الحاكم هو ظل الله في الأرض ويستمد منه سلطانه الذي لا ينافسه سلطان.. وعند الاعتراض على جزئية التفسير, سرعان ما ينبري هؤلاء المدججين بأبشع أدوات الردع بتكفير المعترضين من الجمهور حتى يستمر مسلسل التأثير على البسطاء وعلى عقولهم
لا أرى فارق كبيرا بين ما تفعله الولايات المتحدة وما تفعله حكومات العالم الثالث سوى أن تلك الحكومات دائما ما تتوخى الحذر من فتح باب المعلومات بل أنها تحجب معلومات صادقة عن أجهزتها الإعلامية، وفي كثير من الأوقات نجد أن هذه الحكومات تغلق تماماً باب المناقشة في إعطاء معلومة مهمة وللمثال عندما نسمع "صرح مصدر مسؤول" فذلك إنهاء للخبر لا للفت الانتباه إليه، ويبقى المصدر المسؤول مجهولا
من الواضح أن الخطر الذي يهدد الكيان الاجتماعي يكمن في الدافع التجاري الخالص والذي لا يستهدف سوى الربح والربح فقط، وبهذا أضيفت إلى الإعلانات التي تراها في كل لحظة تقطع البرامج عبر الفضائيات مواد وأشكال وألوان جعلت من السلعة المستهلكة صورة مغايرة للواقع وكأنها من ضرورات الحياة الأساسية وكأن لا غنى عنها فتشكل بذلك الخطر الذي اصبح يهدد استقرار كل أسرة.
ولا يردع صناع الإعلان أي رادع أخلاقي أو إنساني فهم يسعوا إلى جذب الجماهير من خلال مشاهد للعنف أو باللعب على الحس الجنسي لدى العامة من الجماهير مثل أن تظهر فتاة في ما دون العشرين من العمر وهي تمسك بقلم أحمر شفاه ثم تنفرج الشفتان بإثارة مفضوحة وتغمض العينين لتفوح بعض ذلك بصوت جنسي شره، ويقول الإعلان بأن الثمن فقط عدة دولارات ولكن من أين تأتي الفتيات بالدولارات في مجتمعات نامية مرهقة؟! وهل يكفي مرتب فتاة عاملة لاقتناء أحمر الشفاه.. هذا ناهيك عن الإثارة في الملبس والمأكل والمسكن الفاخر؟!.
كل هذا يتم من خلال الإعلان التليفزيوني وهو الذي حقق الكم من الإثارة الجنسية وخلق الرغبة الشديدة في الاقتناء.. وبالتالي تمت السيطرة على أفراد الأسرة الواحدة رغم أن المقومات الأساسية للنظام التجاري الامبريالي الذي يرى البشر مجرد مستهلكين لانتاجه بغض النظر عن نوعه هو الدافع الذاتي دون الرجوع للقيمة الحقيقية للسلعة المعروضة وما إذا كانت مطلباً أساسياً أو رفاهية فقط.
كما يؤثر الإعلان ويبرمج العقول، هناك ما هو أخطر من ذلك وهو برمجة عقول الأطفال من خلال برامج قد تبدو مسلية وممتعة ولكن الأمر يبدو أخطر بكثير من ذلك من خلال ما يعرض من أفلام الكرتونوغيرها من برامج معدة للاطفال بدقة ولو لاحظت كم العنف الموجود في أفلام "توم وجيري" على سبيل المثال لتعجبت كيف سيتعامل هذا الطفل مع ابناء مجتمعه ومدى تأثير هذا العنف في داخل الطفل وكيف تخلق منه بداية لطاغية مستقبلية متعطشة للبطش والضرب والقمع.. الأمر أخطر مما نتصور فالطفل يدرك ولكن لا يميز وبالتالي فهو سهل التكيف والتشبع بالمعروض.. وهذا الطفل هو نفسه الشاب الذي يبرمج على وتيرة عشق كرة القدم أو الموسيقى إلى درجة تكريسها كأولويات على مبادئ أساسية مثل الحقوق الوطنية وحقوق الإنسان والعمل الاجتماعي وحقوقه تجاه الوطن والمجتمع في حياة أفضل وحقوقه كشاب في أن يجد مكاناً له في جامعات وطنه وأن يجد عملاُ وسكناً الخ من القضايا الأساسية
هذا باختصار ما تقوم به الفضائيات العربية الى جانب الفضائيات العالمية الاخرى ووسائل الاعلام الموجه من الخارج والتي غدت مؤسسة استعمارية مروجة للفكر الرأسمالي ليس الا والتي ترى المواطن مجرد اداه مستهلكة للسلعة في السوق ومهمة تلك الالية الرأسمالية صياغة العقل بما يناسبها
وهذه الفضائيات جزء من اداة السوق الرأسمالية سواء كانت بالبرامج الدينية التي تفقد العقل العربي محتواه الفكري او من خلال القنوات الاباحية كروتانا التي تسعى لاستبدال الفكر الحر والديمقراطي الذي يمكن للانسان ان يحمله ليوصله الىديمقراطيته وحريته
نحن بحاجة للوقوف الجاد امام تلك الفضائيات وردعها وايجاد البديل الحقيقي لها والا فالخسارة الفادحة ستكون في جيل المستقبل الذي نرى فيه الامل في اقامة المجتمع الحر المثالي
سأصير يوماً ما أريد......(محمود دوريش)
لازم يضل شي جواتنا عم يقول لأ (مارسيل خليفة)
|