ـ 1766م ، شيفالير دالابار ، امتنع عن رفع قبعته احتراماً لمسيرة دينية كانت تطوف شوارع أبيفيل ( فرنسا ) ، لأن الجو كان ماطراً . اتهم بعدم احترام المقدسات ، و الكفر و الإلحاد ! و حكم عليه بعقوبة التعذيب العادي و فوق العادي ! أي : قطعت يديه ، سحب لسانه بواسطة الكماشة ، حرق بالنار بينما كان على قيد الحياة !... ربما بدأنا نفهم الآن ما هي الدوافع وراء كتابات فولتير و توماس باين !.
ـ 1807م ، ولبرفورس ، فوكس ، توماس باين ، و رجال فكر آخرين ، نجحوا في التوجّه نحو إلغاء العبودية . و كان عملهم الإنساني قد تعرّض لمواجهة قوية من الكنيسة ! و حرّم البابا على كل كاثوليكي يقبل بإلغاء العبودية ! و أمر بحرق كل كتاب ينشر لصالح هذا التوجّه ! و تعرّضت القضية للأخذ و الرد بين رجال الكنيسة من جهة و الإنسانيين من جهة أخرى ، و بقي الحال كذلك حتى العام 1843م حيث تم إلغاء العبودية في بريطانيا .
في هذا الجو بالذات ، في الوقت الذي كان الأطفال يشنقون بسبب جرائم سرقة تافهة ، راحت تراود كارل ماركس أفكار الشيوعية . فوجب على كل من يذمّ هذا الرجل أن يتذكّر الظروف التي ألهمته بهذا التوجّه .
ـ 1807م ، أوّل قانون يتعلّق بالتعليم المجاني يمرّر على مجلس العموم . لكن الأساقفة الأعضاء في مجلس اللوردات أبدوا مقاومة كبيرة مما أدّى إلى إلغائه ! و هذا قضى على أوّل محاولة تقوم بها الدولة البريطانية لتعليم أبنائها . علّق ديفيس غيردي ، عضو البرلمان على قانون التعليم المجاني يقول :
قد تبدو هذه الفكرة مغرية في الظاهر . لكنها في الحقيقة ستكون مضرّة لأخلاقياتهم و سعادتهم . فسيتعلّمون كيف يزدرون نصيبهم في الحياة ، بدلاً من بقائهم خاضعين لأسيادهم . سوف يزداد عنادهم و تمرّدهم . و سوف يتمكنون من قراءة الكتب و المنشورات المحرّضة على النظام القائم ، و كتب فاسدة موجّهة ضد الدين و الكنيسة . و سوف يتواقحوا على أسيادهم . و بعد فترة ستضطرّ الحكومة لإنزال أشدّ العقوبات بحقّهم بسبب التصرفات التمرّدية ، و ستندم على تعليمهم و فتح عيونهم على أمور كثيرة !.
ـ 1835م ، السيد هنري رولنسون ينجح بفك رموز المخطوطات البابلية القديمة . و قام بترجمة مخطوط بابلي قديم يحتوي على قصّة مشابهة لقصة سيدنا يسوع !. تتحدّث عن المخلّص الذي يدعى " بل " ، عاش في فترة تعود إلى ألف عام قبل الميلاد ! و كان يعتبر بين أتباعه " ابن الله الوحيد " ! الثاني في الثالوث المقدّس ! أمه عذراء ! قام بإنجاز معجزات ! تآمر عليه الكهنة و قتلوه ! و حمل خطايا البشرية جمعاء ! ظهر بعد وفاته بأيام ! ثم عاد إلى السماء ! و سيعود من جديد في يوم الحساب !!!!؟؟؟.
ـ بين عامي 1850م و 1855م ، أحبطت أربعة قوانين تقرّ بالتعليم المجاني بسبب مقاومة المؤسسة الدينية !. كان الكهنة يعلمون جيداً أنه حين تتمكّن الجماهير من القراءة و الكتابة و التفكير بحرية ، سوف يؤدي ذلك إلى بداية نهاية الخرافات !.
ـ 1859م ، نشر كتاب داروين ( أصل الأجناس ) . ضربة قوية للمؤسسة الدينية !
ـ 1867م ، قانون للتعليم المجاني أحبط من جديد !. روبرت لوي ، نائب رئيس قسم التربية و التعليم يعلق ضدّ القرار قائلاً :
" يجب استثناء الطبقة العاملة من هذه المنحة الحكومية لعدم ملائمتهم عقلياً و أخلاقياً !".
ـ الأعوام التي تلت 1880م ، اكتشف " ليستر " مطهّر الجروح و مسكّن الآلام . لكنه واجه اعتراض من قبل الكهنة الذين ادعوا بأن هذه المواد تمثّل شرك للشيطان !. فقالوا : " إنها تسلب الله صيحات الألم التي يطلقها الجريح أو المريض المعذّب ! فوضع المعقمات على الجرح ستريح المريض و تحرمه من العذاب و التواصل مع الله !".
ـ 1981م ، عالم الفلك كارل ساغان ، مقدم برنامج كوزموس ، يضع اللوم على فيثاغورث و أفلاطون لأنهم شجّعوا على الإيمان بوجود كون عظيم ليس له حدود . و هذه الأفكار المناقضة لتعاليم الكهنة هي التي أدّت إلى تدمير المدارس الرومانية و الأغريقية على يد المتعصّبين الكنسيين !.
و بعد بثّ برنامج كوزموس بعدّة شهور ، نشر البروفيسور ( ف . رينس ) استنتاجه الذي يقرّ بأفكار فيثاغورث ! أي أنه يوجد فعلاً كون عظيم خارج إدراك حواسنا المحدودة !.
و راحت تظهر بعدها الآلاف من الدراسات المقموعة سابقاً ، كلها تثبت هذه الحقيقة !.
تذكروا أن فيثاغورث عاش في القرن السادس قبل الميلاد !.
إن عملية قمع المعرفة التي قامت بها المؤسسات الدينية عادت بنا ألف و خمسمائة عام إلى الوراء !.
لكن قبل أن يفهمني البعض خطئاً ... سيدنا يسوع كان مختلفاً .
سيدنا يسوع لم يعمل بهذا التوجّه الذي سلكه الكهنة .
سيدنا يسوع علمنا أن الفردوس موجود في داخلنا . و وجب علينا أن نبحث بأنفسنا عن خلاصنا بواسطة البحث عن الاستقامة .. أما الكهنة ، فعلموا كيف نقتل و نسفك الدم !.
كان سيدنا يسوع يزدري الغنى و المال الوفير و كان متواضعاً يعيش حياة بسيطة .. أما الكهنة ، فأرسوا نظام العروش البابوية ، المواكب الطنانة ، المراسم و الاحتفالات الدينية !.
علّمنا سيدنا يسوع أن نحترم الآخرين مهما كانت عقيدتهم .. أما الكهنة ، فعلمونا كيف نزدريهم و كل من يخالف التعاليم المقدّسة !.
أظهر سيدنا يسوع كراهيته للكهنوتية لأنها تنشر معتقدات و تعاليم كاذبة تتماشى مع مصالحها الذاتية .. لكننا وجدنا على الواقع جيوشاً من الكهنة و القسيسين !.
سيدنا يسوع يمثّل التآلف و الطيبة و الوداد و الإغاثة من المعاناة و الآلام .. أما الكهنة ، فأيدوا عمليات القتل و سحق الوثنيين الغير مؤمنين !.
سيدنا يسوع يمثّل وحدة البشرية جمعاء .. علّم الكهنة الشقاق و النزاع بين المعتقدات و المذاهب !. و هذا أدّى إلى ظهور المتعصبين المتشددين ، المؤمنين ، بطريقة عمياء ، بعقيدتهم المؤلفة من مسلمات مقدسة . و مستعدين لقتل الأطفال و النساء و تدمير كل ما يخص الكفار !؟.
ما الذي سبب هذا التناقض الكبير بين تعاليم سيدنا يسوع و أفعال المؤسسات الدينية و توجهاتها ؟. و من يجرؤ على الإجابة على هذا السؤال ؟!. هل هو الخوف من المؤسسة القائمة أو من الجماهير المخمورين حتى الثمالة بالمسلمات التي تشربوها لمدة ألفي عام ؟.. أو الاثنين معاً ؟!.
لماذا لازال الملايين يجهلون عن اجتماع نيقيا في العام 325م ؟ هذا الاجتماع الذي أقيم بأمر من الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير ، و أصبحت بعده الديانة المسيحية دين الدولة الرومانية . و انبثق من هذا الاجتماع الكتاب المقدّس و أدخل في محتوياته " العهد القديم " بتآمر من يهود نافذين في بلاط الإمبراطور . و ماذا عن اجتماع القسطنطينية عام 381م ؟ و اجتماع أفيسيوس عام 431م ؟ و اجتماع طليدة عام 589م ؟.
لازال المؤرخون يتجنبون هذه التواريخ كما نتجنب الطاعون !!.. لماذا ؟... هل يخافون غضب الشعوب المؤمنة الغير مستعدّة لتقبّل الحقائق التاريخية كما يقول البعض ؟ . أليس هذا هو الوقت المناسب ؟! هذا الوقت الذي نحن مقبلون فيه على حرب دينية جديدة ! خطط لها المشعوذون الاستراتيجيون بإتقان ؟!. هذا الجواب الأخير يذكرني بالأب الجليل جرجس حداد . حينما تعرّض للاعتداء من قبل أحد الأشخاص ( من نفس مذهبه ) ، فقط لأنه عبّر في مقابلة تلفزيونية عن أفكاره الإنسانية الخلاقة ، و التي اعتبرها ذلك الأحمق المعتدي تطاولاً سافراً على مسلمات عقيدته !.
|