اختلاف الجنس والدين واللغة اذن لا تشكل منفردة او مجتمعة سببا مقنعا لتخلف العرب عن ركب الحضارة العالمية المعاصرة. ما سبب هذا التخلف اذن؟
ومما يزيد في حيرة الكثيرين من المثقفين العرب المهمومين بهذا التساؤل الوجودي المصيري الهام هو انهم ينظرون حولهم الي بقية شعوب الارض فيجدون ان معظم هذه الشعوب بما فيها تلك التي تشترك معهم في الكثير من الظروف التاريخية وتلك التي كانت زميلة لهم في وضعهم كدول نامية منذ حوالي ثلث قرن فقط قد قطعت شوطا طويلا علي طريق التقدم الحضاري واصبحت تتفوق عليهم بشكل ملحوظ.. ومن هذه الدول الهند والصين واليابان وبعض دول امريكا اللاتينية ودول اوروبية لا تكاد تملك اية ثروات طبيعية مثل سويسرا وايرلندا.
واصبح من الموجع حقا للمثقف العربي المخلص لأمتة ان يلاحظ بشيء من التعميم ان العالم كله يتقدم ما عدا العرب. بل ان الادهي من ذلك ان بلدا رائدا للمنطقة العربية كلها مثل مصر ليس فقط يتخلف عن الركب الحضاري العالمي بل يتخلف مقارنة بماضية الحديث نفسه اذ يمكن القول بلا مبالغة ان مصر في القرن العشرين وحتي نهاية الستينيات منه هي افضل من مصر اليوم حضاريا وثقافيا وعلي جميع الاصعدة.
اما الذي يبعث علي الضحك المؤلم الذي هو نوع من البكاء فهو ان هنالك جماعه في مصر والعالم العربي اليوم لا تشارك اغلبية المثقفين العرب والعالم اجمع الاعتراف بتخلف العرب الحالي، بل تقول ان المجتمعات العربية تعيش حالة من الصحوة يسمونها
الصحوة الاسلامية . وهذه الجماعه هي جماعة ما يطلق عليه اسم
الاسلام السياسي ومنهم اعضاء في الاخوان المسلمون وحركات اخري اكثر تشددا فهؤلاء جميعا ينظرون الي مصر - الرائدة التاريخية للنهضة العربية فيجدون انهم قد نجحوا في تحجيب نسائها المسلمات عن بكرة ابيهم بما في ذلك زوجات العديد من المثقفين المصريين الذين لا يعتقدون ان الحجاب فرض، حتي هؤلاء لم تستطع نساؤهم مقاومة الضغوط الرهيبة التي نجح الاسلاميون في فرضها علي الوجدان الشعبي دون مقاومة فكرية ثقافية من احد. ينظر الاسلاميون الي هذا المجتمع الذي لم يكن يعرف الحجاب حتي مطلع السبعينيات من القرن العشرين فيرونه
قد صار مجتمعا محجبا وبعضه منقبا ويرون مظاهر التدين الخارجية في كل مكان فيعتبرون ان هذه صحوة اسلامية، فالمتشدد في الدين
سواء كان مسلما او مسيحيا او يهوديا ينظر الي العالم حوله بنظرة دينية احادية طاردة لكل منظور اخر وبالتالي
لا يستطيع فسيولوجيا ان يري من العالم حوله سوي مظاهر التدين وحدها، ويعمي عن رؤية اي مظاهر اخري لانها ليست في مدي اهتمامة البصري الخاضع لاهتمامه الوجداني الفكري المنحصر في الدين وشعائره ومظاهره. وبهذا لا يستطيع المتشدد دينيا ان يري ما حوله من المظاهر الواضحة للفساد الشديد والتخلف العلمي والحضاري المصاحب لمظاهر الصحوة الدينية.. لان فرحه الجنوني بمظاهر التدين الخارجية تمنحه
نشوة وجودية كالتي يبعثها حفل الزار في مريديه من الراقصين.. فيكاد من فرط نشوته التي اغرقتها عاطفته الدينية الفياضة ان يذهل عن الوجود والواقع الذي حوله
ويدخل في حالة من الشبق الديني المخدر اللذيذ فيروح يهلل ويسبح بحمد الله الذي اغدق عليه كل هذه النعم الواضحة من مظاهر الهداية والتقوي والورع حتي ولو كانت محاطة بكل مظاهر التردي الحضاري في المجالات العلمية والاقتصادية والثقافية والفنية التي
تصاحب بالضرورة حالات التشدد الديني في كل مجتمع يصاب بهذه الحالات مهما اختلف اسم الدين السائد في ذلك المجتمع. وقد حدث هذا في اوروبا من قبل حين كان الباباوات في روما ومن تحتهم من كاردينالات وقساوسة لهم سطوة هائلة علي البشر راحوا بموجبها يبيعون لهم فيها مفاتيح السماء علي هيئة صكوك غفران تغفر لهم خطاياهم وتعدهم بالخلاص وحياة النعيم بعد الموت. ولا شك ان المتشددين في تدينهم المسيحي في ذلك الوقت كانوا يرون في هذا صحوة دينية عظيمة حتي ثار علي هذا كله في النهاية رجل دين مستنير من داخل الكنيسة هو مارتن لوثر ال
ذي دفعه سخطه علي هذا التسلط الخانق لرجال الكنيسة الي الغاء نظام الكهنوت من اساسة والغاء كافة منظومة الشعائر والمظاهر الخارجية التي كانت تدخل الناس في دوامة لا تنتهي من الصلوات والشعائر والعبادات والممارسات التي لا تفيد المجتمع ككل اية فائدة.. اذ هذه كلها جهود ضائعة في هباء بلا منتوج ولا مردود يضيف فعالية للحياة او يبعد عنها الامراض او يسخر لها الطبيعة او يطيل من عمر الانسان او يبني له العمران كما يفعل ذلك كله العلم والعمل الجاد الذي انخرط فية الانسان الاوروبي بعد ذلك منذ عصر النهضة والتنوير والي اليوم.
هذا الفكر المدهش الذي يري في التردي الحضاري الشامل للمجتمعات العربية صحوة اسلامية هو احد المفاتيح الاساسية للبوابة التي يمكننا من خلالها الدخول الي المخدع المحرم او قدس الاقداس الذي ينام فيه نومة اهل الكهف سر اسرار التخلف الحضاري للانسان العربي المعاصر. هذه النظرة الدينية الاحادية بالغة الضيق لا بد ان تكون هي دليلنا الاول الذي نسترشد به في متاهتنا هذه نحو فهم واكتشاف اسباب التخلف العربي الحالي بشكل لا تعاني منه امة اخري علي وجه الارض ربما باستثناء بعض القبائل الافريقية في بعض الادغال النائية من القارة الهائلة.
وهنا نصل الي نقطة اختلاف اخري بين العرب والغرب لم نلاحظها من قبل حين رحنا نلاحظ اختلاف الجنس والعرق واللغة والدين. وهذه النقطة هي الاختلاف الزمني بين عمر الديانة المسيحية علي الارض وعمر الدين الاسلامي. فقد ظهر الاسلام في شبه الجزيرة العربية بعد حوالي ستمائة عام من ظهور المسيحية في فلسطين. هذه الستة قرون هي فترة زمنية لا يستهان بها في تاريخ الشعوب وتطور الحضارات فنحن نعرف ان النهضة الاوروبية الحديثة عمرها حوالي ثلاثة قرون والولايات المتحدة نفسها كدوله عمرها مائتان وثلاثون عاما فقط ويمكن القول ان الشعوب المسيحية قد استغرقت حوالي ستة عشر قرنا حتي تصل في النهاية الي معادله معقولة بين الاحتياج الانساني للايمان الديني وبين احتياجه المماثل للحرية الفكرية والوجدانية التي توفرها درجة من البعد المناسب عن الرؤي الدينية المتشددة المتزمتة. لقد مرت المجتمعات المسيحية بقرون طويلة من
الصراع الدامي بين الفئات التي تصعد في كل جماعة للتسلط علي الاخرين رافعة رايات دينية عالية التوهج وبين
فئات المفكرين والفنانين المنحازة الي الحرية الانسانية والي العقل وابداعاتة في العلم والفن والفكر. راحت الفئتان تتصارعان علي مدي اجيال عديدة للاستحواذ علي عقل ووجدان الغالبية من البشر.. فئة المتسلطين باسم الدين
تستخدم الترهيب والترغيب معا.
ترهيب البشر بتلك الصورة بالغة الرهبة والبطش.. صورة جهنم الي ابد الابدين التي يصعب علي الانسان المسكين حتي تصور مداه. وترغيبهم بصورة الجنة والنعيم الي ابد الابدين. وحين يمكنك ان تمزج الصورتين معا فتقدم للانسان البسيط اعظم صور العقاب والعذاب اذا عارضك ولو بفكرة او همسة.. وفي نفس الوقت تقدم له اعظم صور الثواب والنعيم اذا هو خضع لك واستسلم استسلاما فكريا وحياتيا كاملا تكون قد نجحت في استلاب والاستيلاء علي الغالبية العظمي من البشر المساكين. ولا يفلت من يديك سوي
اعتي الرجال الذين يملكون عقولا هائلة ووجدانا بالغ الجسارة لا تروعه هذه الصور عظيمة الترهيب والترغيب. بينما لم تكن فئة المفكرين والفلاسفة تملك سوي
قوة المنطق وحده محاولة ان تقنع به بشرا يغط معظمهم في ظلام الجهل المطبق. هذا هو تاريخ الصراع المرير الذي دام ستة عشر قرنا كانت فيها السطوة للمدعين النطق باسم الله المالكين مفاتيح السماء. ومع اختراع المطبعة وانتشار الكتب ومعها الثقافة والعلم والفكر راحت تتراجع سطوة المتسلطين باسم الدين وتتقدم طلائع التنوير علي الارض الاوروبية بمختلف لغاتها وجنسياتها. وكان عصر النهضة وعلي رأسه المفكر الفذ فولتير هو بمثابة
الانتصار النهائي للعقل الحديث اذ توصلت علي اثرة المجتمعات الاوروبية الي
المعادلة الذهبية التي تحفظ للانسان حاجته
للايمان المتزن الوسطي المسترشد بالعقل. واصبح رجل الدين المسيحي انسان خدمة روحية حقيقية وليس انسان تسلط وادانة وطغيان ومحاكمة كما كان في عصر الظلمات.
هذا الفارق الكبير في العمر الزمني بين ظهور المسيحية وظهور الاسلام يعني ان المجتمعات الاسلامية لم تصل بعد الي مرحلة حسم الصراع بين المتسلطين باسم الدين وبين فرسان التحرر الديني والفكري والفني، ففي خلال خمسة قرون من حكم الخلافة العثمانية كان الصوت والسوط الديني هو السائد ولذلك لم تكن هنالك حضارة او علوم او فنون او حياة انسانية كريمة متفتحة بأي معني من معاني الكلمة. وما ان سقطت الخلافة العثمانية حتي بدأت حركة النهضه في مصر علي يد محمد عبده والطهطاوي وقاسم امين وغيرهم واستمرت هذه النهضة مع ثورتي سعد زغلول ثم جمال عبد الناصر حتي بلغت اوجها في الستينات من القرن العشرين ليعود الصوت والسوط الديني للصعود مرة اخري للسيطرة علي الشارع في مصر والعالم العربي منذ بداية السبعينات والي اليوم.
التوصل الي المعادلة الذهبية بين الدين والحرية وسحب البساط من تحت المتسلطين باسم الدين علي عقول ووجدان العباد مرة واحدة ونهائية لتحرير الانسان العربي هي مرحلة لم تصل اليها المجتمعات العربية بعد. وقد تحتاج الي قرن او قرنين من الصراع المرير بين قوي التسلط وقوي التحرر. اذ قد يحتاج الامر نفس الفترة الزمنية التي احتاجتها المجتمعات المسيحية للتوصل الي تحرير انسانها من التسلط الديني.. وربمــــا يكون لنا في تسارع التقدم الحضاري المطرد امل في ان تختصر المجتمعات العربية هذه الفترة الي اقل من مثيلتها الاوروبية.
ہ كاتب من مصر يقيم في نيويورك
fbasili@gmail.com
عندما تتأجج نار التحششيش .. تنأى الحشائش بالحشيش الحشحشش ..
وحشيشة التحشيش .. عمر أحشش ..
حش الحشائش في حشيش محشش ..
حشاش يا أخا الحشيش ..
حشش على تحشيش محششنا القديم ..
سوريا الله حاميا
jesus i trust in you