عرض مشاركة واحدة
قديم 05/02/2005   #4
شب و شيخ الشباب Fares
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ Fares
Fares is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
ألمانيا
مشاركات:
1,346

إرسال خطاب MSN إلى Fares
افتراضي


كتب سعيد:

"أحبك.. أحبك جداً" .. قالها وهو يمسد شعرها المنسدل فوق كتفيها...
"أردت أن أعبر عن حبي لك منذ سنين.. ولكن هذا ليس بالمهم، فأمامنا العمر كله لنمضيه سوية..
"أرجوكِ .. انظري إلي وأجيبيني!!"
أدارت وجهها نحوه، وإذ به يفاجأ بوجهها المليء بالبثور وقد غطاه القيح النتن الرائحة، وعينيها الغائرتين كعيني الوحوش، وابتسامتها الخبيثة التي كشرت بها عن أنيابها..
استيقظ مذعوراً. مد يده إلى الطاولة بجانبه، شرب كوب الماء دفعة واحدة..
"كما هي العادة.." تمتم لنفسه "نفس الكابوس اليومي ونفس النهاية البشعة.."
عدّل من وضعيته في السرير، وأخذ يتأمل الضوء الخافت عبر النافذة..
متى ستنتهي قصته هذه.. إنه لم ينعم بطعم النوم منذ شهور، فهذا الحلم المزعج يلاحقه كلما أغنض عينيه..
لقد أحبها منذ سنتين.. مذ رآها للمرة الأولى في الجامعة وأدرك أنها قدره ومصيره..
كان حبها ينمو في داخله كل يوم، وخوفه من فقدانها يكبت توقه لمصارحتها..
قرر أن يصارحها بحبه عشرات المرات، وبعد أن يجلسا لوحدهما كان بشعر أن الهواء انقطع عن رئتيه، ييذل جهده ليتكلم، لكن شفتاه ترفضان الامتثال لأوامر صاحبها، وتتحدثا عن الطقس أو عن صعوبات الدراسة..
"كم أنت غريب الأطوار!" قالت له في إحدى هذه المرات بعد أن طلبها لأمر هام، وإذ به يتحدث عن اكتشاف مبيدٍ حشريّ سيحسن محصول أهله في القرية هذا العام..
هكذا كان يمضي حياته.. كوابيس مزعجة وقرارات في الليل، ومن ثم التراجع والتأجيل عن تنفيذ هذه القرارات في النهار..
حدق في النافذة طويلاً، إلى أن أحس أن الأضواء بدأت تسطع عبرها.. أدرك أن الشمس قد أشرقت.. لبس ثيابه على مهل، شرب فنجاناً من القهوة، وانطلق إلى الجامعة..
افترب منه صديقه وسأله:"يبدو عليك الإرهاق، ألم تنم البارحة أيضاً؟" أومأ برأسه وقال بصوت خافت:"أنت تعرف أن الامتحانات على الأبواب، ولدينا الكثبر لندرسه.."
ولكن زميله علق قائلاً: "امتحانات.. امتحانات.. وهل سنقضي حياتنا في هذه الترهات!! تعال، أريد أن أن أخبرك شيئاً.. إن صديقك مغرم، ولكنك لن تخمن من أحب!! إنها أجمل فتاة في الكلية، ذات الشعر الأسود، والعينين الرائعتي الجمال.. لقد سهزنا البارحة معاً.. ها.. انظر إنها هناك..."
نظر إلى حيث أشار صديقه.. ذهل لهول ما رأى.. لقد كانت هي نفسها، أجمل فتاة على وجه الأرض، كانت هي نفسها فتاة أحلامه.......
فكر في نفسه لوهلة : أيعقل أن يكون الحلم قد تحقق ؟؟؟
سنتان من الإنتظار و الخوف قد ذهبتا أدراج الرياح ؟؟
لا .. من غير المعقول أن تخونني بهذا الشكل .. عفواُ .. تخونني !!!! لماذا أسميها خيانة ؟؟ من انا بالنسبة لها ؟ و ما الذي يجمعنا سوى علاقة الزمالة في الجامعة ؟
فحب من طرف واحد لا يمكن للطرفان أن يحاسبا حسب قوانين الحب.
لكن حبي لها مختلف عن باقي الحب .. لا , هذا غير صحيح ... فلو كنت أحبها بالفعل لكنت صارحتها منذ البداية ... أيضاً مستحيل , كيف من الممكن أن أصارحها ؟ فمن الممكن أللا تقبل .. و بعدها لا يمكننا حتى أن نكون حتى زملاء .. أنا لا أريد أن أخسرها , إنها كل ما أعيش لأجله ..

- معقول !!! قالها بعد أن تمالك أعصابه قليلاً و حاول إخفاء توتره عن صديقه , و تابع قائلاً ...
كيف تجرّأ ؟؟؟ أقصد كيف أتته الشجاعة ليطلب منها بهذه البساطة أن تكون حبيبته ؟؟ ألا يدري أنها من أكثر فتيات الجامعة إستقامةً و تهذيباً و جمالاً و أنها أعظم من أن تُكتب إسماً في لائحته ...

- لكنك تعرف الوضع أكثر مني .. أجابه صديقه مع إبتسامة يظهر فيها سخريته من القدر ...
لا يوجد فتاه هذه الأيام تستطيع أن ترفع عينيها عن سيارته السوداء ذات الزجاج الأسود , و فوق كل هذا طريقته السينمائية في الخروج منها أمام باب الجامعة في الوقت الذي يكون فيه كل الطلاب هناك ... و هو يرتدي المانطو الأسود و النظارات السوداء التي أحضرها معه من إيطاليا في آخر رحلة له ...
لقد أصبح لقبه (( ساحر الفتيات الغامض الأسود )) و أصبح حلماً لجميع فتيات الجامعة .. بل وتتباها به أمام صديقاتها كل واحدة يبتسم لها إبتسامته الرفيعة من خلف نظاراته ..
بالفعل العز للرز .. والبرغل يلي مثلنا ليس له غير الكافيتيريا ليشرب بها كأساً من الشاي مع سيجارة الحمراء الفاخرة .. هيا بنا ...
أنهى حديثه بضحكة واحدةو هز رأسه بإتجاه الكافيتيريا ...

- الله يقدم للبشر على حسب نياتهم .. و اعذرني بشأن كأس الشاي لأني مضطر للبحث عن كتاب في المكتبة .. و لم يعد لي الكثير من الوقت قبل الامتحان .. أراك فيما بعد ..

قالها و هو يريد التهرب بأي طريقة من الطرق .. يريد أن يهرب من صديقه و من نفسه و من الواقع الذي يعيشه .. لكن إلى أين ؟؟
إلى عالم الأحلام الذي أرّق عليه ليله ؟؟ و الذي أصبح اسمه عالم الكوابيس ...

- امتحانات , مواد , كتب .. اخرج من هذه الحياة التي تعيشها .. إنظر إلى العالم من حولك .. إفتح قلبك و عقلك إلى الحياة ... الحياة أجمل من أن تقضيها بين الكتب .. إنظر إلى نفسك كيف أصبحت ... في النهاية إنها حياتك و أنت تقرر ... مع السلامة ..

الآن ماذا سأفعل ؟؟؟ فكر صديقنا في نفسه كثيراً ... الأمل الوحيد الذي كنت أعيش لأجله قد إختفى .. هل من المعقول أن يكون كلام صديقي هو الصواب ؟؟ هل يجب علي أن أخرج من الحياة التي أعيشها و أبدأ حياتي من جديد ؟؟
لكن ما معنى حياتي بدونها ؟؟ و هي التي كانت تعطي لها الطعم ..
هل أستطيع أن أمزق جميع المجلدات التي رسمتها في مخيلتي و أبدأ من جديد من الصفحة الأولى و السطر الأول و الكلمة الأولى ؟؟
لا مستحيل .... ما ذنبي أن يحصل لي كل هذا ؟؟؟ ما هو الذنب الذي إرتكبته ؟؟
ربما لأني كنت جباناً يوماً من الأيام ولم أصارحها بالحقيقة ؟؟؟ لكني لا أستطيع لوم نفسي .. إنه شيء حقاً فوق قدرتي ... أما الآن لقد تأخرت كثيراً ... كثيراً جداً ...

في هذه اللحظة وجد نفسه في غرفته .. كيف ومتى وصل إلى هنا كل هذا لم يشعر به من هول الصدمة ...و الشئ الوحيد الذي وعي له , هو الإستلقاء على سريره ودفن رأسه تحت اللحاف و البكاء بكاءً مريراً كالأطفال ...

و بكى كثيراً .. و كثيراً ... حتى نام .. و لم يحلم بنفس الحلم .. بل حلم بأنه يضم شيئاً ناعماً كالحرير بين يديه و بقوة كبيرة جداً ... عندما فتح عينيه وجد نفسه يضم مخدته مثل طفل لدميته ...

بعد يومين من عذاب الضمير و البكاء ... قرر أن يغير كل شيء و يسمع لكلام صديقه .. قرر أن يخرج من الحياة التي كان يعيشها , ويبدأ حياته من جديد ... قال للماضي وداعاً .. و لجبنه وداعاً ..ترك كل شيء خلفه ..إستطاع أن يداوي كل نفسه من كل الماضي و جراحه ..لكن ليس من حبها .. فالجسم لا يستطيع التخلي عن القلب ومع هذا إنطلق شخصاً جديداً يمشي بخطاً واثقة و إبتسامة لا تخلو من شيء من الحزن ليستقبل يوماً جديداً في الجامعة ...

لكن ..
ما هذا ...
ياللمصيبة .. إنها هي بعينيها الجميلتين نفسهما .. لكن هذه المرة تملأهما الدموع و يظهر الحزن منهما .. لكن مع هذا لم يزل جمالهما واضحاً مثل الشمس .. تقف على باب الكلية و كأنها شجرة مكسورة .. هي التي لم تعرف طعم الإنحناء يوماً ..
تحاول إخفاء وجهها عن الكل , لكن ليس عنه و هو الذي عاش سنتين لا يستطيع إبعاد عينيه عنها ...
إقترب منها بخطاه الواثقة ..
عندما رأته أجهشت في البكاء وهي تقول ...

- الذنب ذنبي .. أنا التي أثارني غموض سواده .. أردت إكتشاف ماذا يوجد خلف كل هذا السواد ..إنه ذنبي ... ذنبي أنا ... أنا المسؤولة .. إنظر ماذا حصل لي ...

قالت هذا و هي تريه بقعة زرقاء على خدها ... كانت قد تلقتها من صاحب الشخصية السوداء لأنها لم تسمح له بلمسها ...

- فهمت .. فهمت كل شيء ..و أعرف كل شيء ... لا داعي للكلام الآن ...
قالها وهو يضم رأسها بين يديه ... و يشعر بشعرها الأسود الحريري و لأول مرة يشمه بعد أن أغلق عينيه ... ها قد تحقق حلمه في النهايه .. لكن هذه المرة حلمه الجميل و ليس ذلك الكابوس المرعب ...

- و أنا أعرف كل شيء أيضاً .. قالت هذا من بين يديه ..
- ماذا تعرفين ؟؟؟
- أعرفك من تكون .. و بماذا تفكر .. و بماذا تشعر ... منذ الماضي أحسست بك لكنك كنت بعيداً ... أتذكر يوم طلبت مني التحدث بموضوع خاص ؟؟؟ و حدثتني عن المبيد الحشري الجديد ؟؟ عندها فقدت الأمل منك ؟؟ و اعتقدت أنك من النوع الذي يحب بصمت... و أنك تحب حبك لي من بعيد .. وليس أنا بحد ذاتي .. لكن عرفت الحقيقة و أنت تراني جالسة معه للمرة الأولى ...

عندها عادت للبكاء من جديد ..

-أعرف ... أعرف ... لننسى الماضي ... و نبدأ بكتابة المستقبل من هذه اللحظة ... فالماضي و الأحلام كلها أوهام ..

قالها ودمعة فرح تنزل من عينيه على شعرها ... و كأنها فقط البداية لحياته من جديد ...

و يومها حلم بيد تمسك يده و تمشي معه في طريق طويل ...
 
 
Page generated in 0.04225 seconds with 10 queries