وقال المؤرخ الشهير ابن الأثير في ترجمة علي أمير المؤمنين:
آخى رسولُ الله ــ ص ــ علياً مرتين، فإن رسول الله آخى بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وقال لعلي في كل واحدة منهما: أنت أخي في الدنيا والآخرة.
سئل محمد بن كعب القرظي عن أول مَن أسلم: علي أو أبو بكر؟ قال: سبحان الله! عليّ أولهما إسلاماً، وإنما اشتبه على الناس لأن علياً أخفى إسلامه عن أبي طالب، وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه. (ويقول ابن الأثير، وكذلك هو موجود في سيرة ابن هشام): وعلي بن أبي طالب هو أول مَن آمن برسول الله.
وأجمع أهل التاريخ والسند على أن علي شهد بدراً وغيرها من المشاهد، وأنه لم يشهد غزوة تبوك لا غير، لأن رسول الله ــ ص ــ خَلَفَهُ على أهله.
وقال سعد: لقد رأيته ــ يعني علياً ــ يخطر(3) بالسيف هام المشركين، ويقول:
"سَنَحْنَحَ الليلُ كأني جِنِّي"(4).
وكان سعيد بن عبادة صاحب راية رسول الله ــ ص ــ في المواطن كلها، فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب.
عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه: لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء، فلما كان من الغد أخذه عمر ــ وقيل محمد بن مسلمة ــ فقال رسول الله ــ ص ــ: "لأدفعنَّ لوائي إلى رجل لم يرجع حتى يفتح الله عليه". فصلى رسول الله ــ ص ــ صلاة الغداة، ثم دعا باللواء، فدعا علياً وهو يشتكي عينيه، فمسحهما، ثم دفع إليه اللواء ففتح. قال: فسمعتُ عبد الله بن بُرَيدة يقول: حدثني أبي أنه كان صاحب مرحب ــ يعني علياً ــ.
عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوَّذ من معضلةٍ ليس لها أبو حسنٍ.
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل عنه إلى غيره.
عن علي بن جزء قال: سمعتُ أبا مريم السلولي يقول: سمعتُ عمارَ بنَ ياسر يقول: سمعتُ رسول الله ــ ص ــ يقول لعلي بن أبي طالب: "يا علي، إن الله ــ عز وجل ــ قد زيَّنك بزينة لم يتزيَّن العباد بزينة أحب إليه منها: الزهد في الدنيا، فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً، ولا تنال الدنيا منك شيئاً؛ ووهب لك حُبَّ المساكين، ورضوا بك إماماً، ورضيتَ بهم أتباعاً، فطوبى لمَن أحبك وصدق فيك، وويل لمَن أبغضك وكذب عليك؛ فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك فهم جيرانك في دارك، ورفقاؤك في قصرك، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة".
وبالإسناد إلى أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المفسِّر قال: رأيتُ في بعض الكتب أن رسول الله ــ ص ــ لما أراد الهجرة، خلَّف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء دُيونه، وردّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بداره أن ينام على فراشه، وقال له: "اتشح ببردي الحضرمي الأخضر فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء الله تعالى" . ففعل ذلك، فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل ــ ع ــ: أني آخيتُ بينكما، وجعلتُ عمْرَ أحدكما أطول من عمْرِ الآخَرِ فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة، فأوحى الله ــ عز وجل ــ إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟! آخيتُ بينه وبين نبيي محمد فبات على فراشه، يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا الأرض فاحفظاه من عدوه. فنزلا، فكان جبريل عند رأس عليٍّ، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بَخٍ بخ! مَن مثلك يا ابن أبي طالب يباهي اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ به الملائكةَ؟! فأنزل اللهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ على رسوله، وهو متوجّه إلى المدينة، في شأن علي: "ومن الناس مَن يشري نفسه ابتغاءَ مرضاتِ الله".
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاويةُ سعداً فقال: ما يمنعك أن تسُبَّ أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنّ رسولُ الله ــ ص ــ فلن أسبّه، لأن يكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النعم، سمعتُ رسولَ الله ــ ص ــ يقول لعلي و(قد) خَلَفَه في بعض مغازيه(5)، فقال له عليٌّ: يا رسول الله، تخلِّفُني مع النساء والصبيان؟! فقال له رسول الله ــ ص ــ: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي؟ وسمعتُه يقول له يوم خيبر: لأعطين الرايةَ رجلاً يُحِبُّ اللهَ ورسولَهُ، ويجبّه اللهُ ورسولُه. قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي علياً. فأتاه وبه رَمَدٌ، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. وأُنزلتْ هذه الآيةُ: "فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم". (حين) دعا رسول الله ــ ص ــ علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً(6).
عن عدي بن ثابت، عن زرّ بن حُبَيش، عن علي قال: "عهد إليَّ النبي ــ ص ــ أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يُبْغِضك إلا منافق"(7).
عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نعرف المنافقين ــ نحن معاشر الأنصار ــ ببغضهم علي بن أبي طالب(

.
وقال علي بن أبي طالب: "الدنيا جيفة، فمَن أراد منها شيئاً فليصبر على مخالطة الكلاب"(9).
جالتْ خيولُ فوارسَ من قريش بهم في السبخة بين الخندق وسَلْع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين فأخذوا عليهم الثغرة، وكان عمرو بن عبد وَدّ قد خرج مُعْلِمَاً(10)، فقال له علي: يا عمرو، إنك عاهدتَ أن لا يدعوك رجل من قريش إلى خصلتين إلا أخذتَ إحداهما؟ قال: أجل. قال له عليّ: فإني أدعوك إلى الله والإسلام. قال: لا حاجة لي بذلك. قال علي: فإني أدعوك إلى النزال. قال: ما أحب أن أقتلك. قال علي: ولكني أحب أن أقتلك. فحمي عمرو عند ذلك فنزل عن فرسه وعقره، ثم أقبل على عليّ، فتجاولا، وقتله عليّ، وخرجت خيلهم منهزمة، وقُتل مع عمرو رجلان، قتل عليّ أحدهما وأصاب آخر سهم فمات منه بمكة(11).
أتى عليُّ بن أبي طالب خيبرَ فأشرف عليه رجل من يهود فقال: مَن أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقال اليهودي: غُلبتم يا معشر يهود. وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر يماني قد نقبه مثل البيضة على رأسه وهو يقول:
قد علمتْ خيبرُ أني مرحبُ شاكي السلاح بطلٌ مجرَّبُ
فقال عليّ:
أنا الذي سمَّتني أمّي حيدرهْ أكيلكم بالسيف كيلَ السندَرَهْ
ليثٌ بغاباتٍ شديدٌ قسورهْ
فاختلفا ضربتين، فبدره عليّ فضربه فقدَّ الحَجَفة(12) والمغفر ورأسه حتى وقع في الأرض؛ وأخذ المدينة(13).
قال أبو رافع مولى رسول الله ــ ص ــ: خرجنا مع عليّ حين بعثه رسول الله برايته إلى خيبر، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم فضربه يهودي فطرح ترسه من يده فتناول علي باباً كان عند الحصن فتترَّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله على يديه، ثم ألقاه من يده؛ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه(14). وكان فتحها في صفر.(15)
جاء في البداية والنهاية لابن كثير (16) قوله:
فصلٌ في ذِكْرِ شيءٍ من سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب العادلة، وطريقته الفاضلة، ومواعظه وقضاياه الفاصلة، وخطبه الكاملة، وحكمه التي هي إلى القلوب واصلة (وننقل منه حاجتنا في هذا الموضع):
عن صالح بياع الأكسية، عن جدته قالت: رأيتُ علياً اشترى تمراً بدرهم فحمله في ملحفته، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، ألا نحمله عنك؟ فقال: أبو العيال أحقُّ بحمله.
وعن أبي هاشم، عن زادان قال: كان علي يمشي في الأسواق وحده وهو خليفة، يُرشد الضالَّ، ويُعين الضعيف، ويمرُّ بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ: " تلك الدار الآخرةُ نجعلها للذين لا يريدون عُلُوَّاً في الأرض ولا فساداً " . ثم يقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من أهل الأموال ومن سائر الناس.
وقال يحيى بن معين عن علي بن الجعد، عن الحسن بن صالح قال: تذاكروا الزّهادَ عند عمر ابن عبد العزيز فقال قائلون: فلان. وقال قائلون: فلان. فقال عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا عليّ بن أبي طالب.
قال هشام بن حسان: بينا نحن عند الحسن البصري إذ أقبل رجل من الأزارقة فقال: يا أبا سعيد ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: فاحمرَّتْ وجنتا الحسن (البصري) وقال: رحم اللهُ علياً، إن علياً كان سهماً لله صائباً في أعدائه، وكان في محلة العلم أشرفها وأقربها إلى رسول الله ــ ص ــ، وكان رهباني هذه الأمة.
وقال هشام عن سيار، عن عمار قال: حدَّث رجلٌ عليَّ بن أبي طالب بحديث فكذبه فما قام حتى عمي.(17)
قال ابن منظور صاحب معجم "لسان العرب" الشهير:
سُئل بعض عن السلف عن علي بن أبي طالب فقال: كان ديان هذه الأمة.(1
ولله در المتنبي حين قال:
وتركتُ مـدحي للـوصي تـعـمـداً إذ كــان نــوراً مـســتـطــيــلاً شــــامــلاً
وإذا استطال الشيء قام بنفسه وصفاتُ ضوء الشمس تذهب باطلاً
أعده وجمعه الفقير لله تعالى: أبو النور ــ حمص.
http://www.alaweenonline.com/
2002
المراجع والحواشي:
1 أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، ط5، المجلد الثاني.
2 سيرة الأئمة الاثني عشر، هاشم معروف الحسني، دار الشريف الرضي، ط4، مج1، ص149.
3 يرفع ويضع.
4 أيْ: لا أنام الليلَ، فأنا متيقظ أبداً.
5 غزوة تبوك.
6 انظر تحفة الأحوذي، أبواب المناقب، باب علي بن أبي طالب، الحديث /3808/. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، صحيح من هذا الوجه. (غريب أيْ: قليل الورود. صحيح من هذا الوجه أيْ: صحيح باعتبار أنه حسن. والحديث مشهور ولا يحتاج لتزكية أحد، وإنما نقلنا ما نقلناه للاطلاع والفائدة)
7 تحفة الأحوذي، الحديث /3819/. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحافظ أبو العلى صاحب تحفة الأحوذي: أخرجه مسلم.
8 اللفظ للترمذي.
9 أسد الغابة، ابن الأثير، المجلد الرابع، ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
10 به علامة ليعرف بها.
11 يقول ابن كثير الدمشقي في كتابه البداية والنهاية: شهد علي بن أبي طالب يوم الخندق فقتل يومئذ فارسَ العربِ وأحدَ شجعانهم المشاهير، عمرو بن عبد ود العامري. [المجلد الخامس، ص318]
12 الترس.
13 يقول ابن الأثير بعد ذكره لبعض من قال ـ جهلاً أو تزويراً ـ أن الذي قتل مرحب هو غير الإمام علي: إن الذي قتل مرحباً وأخذ الحصن علي بن أبي طالب؛ وهو الأشهر والأصح. [الكامل في التاريخ، مج2، ص219] (والمرجع هو أهم مرجع تاريخي معتمد لتلك الحقب عند الأطراف عامة)
14 انظر أيضاً سيرة ابن هشام، فتح خيبر. والبداية والنهاية لابن كثير، مج5، ص318.
15 الكامل في التاريخ، ابن الأثير، المجلد الثاني.
16 ابن كثير هو الحافظ أبو الفداء الدمشقي المتوفي سنة774هـ. معروف بعدائه الشديد للشيعة وتكذيب أحاديثهم. انظر بعض قوله عنهم في كتابه البداية والنهاية، مج5، ص319.
17 البداية والنهاية، ابن كثير، دار الفكر، ط2، تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي، مج5.
18 لسان العرب، دين: الديان
منقول