3. الطعام القليل يشبع الكثير من الناس
كان أبو طلحة الأنصاري من أكثر الصحابة حظا في اسلامه, فتزوج مسلمة سبقته في الاسلام, ودعته للزواج منها وكان مهر أم سليم من أغلى المهور لو علم الناس قيمته, اذ أنه تقدم للزواج من أم سليم ولم يدخل الاسلام بعد, فقالت أم سليم: مهري اسلامك, أي دخولك في الاسلام. وأسلم أبو طلحة ودخل الاسلام وحسن اسلامه وتزوج أم سليم وأحسن معاشرتها ومعاملتها فعاشا في هناء في ظل ازدهار دعوة الحق في المدينة, ويروي أنس بن مالك رضي الله عنه قصة جميلة هي بحق معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أنس: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع, فهل عندك شيء؟
لقد أحس أبو طلحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جائع وعرف ذلك من صوته.
قالت أم سليم: نعم. وبدأت تعد أقراصا من خ الشعير ثم لفت الخ ساخنا في خمار لها, لعد أم لفت الخ ببعضه ثم أعطت أم سليم الخ لأنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلته به الى النبي عليه الصلاة والسلام.
ذهب أنس بن مالك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس, فلما دخل أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أرسلك أبو طلحة؟
فقال أنس: نعم يا رسول الله.
فقال عليه السلام لمن معه من الناس:" قوموا" وانطلق رسول الله مع أصحابه الى دار أبي طلحة الأنصاري, فلما رآهم أبو طلحة قال:
يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم, فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" هلمّ يا أم سليم ما عندك؟" فأتت بذلك الخ, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتت الخ, ففتت أم سليم الخ في عكة ووضعت عليه السمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يقول ثم قال:
"ائذن لعشرة" أي عشرة رجال.
فأذن لعشرة من الرجال فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا.
ثم قال:" ائذن لعشرة".
فأذن لعشرة من الرجال فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا.
ثم قال:" ائذن لعشرة".
فأذن لعشرة من الرجال فأكلوا حتى شبعوا, وظل على هذه الحال حتى أكل القوم جميعا, وكانوا سبعين أو ثمانين رجلا.
أليست هذه معجزة عظيمة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؟
بلى وربي انها معجزة عظيمة بحق, فمن عدد قليل من الخ يطعم ثمانون رجلا ويشبع كل واحد منهم شبعا كاملا, هكذا كانت معجزات النبي صلى الله عليه وسلم واحدة تلو الأخرى.
من حديث أنس في صحيح البخاري.
4. كثرة الطعام
تكررت وتعددت معجزات تكثير الطعام والشراب, فبلغت عشرات المرات, في ظروف مختلفة ومواقف مختلفة, ومناسبات عديدة لكل مناسبة وقتها وظروفها. ومما روى أبو هريرة عن شيء من هذه المعجزات, ما حدث في تبوك, وغزوة تبوك كلنا يعرف أنها كانت مشقة وعسرة, فقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في جو شديد الحر, ومشوا في طريق وعر بين الجبال والصخور, حتى انه صلوات الله وسلامه عليه كان لا يجد ما يكفي من الابل ما يحمل عليه رجاله وجنوده, ورغم تبرّع عثمان بن عفان وأهل الخير والكرم من المسلمين الا أن ذخيرة الجيش الاسلامي وزاده من الطعام كانت قليلة لأبعد حد يتخيّله الانسان.
فقد قال أبو هريرة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها (وهي غزوة تبوك) فنفذ زاد المسلمين واحتاجوا الى الطعام, ولم يكن أمامم سوى الابل والجمال التي يركبوها, فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر الابل وذبحها ليأكلوا منها, فأذن لهم صلى الله عليه وسلم, لما وجدهم في حاجة شديدة الى الطعام.
وقد بلغ هذا الخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاعترض على هذا الأمر لما فيه من أذى للمسلمين ولعلمه بوعورة الطريق وبعده عن المدينة مما يجعل العودة شاقة بل مستحيلة وتعرّض المسلمين وحياتهم للخطر لو قطعوا هذه المسافة مشيا على الأقدام بعد قتال وجهاد ضد الكفار في تبوك.
فجاء عمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابلهم التي تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها؟
أي أن هذا الأمر يحتاج الى اعادة النظر, ووضع عمر رضي الله عنه حلا أمام رسول الله وقال: ادع الله على بقايا الطعام, ادع الله عز وجل فيها بالبركة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أجل يا عمر" ودعا ببقايا الطعام فجاء الناس بما بقي معهم فجمعت ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يبارك فيها ودعاهم بأوعيتهم فملأوها اد وطعام كثير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أني عبدالله ورسوله ومن لقي الله عز وجل بها غير شاك دخل الجنة".
وهكذا كانت معجزات تكثير الطعام متوالية تأتي متكررة في مناسبات عدة.
تمنيت لو زرعوني فيك مئذنة أو علقوني على الأبواب قنديلا
|