وخلاصة القول هي أن السقوط جلب على البشر
:
1. الموت الروحي أي الانفصال عن الله ويتبع هذا فساد الطبيعة البشرية التي صارت مستودعاً لكل بذور الشر والعداوة والقتل والأنانية والشهوات بدرجة تجعل الناس أنفسهم ينفرون من هذه الشرور في الآخرين، فكم بالحري هي كريهة في نظر الله!
2. الموت الجسدي أي انفصال الروح عن الجسد الذي يعود إلى التراب الذي أخذ منه.
3. العذاب الأبدي الذي هو قضاء الله على جميع الخطاة.
وبناء عليه فلا يمكن أن يقترب الإنسان إلى الله أو تكون له معه علاقة حاضراً وأبدياً إلا إذا تم إيفاء مطاليب عدل الله، وإنقاذ الإنسان من عواقب السقوط الوبيلة السابق الإشارة إليها حتى يمكن أن تزول عنه صفة الذنب ويتبرر أمام الله. ولابد أيضاً من إعطاء الإنسان طبيعة جديدة بها يتوافق مع الله ويصلح لمساكنته. ومعالجة حالة الإنسان من كل الوجوه بالكيفية التي ذكرناها مستحيلة على الإنسان تماماً بالرغم من كل محاولاته المستمرة
.
العلاج الإلهي للإنسان الساقط ( تكوين 3
)
مما يسترعي النظر أن الفصل الذي يخبرنا عن سقوط الإنسان في أول صفحات الكتاب المقدس (في تكوين 3) يرينا بوضوح
:
1. نتائج السقوط الوبيلة التي أشرنا إليها.
2. فشل جهود الإنسان لمعالجة حاله وعودته للاقتراب إلى الله.
3. العلاج الإلهي الكامل الذي يكفل التبرير والقبول والخلاص من العقاب الأبدي، وكأن الله قد أودع كل بذور مقاصده الصالحة نحو الإنسان في الصفحات الأولى من كتابه المقدس.
ونبين باختصار كيف نجد هذه النقاط الهامة الثلاث في إصحاحي 3، 4 من سفر التكوين
:
1. نجد فساد طبيعة الإنسان في التشكك في محبة الله وفي صدق أقواله، حيث أوهمه الشيطان أن الله منع عنه خيراً بنهيه إياه عن الأكل من الشجرة وبأن الله غير صادق في تهديده إياه بالموت. هذا فضلاً عن استهانة الإنسان بسلطان خالقه، وإهانته بالتعدي على وصيته. وزاد الطين بلة بإلقاء تبعة سقوطـه علــى الله قائلا "الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ" (تكوين 3: 12). وقد ظهرت علامات هذا الفساد في وجود الإنسان في حالة العري والخزي، وفي اختبائه من محضر الله.
2. على أن الإنسان لم يستسلم لله ليعالج حاله التعيس بل حاول أن يعالج أمره بنفسه (عندما نقول الإنسان نقصد آدم وحواء معاً) "فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر" (تكوين 3: 7) وكل ما استطاعت هذه المآزر أن تفعله هو أن تغطي عري الواحد منهما عن الآخر، وليس عن الله لأن آدم وهو متزر بالمآزر يقول لله "لأني عريان". وأوراق التين تمثل كل الوسائل البشرية في كل العصور لمحاولة إصلاح طبيعة الإنسان وتهذيبها، وكل وسائل الصقل وتحسين الأخلاق والمظهر، فإن هذه كلها إنما تخفي مخازي الإنسان الداخلية عن إخوانه، ولكنها لا يمكن أبداً أن تخفيها عن نظر الله أو أن تصلح طبيعة الإنسان بأي درجة من الإصلاح، كما هو مكتوب "اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ" (يوحنا 3: 6) وأيضاً "لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ...هُوَ عَدَاوَةٌ لِلَّهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعاً لِنَامُوسِ اللهِ لأَنَّهُ أيضاً لاَ يَسْتَطِيعُ. 8فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ (رومية 8: 6-
. ونرى صورة لذلك في إشعياء النبي، إذ لم يستطع أن يكتشف حقيقة حاله إلا في نور مجد الرب فصرخ قائـلاً: "وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إنسان نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْـنِ" (إشعياء 6: 5). ثم نجد في تكوين 4 أن قايين أول ابن لآدم حاول أن يقترب إلى الله بأعماله، بمجهوده وتعب يديه فرفضه الله ولم ينظر إليه. هذا هو الطريق الذي اختطه قايين لنفسه متجاهلاً فساد طبيعته وقضاء الله عليه بالموت كخاطيء. وهو نفس الطريق الذي يسير فيه كل من يظن أن أعماله الصالحة يمكن أن تؤهله للاقتراب من الله بينما يقول الكتاب صراحة "وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ"(يهوذا 11). a