عرض مشاركة واحدة
قديم 16/01/2006   #33
شب و شيخ الشباب Tarek007
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ Tarek007
Tarek007 is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
Damascus
مشاركات:
3,584

افتراضي


أخذ العرب الحجاب عن الفرس الزرادشتيين، الذين كانت المرأة عندهم كائناً غير طاهر، عليها أن تربط فمها وأنفها بعصابة كيلا تدنس بأنفاسها النار المقدسة. وقلد العرب البيزنطيين في عزل المرأة وانزوائها بالمنـزل، الذين أخذوا ذلك عن الإغريق، حيث كان المنـزل نصفين مستقلين، أحدهما للرجال والآخر للنساء، وتعزز هذا التقليد كلياً أيام الوليد الثاني في العهد الأموي، الذي كان أول من أحدث ركن الحريم في المنـزل العربي (15).

وكان العرب قبل وإبان البعثة المحمدية يتألفون من طبقتين، طبقة الأحرار وطبقة العبيد. فقد كان الرق نظاماً معمولاً به عند العرب قبل وبعد البعثة المحمدية. وكان للرق والعبيد مصدران، أسواق النخاسة والغزو. ولم تخرج الغزوات في العصر النبوي عن كونها مصدراً من مصادر الرق، فالإمام الواحدي في أسباب النزول، يربط نزول قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم..} النساء 24. بغزوة أوطاس فيقول عن أبي سعيد الخدري: أصبنا سبايا يوم أوطاس نعرف أنسابهن وأزواجهن فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي (ص) فنـزلت الآية فاستحللناهن(16).

والإمام الرازي في تفسيره الكبير يرى للإحصان أربعة وجوه أحدها الحرية. فالمحصنة هي الحرة. ولما سقطت هذه الصفة عن المرأة المسبية في الغزو، فقد أصبحت من ملك اليمين فحلّ وطؤها. ويستشهد بقوله تعالى {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات} أي الحرائر(17).

كان لابد من هذه التوطئة، لما بين الحرَّة والأَمَة من فرق في اللباس والحجاب، وتأكيداً لما قلناه وقاله كثيرون من أن اللباس والحجاب عند المرأة ليـس تكليفاً شرعياً بقدر ما هو سلوك تقتضيه الحياة الاجتماعية والبيئة، يتغير بتغيرها. ومن هنا فقد فرَّق العرب، قبل البعثة المحمدية وأثناءها وبعدها، بين لباس الحرة ولباس الأمة. فلباس الحرة العربية هو لباس السيدة خديجة (رض)، التي تزوجها النبي قبل البعثة.

غطاء للرأس يقي من الحر ويجمع الشعر أن يتبعثر، وثوب طويل يستر القسم الأسفل من الجسد، لعدم جود ألبسة داخلية وقتها، وفضفاض يسمح لها بحرية الحركة في أعمالها وتحركاتها داخل البيت وخارجه، ولم يكن في الثوب فتحات أو جيوب إلا فتحة في الصدر، تبدو منها نهود المرأة حين تنحني إلى الأمام، وهو الجيب الذي ضربت عليه المرأة المؤمنة خمارها حين نزلت آية النور 31.

ولم يكن لباس الرجل يختلف من هذه الزاوية البيئية الاجتماعية عن لباس المرأة، فقد كان يغطي رأسه من الحر، ويلبس ثوباً طويلاً كيلا تظهر عورته حين يقعد لعدم وجود ألبسة داخلية وقتها. بالإضافة إلى لحية كان يطلقها الرجل، حتى لا يعاب بين قومه. وتروي لنا السيرة أن النبي كان يلبس كما يلبس الناس من حوله، حتى أن الرجل يدخل المسجد فيسأل القاعدين: أيكم محمد؟.

أما لباس الأمَة، التي اعتبروها تاريخياً ملك يمين، فقد كان أمراً آخر مختلفاً تماماً عما ذكرنا. وهذا بديهي طبيعي من جانبين. الأول أن الأمَة تعمل عند أسيادها على الطعام والشراب وكافة الأعمال المنـزلية إضافة إلى جلب اللوازم والحاجيات من السوق. والثاني اختلاف المكانة الاجتماعية بين الحرائر والإماء، الأمر الذي اقتضى وجود فارق في اللباس للتمييز بينهن.

هذا الفارق الذي تعمق أكثر واتضحت ضرورته بعد الفتوحات الكبرى، في ضوء كثرة عدد الإماء والعبيد، حتى صار امتلاكهم والإكثار منهم موضع تفاخر ومباهاة. وكان لابد لهذا من أن يحظى باهتمام الفقهاء. ومن هنا فنحن نجد في كتب الفقه أبواباً كثيرة تضع أحكاماً للحرّة والحر، وأخرى للأمَة والعبد، في مجال النكاح والطلاق وقذف المحصنات والزنا وغيرها.

فللعبد في موطأ مالك أن يتزوج بامرأتين أما الحر فبأربع. ويقع الطلاق من العبد بتطليقتين ومن الحر بثلاث، وعدة الطلاق للأمَة شهر ونصف، وعدة الترمل بعد وفاة الزوج شهران وخمسة أيام. وحد العبد والأمة في الزنا خمسون جلدة (1، وحدهما في قذف المحصنات أربعون، وليس على قذف الأمة حد. ولا يجوز للعبد إذا طلق زوجته أن يرتجعها إلا بعد أن يطأها رجل آخر(19).

أما في مسألة الحجاب فقد كان التفريق واضحاً على الصعيد التطبيقي الفقهي بين الحرّة والأمَة. يقول الدكتور نجمان ياسين (20): "أما الحجاب الذي ضرب على المرأة، والذي كان يعني إدناء الجلباب وفقاً لقوله تعالى:

{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} الأحزاب 59.

فالقصد منه ألا "يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فيكشفن عن شعورهن ووجوههن، ولكن يدنين عليهن من جلابيبهن، لئلا يعرض لهن فاسق بأذى إذا علم أنهن حرائر". فقد كانت الحرة تلبس لباس الأمة ذاته، فأمر الله نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن عليهن، وإدناء الجلباب أن تتقنع وتشد على جبينها. وهذا يعني أن الجلباب اتخذ كإجراء وتدبير لمعالجة حالة استثنائية دخلت على مجتمع المدينة.

وأن الرسول (ص) قد خشي ألا يميز الفسّاق من الشباب بين الأمَة التي يستلزم وضعها باعتبارها مملوكة أن تظهر مكشوفة، وأن تظهر محاسنها بأنواع الزينة للترغيب في شرائها وبين الحرة، فيتبعها الغواة وقد يصيبها منهم مكروه. والحق أن المفسرين قـد وضعوا اليـد على سبب إدناء الجلابيب، ووجدوا علاقة بين الجلباب والوضع الاجتماعي الأخلاقي في المدينة ". أهـ.

كذلك نرى أن الخليفة عمر بن الخطاب قد أخذ إجراءات احترازية للحيلولة دون الخلط بين الحرائر والإماء، فلم يكن يسمح للجواري بالخروج في هيئة الحرائر(21). ولقد سار الخليفة عمر بن عبد العزيز على المنهج ذاته فدعا إلى " أن لاتلبس الأمة خماراً ولا يتشبهن بالحرائر"(22).

أما بالنسبة للفقه، فقد أجاز الفقهاء للأمَة لباساً معيناً، نجده عند عبد الرحمن الجزيري(23)، تحت عنوان لباس الأمَة في الصلاة يقول: شرط الصلاة الثاني هو ستر العورة، ويختلف حد العورة بالنسبة للرجل والحرة والأمة، فحد العورة للرجل عند المالكية من السرة إلى الركبة، والركبة ذاتها عندهم عورة أما السرة فخلاف ذلك، والأمَة كالرجل، وتزيد عنه أن بطنها كله وظهرها عورة، وعورة المرأة الحرة هو جميع بدنها حتى شعرها النازل على أذنيها لقوله (ص): المرأة عورة ويستثنى من ذلك باطن الكفين وظاهر القدمين. وقال الشافعية مثل ذلك مع بعض الاختلافات الطفيفة، أما عند الحنابلة فالعورة كما قال الشافعية، إلا أنهم استثنوا من الحرّة الوجه فقط، وكل ما عداه عورة عندهم.

وتنقسم العورة إلى مغلظة ومخففة، فالمغلظة للرجل هي القبل والخصيتان وحلقة الدبر، والمخففة ما عدا ذلك. أما المغلظة للأمة فهي كالرجل بزيادة الإليتين، والمخففة للأمة كالمخففة للرجل. وأما الحرة فالمغلظة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر.

هذا كله في الصلاة، فما هو الحكم خارج الصلاة؟ نعود إلى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة فنراه يقول: يجب على المكلف ستر عورته خارج الصلاة عن نفسه وعن غيره، ممن لايحل لهم النظر إلى عورته إلا لضرورة كالتداوي. حد العورة للمرأة الحرة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة، إذا كانت في خلوة، أو في حضرة محارمها، أو في حضرة نساء مسلمات. أما إذا كانت بحضرة رجل أجنبي أو امرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها عدا الوجه والكفين. أما عورة الرجل خارج الصلاة فهي ما بين سرته وركبته ويحل النظر إلى ما عدا ذلك من بدنه مطلقاً عند أمن الفتنة. أهـ.

وإذا القينا نظرة على كتاب (الفقه الإسلامي وأدلته) للدكتور وهبة الزحيلي في باب حد العورة نجده يذكر أن الأئمة اتفقوا على أن عورة الأمة هي عورة الرجل نفسها، وان اختلفوا قليلاً في دخول السرة أو عدمه، ويبين أن العورة للرجل عند المالكية هي المغلظة فقط وهي السوأتان، وعورة الأمة السوأتان مع الإليتين وعورة المرأة الحرة المغلظة جميع البدن ماعدا الصدر والأطراف من رأس ويدين ورجلين وماقابل الصدر من الظهر كالصدر.

ويوضح لنا مذهب الشافعية في أن السرة والركبة ليستا من العورة على الصحيح لحديث أنس " أن النبي (ص) يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه" (24).

ويلحق الشافعية عورة الأمة بالرجل بجامع أن رأس كل منهما ليس بعورة ولأن الرأس والذراع مما تدعو الحاجة إلى كشفه.

كما يشير الدكتور الزحيلي في مذهب الحنفية أنهم اعتبروا عورة الأمة كعورة الرجل لأنـها تخرج لحاجة مولاها في ثياب مهنتها عادة، فاعتبرت كالمحارم في حق الأجانب عنهن دفعاً للحرج. وعند الحنابلة فليست سرة الرجل وركبته من عورته(25).

وفي فقه الشيعة فإن عورة الأمة كعورة الرجل. فقد أورد الشيخ الطوسي (385 – 460 هـ) في تفسيره (التبيان): " قيل: العورة من النساء ماعدا الوجه والكفين والقدمين، وقيل العورة من الرجُل العانة إلى مستغلظ الفخذ من أعلى الركبة وهو العورة من الإماء"(26).

فإذا كان لباس الأمة في الصلاة كما ذكرنا، فلك أن تتصور لباسها في أسواق النخاسة، وهي تعرض للبيع في أسواق المدينة ودمشق وبغداد والقاهرة، وهذا الأمر الذي بلغ ذروته في العصر العباسي ثم المملوكي فالعثماني. حيث كان الرجال يخافون على حرائر النساء من الاختلاط، فعمدوا إلى منعهن من مغادرة البيوت، وإلى إجبارهن على تغطية وجوههن بسبب التسيب الجنسي، ونرى فيه سبباً تاريخياً اقتضاه الواقع الاجتماعي. حين كانت الإماء تسير في الطرقات وتقف في الصلاة عارية الثديين والإبطين حاسرة الرأس، لاتستر سوى جيوبها السفلية ما بين الركبة والسرة.

وذهب الرق، وانتهى عهد العبودية، وطوى التاريخ لباس الأمة، وبقي لباس الحرة على أنه لباس الإسلام الشرعي، بينما هو لباس اجتماعي بحت لاعلاقة له بالإسلام أو بالإيمان لامن قريب ولا من بعيد.
.

عـــــــــــــــــــــــــــــبـــــــــــــــايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة






زورو موقع الدومري :
http://aldomari.blogspot.com
 
 
Page generated in 0.04035 seconds with 10 queries