راكبوا الحمير وراكبوا الجمال
تأمل نبوءة أشعياء التي ذكر فيها:
(وَعِنْدَمَا يُشَاهِدُ رَاكِبِينَ فُرْسَاناً أَزْوَاجاً أَزْوَاجاً، أَوْ رَاكِبِينَ عَلَى حَمِيرٍ، وَرَاكِبِينَ عَلَى جِمَالٍ، فَلْيُصْغِ إِصْغَاءً شَدِيداً ) [أشعياء 21/7].
من هو راكب الحمار? إن أي تلميذ في مدارس الأحد يعرف أنه يسوع:
(وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَرَكِبَ عَلَيْهِ، كَمَا قَدْ كُتِبَ) [يوحنا 12/ 14].
فمن إذن راكب الجمل الموعود? الذي تجاهله مفسرو الكتاب المقدس? إنه محمد صلى الله عليه وسلم, الذي لم يأت من تنطبق عليه تلك النبوءة غيره. ويؤكد ذلك ما ذكره أشعياء صراحة في نفس الإصحاح عن "نبوءة بشأن جزيرة العرب" :
(نُبُوءَةٌ بِشَأْنِ شِبْهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ: سَتَبِيتِينَ فِي صَحَارِي بِلاَدِ الْعَرَبِ يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ) [أشعياء 121/ 13], والتي تشير أيضا إلى الرسالة التي حملها المسلمون العرب الأوائل في نشر الدعوة; ثم حملتها أجيال المسلمين في كل زمان ومكان إلي يومنا هذا.
ثم تمضي نبوءة أشعياء :
(فَاحْمِلَوا يَا أَهْلَ تَيْمَاءَ الْمَاءَ لِلْعَطْشَانِ، وَاسْتَقْبِلُوا الْهَارِبِينَ بِالْخُبْزِ) [أشعياء 21/ 14], لتشير الي أهل تيماء الذين آووا النبي وصحبه من المهاجرين وآخى كل واحد منهم وافدا من المهاجرين وشاركه الطعام والشراب, وهو ما كان من الأنصار بالمدينة المنورة, التي كان اسمها قبل الهجرة "يثرب" و"طَيْبَة" (لاحظ الشبه باسم تَيْماء).
وقد أشارت نبوءة أشعياء إلى هذه الهجرة؛ التي أذن الله بها عندما أعلم الله رسوله بما أجمع عليه الكفار أن يضربوه بسيوفهم ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل (كما جاء في السيرة النبوية), فتأمل عبارة أشعياء (21/ 15):
(لأَنَّهُمْ قَدْ فَرُّوا مِنَ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ، وَالْقَوْسِ الْمُتَوَتِّرِ، وَمِنْ وَطِيسِ الْمَعْرَكَةِ) [أشعياء 21/ 15].
ثم تواصل نبوءة أشعياء سردها :
(لأَنَّهُ هَذَا مَا قَالَهُ لِي الرَّبُّ: فِي غُضُونِ سَنَةٍ مَمَاثِلَةٍ لِسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ)
[أشعياء 21/ 16], فتحدد في دقة بالغة ما تم في السنة الثانية من الهجرة من لقاء حاسم بين المؤمنين وبين مشركي قريش (أحفاد قيدار) في موقعة بدر الفاصلة التي اندحر فيها الشرك والمشركون, وقيدار كما علمت هو الابن الثاني لإسماعيل, وانظر سفر التكوين 13/25; كما جاء في الفصل الأول:
(وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ إسماعيل مَدَوَّنَةً حَسَبَ تَرْتِيبِ وِلاَدَتِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إسماعيل، وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ) [تكوين 25/ 13].
كما يؤكد هذه الحقيقة (أن العرب هم المشار إليهم بأهل قيدار في الكتاب المقدس) ما جاء أيضا بسِفْر حزقيال:
(وَتَاجَرَ مَعَكِ الْعَرَبُ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ قِيدَارَ، فَقَايَضُوا بَضَائِعَكِ بِالْخِرْفَانِ وَالْكِبَاشِ وَالأَعْتِدَةِ) [حزقيال 27/ 21].
نبياً مثل موسى
وعد الله موسي طبقا لسفر التثنية بمجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم, الذي حدده تحديدا بعبارة :
(لِهَذَا أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيّاً مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَضَعُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُخَاطِبُهُمْ بِكُلِّ مَا آمُرُهُ بِهِ ) [تثنية 18/18], ولا ينطبق ذلك التحديد إلا عليه صلي الله عليه وسلم لما يلي:
1- "من بين إخوتهم": تعني أبناء إسماعيل أخي إسحاق جد بني إسرائيل, وإلاّ لو كان المراد هو عيسى (الذي هو "من" بني إسرائيل) لقيل "من بينهم".
2- كونه مثل موسى "مثلك", والمثلية هنا إنما تنطبق على محمد لا علي عيسى عليهماالصلاة والسلام من كل وجه:
§ فموسى ومحمد وُلِدا من أب وأم, بلا معجزة, خلافا لعيسى.
§ وكلاهما تزوج وأنجب ذرية, خلافا لعيسى.
§ وكلاهما مات ودفن ميتة بصورة طبيعية, خلافا لعيسى الذي توفاه الله ورفعه إليه ولم يشهد أحد موته.
§ وكلاهما حاربه أعداؤه وطاردوه بجيوشهم, خلافا لعيسي.
وكلاهما نصرهما الله وأظهرهما على أعدائهما في حياتهما, خلافا لعيسى الذي انتصرت رسالته معنويا بعد رحيله.
§ وكلاهما تلقي وحيا دونت نصوصه في حياتهما (قبل أن تحرف التوراة), بينما لم يبدأ تدوين شيء من تعاليم عيسى إلا بعد رحيله.
§ وكلاهما كانت رسالته شريعة عملية متكاملة خلافا لعيسى الذي كانت رسالته روحية وخلقية فحسب.
§ وكلاهما كان قائدا لأتباعه الذين التفوا حوله, خلافا لعيسى الذي انفض من حوله معظم قومه بني إسرائيل.
3- "وأضع كلامي في فمه": إشارة إلى الوحي الذي نزل به جبريل من الله تعالى طوال ثلاثة وعشرين عاما, وهو النبي الأمي الأمين الذي بَلَّغ كل حرف منه كما سمعه, ويتطابق الوصف مع قوله تعالى في سورة القيامة :
(َ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16)إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ( 18 ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة 16-19)
4- وتتصدر سور القرآن الكريم البسملة "بسم الله الرحمن الرحيم" (عدا سورة براءة) وهي (أي البسملة) التي يبدأ بها المسلم أي عمل في حياته اليومية, فتأمل ما جاء في سفر التثنية (19/ 18 ) :
(فَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْصَى كَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي، فَأَنَا أُحَاسِبُهُ ) [تثنية 18 / 19] !!
لا تَقُل ما لا تعلَم ، بل لا تقُل كلَّ ما تعلم
|