لنتابع الحوار ..
محمد رسول الله في الكتاب المقدس
عبد الله : ماذا يقول الكتاب المقدس عن الدافع لإبعاد إسماعيل وأمه هاجر عن سارة ?
عبد المسيح : عندما شب الرضيع إسحاق, ابن إبراهيم من سارة, وتم فطامه. وكان أخوه الأكبر إسماعيل ابن إبراهيم من هاجَر يمزح معه ويسخر منه, غضبت سارة وأرادت إبعاد إسماعيل حتى لا يرث مع ابنها إسحاق, وذلك ما نص عليه سفر التكوين :
(وَكَبُرَ إِسْحقُ وَفُطِمَ. فَأَقَامَ إبراهيم فِي يَوْمِ فِطَامِهِ مَأْدُبَةً عَظِيمَةً. وَرَأَتْ سَارَةُ أَنَّ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ لإبراهيم يَسْخَرُ مِنِ ابْنِهَا إِسْحقَ، فَقَالَتْ لإِبْرَ اهِيمَ: «اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، فَإِنَّ ابْنَ الْجَارِيَةِ لَنْ يَرِثَ مَعَ ابْنِي إِسْحقَ) [تكوين 21/ 8 -10].
عبد الله : دعني أوضح لك بعض ما قد غاب عنك في هذه الرواية: إذا كان إسحق قد تم فطامه وهو ابن سنتين فيكون عمر إسماعيل حينئذ ستة عشر عاما, لأن أمه هاجر قد حملت به عندما كان أبوه إبراهيم في السادسة والثمانين من عمره, بينما ولد له إسحاق وهو في سن المائة عام بنص سفر التكوين (16/16 و 21/ 5) :
(وَكَانَ أَبْرَامُ فِي السَّادِسَةِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وَلَدَتْ لَهُ هَاجَرُ إسماعيل) [تكوين 16/16].
(وَكَانَ إبراهيم قَدْ بَلَغَ الْمِئَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وُلِدَ لَهُ إِسْحقُ) [تكوين 21/ 5].
وبذلك يكون ما جاء في (تكوين 21/ 8 -10) بخصوص قصة إبعاد إسماعيل وأمه يتناقض تماما مع ما جاء بعد ذلك في سفر التكوين (21/ 14-21), التي تصور إسماعيل حين إبعاده عن سارة, طفلا صغيرا لا فتى يافعا:
(فَنَهَضَ إبراهيم فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ وَأَخَذَ خُبْزاً وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَدَفَعَهُمَا إِلَى هَاجَرَ، وَوَضَعَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهَا، ثُمَّ صَرَفَهَا مَعَ الصَّبِيِّ. فَهَامَتْ عَلَى وَجْهِهَا فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ. وَعِنْدَمَا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الصَّبِيَّ تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ، وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ، عَلَى بُعْدِ نَحْوِ مِئَةِ مِتْرٍ، لأَنَّهَا قَالَتْ: «لاَ أَشْهَدُ مَوْتَ الصَّبِيِّ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ. وَسَمِعَاللهُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا الَّذِي يُزْعِجُكِ يَاهَاجَرُ؟ لاَتَخَافِي، لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُلْقًى. قُومِي وَاحْمِلِي الصَّبِيَّ، وَتَشَبَّثِي بِهِ لأَنَّنِي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً». ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ وَسَقَتِ الصَّبِيَّ. وَكَانَ اللهُ مَعَ الصَّبِيِّ فَكَبُرَ، وَسَكَنَ فِي صَحْرَ اءِ فَارَانَ، وَبَرَعَ فِي رَمْيِ الْقَوْسِ. وَاتَّخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ مِصْرَ ) [تكوين 21/ 14-21].
والصحيح إذن أنهما رحلا عن سارة قبل سنوات من مولد إسحق, وقد أشار القرآن الكريم إلى رحيل إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى "واد غير ذي زرع" هو نفسه "برية فاران" التي جاء ذكرها في سفر التكوين (21/21) :
(وسكن في صحراء فاران) [تكوين 21/21].
وكان ذلك بناء على أمر إلهي إلى إبراهيم عليه السلام, لحكمة يدخرها الله لعباده المؤمنين. وغادر إبراهيم مكة تاركا هاجر وابنها الرضيع لعناية الله, وطفقت هاجر تبحث عن الماء بين جبلين - الصفا والمروة - فجعلت تهرول بينهما. وبعد سبعة أشواط انبثق لها نبع زمزم, وأصبح السعي بين الصفا والمروة شعيرة إسلامية من شعائر الحج الذي يجتمع إليه الآن ملايين المسلمين, ومازال النبع (بئر زمزم), المذكور في سفر التكوين (21/ 19), قائما يرتوي منه الحجاج حتى اليوم :
(ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ وَسَقَتِ الصَّبِيَّ) [تكوين 21/19].
وبعد ذلك بسنوات قام إبراهيم وإسماعيل سوياًّ ببناء الكعبة بيت الله الحرام بمكة المكرمة, ومازال موضع صلاة إبراهيم قبالة الكعبة قائما (مقام إبراهيم), ومن خلال شعائر الحج يحيي المسلمون من كل أنحاء العالم ذكرى تضحية إبراهيم بابنه إسماعيل وفداء الله له بكبش الفداء.
عبد المسيح : مهلا, لقد كان الفداء طبقا للكتاب المقدس لإسحق لا لإسماعيل.
عبد الله : بل الصواب إذا قرأت سفر التكوين جيدا يطابق ما أكده القرآن أن الفداء والعهد كانا لإبراهيم, ففي (تكوين 17/ 24-27) :
(وَكَانَ إبراهيم فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ، أَمَّا إسماعيل ابْنُهُ فَقَدْ كَانَ ابْنَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. وَهَكَذَا خُتِنَ إبراهيم وَإسماعيل ابْنُهُ فِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ خُتِنَ مَعَهُ كُلُّ رِجَالِ بَيْتِهِ الْمَوْلُودِينَ فِيهِ وَالْمُبْتَاعِينَ بِمَالٍ مِنَ الْغَرِيبِ) [تكوين 17/ 24-27].
وبعد ذلك ولد إسحق وختن في اليوم الثامن من ولادته: (وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ بِمُوجِبِ أَمْرِ اللهِ. وَكَانَ إبراهيم قَدْ بَلَغَ الْمِئَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وُلِدَ لَهُ إِسْحقُ) [تكوين 21/ 4-5].
لذا فإنه عندما نزل العهد من الله (بالختان والفداء) كان إبراهيم في التاسعة والتسعين من عمره, وكان إسماعيل ابن ثلاثة عشر عاما, بينما لم يكن إسحق قد ولد بعد.
وقد التزم المسلمون ابتداء من محمد صلى الله عليه وسلم حفيد إسماعيل إلى يومنا هذا بعهد الختان (للذكور), والصلاة علي إبراهيم وآل إبراهيم في كل صلاة من الصلوات الخمس اليومية مقترنة بالصلاة علي محمد وآل محمد.
عبد المسيح : ولكن سفر التكوين في إصحاحه 22 ينص على أن الذبيح كان إسحق ?
عبد الله : أعرف ذلك, وهو تحريف متعمد لأنه يتناقض مع ما جاء في النصوص الأخرى من سفر التكوين التي قرأناها آنفا. ففي (تكوين 22/2 و 12/ 16) :
(فَقَالَ لَهُ: خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، إِسْحقَ الَّذِي تُحِبُّهُ… عَلِمْتُ أَنَّكَ تَخَافُ اللهَ وَلَمْ تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي…يَقُولُ الرَّبُّ: لأَنَّكَ صَنَعْتَ هَذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي) [تكوين 22/ 2 و 12/ 16].
فعبارة : "ابنك وحيدك اسحاق" صوابها أن تكتب "ابنك وحيدك إسماعيل", لسبب بسيط هو أن إسماعيل وقتها كان في الثالثة عشرة من عمره بينما لم يكن إسحاق قد ولد أصلا؛ كما استنبطنا من سفر التكوين ذاته. وأعجب من ذلك أنه عندما ولد إسحاق (الأخ الأصغر لإسماعيل) أصبح لإبراهيم ابنان; فلا يعقل أن يقال عنه "الابن الوحيد" !! ولكن التعصب المقيت لكتاب العهد القديم من بني إسرائيل دفعهم لمحو اسم إسماعيل من كل مواضعه في الإصحاح 22 وإبداله بإسحاق, ولكن الله أغفلهم عن حذف كلمة "الوحيد" ليكشف تحريفهم.
ويثبت لك تحريفهم المتعمد للإصحاح 22 أيضا عبارة (تكوين 17/22) :
(لأُبَارِكَنَّكَ وَأُكَثِّرَنَّ ذُرِّيَّتَكَ فَتَكُونُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَرَمْلِ شَاطِيءِ الْبَحْرِ، وَتَرِثُ ذُرِّيَّتُكَ مُدُنَ أَعْدَائِهَا) [تكوين 22/ 17]، التي تشير إلى إسحق, والتي تكررت بنصها في إصحاح سابق (تكوين 16/ 10) :
(لأُبَارِكَنَّكَ وَأُكَثِّرَنَّ ذُرِّيَّتَكَ فَتَكُونُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَرَمْلِ شَاطِيءِ الْبَحْرِ، وَتَرِثُ ذُرِّيَّتُكَ مُدُنَ أَعْدَائِهَا) [تكوين 16/10], ولكن المشار إليه هنالك كان "إسماعيل" لا "إسحاق".
لا تَقُل ما لا تعلَم ، بل لا تقُل كلَّ ما تعلم
|