لأنك تكتبين فقد أحببت أن أشاركك اهتمامك وألفت اهتمام الأصدقاء جميعهم إلى قصص الأديب السوري محمد علاء الدين عبد المولى وقد أرسلت سابقا قصتين له وها أنا أقدم هذه القصة الملتبسة والتي أثارت كثيرا من ردود الفعل الايجابية والسلبية أكثر فأرجو مشاركتي في قراءتها ونقاشها بصراحة
ودمت ودام الأصدقاء جميعهم
العاصي.....
2ـ فأر ياباني
يُحكى أنّ.../
في فترةٍ من فتراتِ المدّ الفأري في بلد السهول المعبأة بالخيرات والحبوب والأشجار الطيبة قام وفدٌ اقتصاديّ عالي الجودة بزيارة إلى اليابان للبحث هناك مع الخبراء في أفضل السبل للقضاء على الفئران المنتشرة في تلك السهول مما يشكل خطورة فادحة على سير عِجلِ الاقتصاد. لم يقصّر خبراء اليابان في خدمة الوفد الغيور على بلده، فقدموا له فأراً آليا سيوضع أمام أكبر تجمعات فأرية ليخاطب جماهير الفئران الغفيرة والغفورة ويقنعها، من خلال كمية العواطف التي حقن بها على أحدث الطرز العلمية، بأن تتجه هذه الجماهير خلفه بغريزة القطيع بينما هو ذاهب بسرعة متواترةٍ إلى البحر جارفا خلفه جمهورية الفئران بكافة أعلامها المنكسة ومجالسها المهزومة. وسوف ينزل الفأر إلى البحر لتتابعه الفئران منتحرة على الطريقة اليابانية الحديثة.
بعد نجاح خطة الفأر الآلي وسلامة محصولات الخير والعطاء، دغدغت فكرة الفأر الآلي خيال المحارب الأكبر في بلد السهول والخيرات، فهو في زعمه أولى من الآخرين بامتلاك فأر آليّ يستخدمه في أغراض حربية لم يتكلم عنها. لكنه صرح بأنه يريد تطبيق خطة إغراق الفئران على جيوش العدوّ. وقد كاد المشروع يكتمل في ذهنه لولا أنه كعادته غفل عن أهم ما في الأمر. فقد نبهه أصحاب الشأن إلى أن برنامج الفأر الآلي لا يعمل على نطاق البشر، ولا سيما الجيوش المعادية منهم، لأنه برنامج أنشىء وفق معطيات فأرية وليس معطيات عسكرية.
ولأن فرص النصر نادرة ولا تأتي إلا مرة واحدة على ما يبدو، ولأن زمنا طويلاً مضى دون انتصارات، فقد ضرب المحارب الأكبر أخماسا وأسداسا وأحجاراً، فاشتعلت في رأسه الشائب شرارة اعتقد جازماً أنها جهنمية، أين منها خطة الفأر الآليّ. أضمر خطته تحت قبعته السحرية وطار إلى اليابان حاملاً معه أكياساً من النياشين والأوسمة، إذ لم تعد تتسع لها صفحة صدره الضيقة. ولخطورة المشروع المضمر لم يُدْلِ للصحفيين بأية معلومات عن الغاية من زيارته. بل قال لهم عند سلم الطائرة: العمى، أنتم كالفئران تنتظرون مواسم كهذه للانقضاض والقرض... ولكن من يستطيع أن يلعب على رجال الصحافة الغربية؟ فبعد انفضاض الاجتماع المغلق المنغلق المستغلق تسربت أخبار سوف يطير صواب الصحافة لها، لأنتها تشكل قنبلة الموسم الإعلامي. وقد سرَّبها فأر كان يجوس سرّاً بين الأحذية العسكرية المتراصة على طول مساحة أرضية القاعة السرية. ونظراً للحجم الكبير الذي يتمتع به الحذاء العسكري فلم يشعر أحد بهذا الفأر الجاسوس.
جن جنون العالم الأعلى، توجهت الصواريخ النووية كلها باتجاه الشرق، مصوبة رؤوسها دفعة واحدة إلى رأس المحارب الأكبر. حتى أن نافذة غرفة نومه صارت تحت مرصد قاعدة صواريخ مستقلة لها... طارت وفود وحطّت وفود، وقادة اليابان تبدو عليهم وحدهم سمات الهدوء التي ورثوها عن حكمائهم. صرح كبيرهم: ليس من المعقول أن نوافق على هذا العرض لا منن قريب ولا من بعيد، لا الآن ولا في المستقبل، وذلكم ردنا النهائي...
طبيعي أن يصيب العالمَ شيطانُ الجنون والهذيان. وطبيعي أن تضطرب دورات الطمث في رؤوس الدول، وأن تزداد نسبة الإصابات بالنوبات الكلبية في أوساط تجار الحروب. إذ ليس مقبولا ولا بشكل من الأشكال أن يتفتح تفكير الشرق على هذا النمط المرعب من الأفكار الخيالية المدمرة. إن معادلات التاريخ ستتغير تفاعلاتها وتنتج عناصر جديدة تجحظ لها عيون الكوكب البشري ،وسوف يُقضى بعدها على جحافل الفئران التوراتية التي ترعى بيارات البرتقال وأدمغة الفقراء، ويتخلص الشرق من عدوه الأول بكل سهولة ورومانسية.
عاد المحارب الأكبر محاولاً إخفاء خيبة أمله التاريخية. وبينما هو في طائرته المحصنة ضد فئران السماء، كان ذهنه شارداً خلف زمن يأتي يحقق فيه أحلامه العظيمة. أغمض عينيه ورأى إسرائيلياً آليّاً على نمط الفأر الآليّ يقف أمام تجمعات الإسرائيليين... ها هي ذي جموعهم تنقاد طائعة ومختارة خلف الإسرائيلي الآليّ الذاهب بها صوب البحر... ها هو ذا البحر مقبرة الغزاة... استسلم لرعشة النصر تلفّه، وأخذ يرتجف قطعة واحدة، مما سمح للنياشين والأوسمة بإصدار رنين على صدره. أيقظه الرنين، فرك عينيه تجهّم وجهه من جديد. أخرج دفتر مذكراته الخاص وسجل) آه لو بقيت دولة القطب الشمالي الحمراء على ما هي عليه ولم تأكلها الفئران، كنت طرت إليهم وعدت مكللا بالنجاح... عليك اللعنة يا فأرتشوف).وعندما أتوه بصحف العالم قرأ في الصفحة الاستراتيجية أن البيوت البيضوية في العالم تدرس إمكانية اختراع يهوديّ آلي يقود جموع اليهود كلهم في كافة أنحاء العالم باتجاه البر العربي بحيث لا ينتهي القرن الواحد والعشرون إلا وتكون الأرض العربية جزيرة فئران يهودية خصبة...
|