عالم الحكايات
من بلودان رغم بعد المسافة كانت تحركاتي إلى دمشق المدينة أو الشام كما ذكرت من قبل.. بدأت أتعرف على ملامح الشام التي تحتضن آثاراً وشواهد لمختلف حقب التاريخ البشري، وتعد متحفاً كبيراً للتاريخ، كانت البداية بالمسجد الأموي الشهير الذي بناه الوليد بن عبد الملك.. وهو أقدم معلم إسـلامي فيها، ويعد من أعظم المساجد، وفيه أقدم مئذنة إسلامية قائمة حتى الآن، وعنه قال الوليد بن عبد الملك أنه حين تم بناء هذا المسجد: يا أهل دمشق، إنكم تفخرون على الناس بأربع: بهوائكم، ومائكم، وفاكهتكم، وحماماتكم، فأردت أن أزيدكم خامسة هي هذا الجامع الأموي.. وقد صدقت نبوءة الوليد السياحية فقد أصبحت هذه العوامل الخمسة هي أعمدة السياحة في دمشق. وفي دمشق يمكنك أن ترى كيف امتدت الحداثة لتحتضن دمشق القديمة التي ما زالت تحافظ على أبرز سماتها، فما زالت أبوابها السبعة على حالها، وإن كانت لم تعد تؤدي وظيفتها القديمة، وعندما تمر من خلالها تشعر أنك تدخل عالماً يشبه عالم الحكايات، لتطالعك بيوت دمشق ذات النمط المعماري المميز، وأزقتها الضيقة، بالإضافة إلى حمامات السوق، وهي معلم سياحي ما زال يستقطب الزوار حتى الآن، وإن كان عددهم تقلص كثيراً بعد أن تجاوز الثلاثمائة حمام في خمسينيات القرن المنصرم، وما بقي ما زال يحاول الحفاظ على رائحة الماضي، إذ يأتي أهل الحارة بالعريس إلى حمام السوق، ومن هناك ينطلقون به فيما يعرف بالعراضة الدمشقية، بالإضافة إلى بعض الحمامات الخاصة بالنساء، وما زال مرتادو حمامات السوق يتناقلون الأساطير التي حكيت ضمن أجوائها والمشابهة لأساطير ألف ليلة وليلة، توجد نفس النكهة في أمكنة أخرى من دمشق القديمة، كما في الأسواق، خاصة سوق الحميدية، الذي بني في عهد السلطان عبد الحميد الأول، ثم استكمل في عهد عبد الحميد الثاني، ومن هنا جاءت تسميته.
وبالقرب من سوق الحميدية، يقع مقهى النوفرة الذي ما زال فيه الحكواتي يجلس على كرسيه المرتفع، ويسرد للزبائن السير الشعبية، وهو يحمل سيفاً يضرب به الطاولة عند كل ذروة درامية في القصة، أو ليلفت انتباه بعض الذين سهوا عنه.. وقد جلست على المقهى واستمعت إلى روايات الحكواتي في سهرة كانت أكثر من رائعة.
سوق المهن
هذا الغنى في المقومات السياحية الجغرافية والتاريخية، يقابله غنى في الفنون والعادات والمهارة في الحرف اليدوية والصناعات التقليدية التي تميز السوريين، ومازال سوق المهن اليدوية في دمشق قبلة السواح من مختلف البلدان، حيث يمكنهم مشاهدة الحرفي وهو يقوم بتحويل المعادن أو الأخشاب إلى لوحات تنبض بالحياة، وقد حافظ الحرفيون على عراقة المهنة، وخاصة ما كان يميز صناعاتهم، لهذا مازال السيف الدمشقي يخرج بأبهى حلة، مطعماً بالنقوش والزخارف كأنه لوحة فسيفسائية تحاكي ما أبدعه الأجداد في هذه المنطقة. وكذلك صناعة النسيج خاصة البروكار الذي اكتسب سمعة عالمية، ومازال مهنيون يحترفون هذه الصناعة، والبروكار يصنع منذ القدم من خيوط الحرير الطبيعي الموشى بالخيوط المذهبة، والمشغولة على الأنوال التراثية بكل صبر وأناة، إذ يكفي القول إن العمل قد يستغرق أحياناً شهراً كاملاً لإنجاز ثوب واحد.
ليـس هذا كل شئ في الشام والخطوط الرئيسية.. فأنت الوحيد الذي يمكنه أن يحدد مسار رحلته.. فأنت في مدينة عربية تمشي في شوارعها فلا يعرف أحد انك غريب.. وعليك أن تتصرف وكأنك في بلدك تخرج وتدخل وتذهب أينما تشاء.. ولكن إذا ذهبت إلى سوريا فلا يجب أن تقتصر زيارتك على دمشق.. وعليك أن تقطع بعض المسافات لترى مناطق جميلة أخرى في سوريا ولن تندم أبداً على قطع هذه المسافات.. فسوريا تمتاز بغنى واسع في مقومات العرض السياحي.. ومناخ معتدل نقي، صحراء وجبال، ويمكن للزائر أن يتجول في مدن مازالت شواهد على حضارات عريقة مثل مدينة ماري، تدمر، دورا أوروبوس، معلولا، أوغاريت، المدن الميتة... إضافة إلى القلاع والحصون التي شهدت أحداثاً مهمة ومفصلية في تاريخ المنطقة، كقلعة دمشق، وحلب، وصلاح الدين، والمرقب، والحصن، وغيرها.. وهذه بعض الأماكن التي يمكنك زيارتها
(M L) أبوراشد (M L )
ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً .............والناس حولك يضحكون سرورا
فاأحفظ لنفسك أن تكون إذا بكو ......في يوم موتك ضاحكاً مسرورا
|