عرض مشاركة واحدة
قديم 29/12/2005   #42
شب و شيخ الشباب عبد الرحمن الرحيم
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ عبد الرحمن الرحيم
عبد الرحمن الرحيم is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
مشاركات:
1,221

افتراضي


الوجه التاسع عشر: أنه على فرض صحة نسبه تلك الأبيات إلى امرىء القيس ، فإن القرآن الكريم لم ينزل بالعبرية أو السريانية، بل نزل بلغة العرب، وإذا كان كذلك فلا غضاضة في أن يحصل تشابه في بعض الكلمات أو التراكيب، إذ القرآن الكريم نزل ليتحدى كفار قريش، قائلا لهم: إنكم تنطقون بهذه الأحرف، وتقولون تلك الكلمات، لكنكم مع ذلك عاجزون عن أن تأتوا بمثل القرآن من جهة القوة والإحكام والإتقان، والتشابه في بعض الكلمات والتراكيب لا يعني الاقتباس والنقل كما هو معلوم .

الوجه العشرون: على فرض صحة نسبة تلك الأبيات إلى امرىء القيس ، فإنها لا تتعدى مع المكذوب منها عشرة أبيات، فلو سلمنا جدلا بأن القرآن اقتبس في عشر آيات منه، من عشرة أبيات، فمن أين أتى القرآن بأكثر من ستة آلاف آية أخرى !!!

ونقول أخيرًا – وهو الوجه الحادي والعشرون –: إن هذه الفرية ليست وليدة اليوم، فقد بدأت أصداؤها منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي، حين نشرت الجمعية الإنجليزية المكلفة بالدعوة إلى النصرانية كتابًا بعنوان ( تنوير الأفهام ) وقد كتب ذلك الكتاب أحد الحاقدين على الإسلام وأهله، وضمن كتابه الأبيات التي ذكرناها أول المقال، ونسبها إلى امرىء القيس ، ثم ادعى بعد ذلك أن القرآن الكريم قد اقتبس من تلك الأبيات .

ونص الأبيات التي لفقها على امرىء القيس :

دنت الساعة وانشق القمر عن غزال صاد قلبي ونفر

أحور قد حرت في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حور

مر يوم العيد في زينته فرماني فتعاطى فعقر

بسهام من لحاظ فاتك فتركني كهشيم المحتظر

وإذا ما غاب عني ساعة كانت الساعة أدهى وأمر

كتب الحسن على وجنت بسحيق المسك سطرًا مختصر

عادة الأقمار تسري في الدجى فرأيت الليل يسري بالقمر

بالضحى والليل من طرته فرقه ذا النور كم شيء زهر

قلت إذ شق العذار خده دنت الساعة وانشق القمر

[ انظر مجلة المنار 7/3/101 ]

وقد تنبه العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله لهذه الفرية، وردها بالأدلة والبراهين، ونحن ننقل شيئا من كلامه لأهميته، قال رحمه الله: " لولا أن في القراء بعض العوام، لما كنت في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي، بل يجب أن تكون لتلميذ أو مبتدئ ضعيف في اللغة من أهل الحضر المخنثين عشاق الغِلمان، فهي في ركاكة أسلوبها وعبارتها وضعف عربيتها وموضوعها، بريئة من شعر العرب لا سيما الجاهليين منهم، فكيف يصح أن تكون لحامل لوائهم، وأبلغ بلغائهم .

وهب أن امرأ القيس زير النساء كان يتغزل بالغلمان - وافرضه جدلاً - ولكن هل يسهل عليك أن تقول: إن أشعر شعراء العرب صاحب ( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) يقول: أحور قد حرت في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حور، وتضيق عليه اللغة فيكرر المعنى الواحد في البيت مرتين؛ فيقول: أحور بعينيه حور .

أتصدق أن عربيا يقول: انشق القمر عن غزال، وهو لغو من القول ؟ وما معنى: دنت الساعة في البيت ؟ وأي عيد كان عند الجاهلية يمر فيه الغلمان متزينين ؟ وهل يسمح لك ذوقك بأن تصدق أن امرأ القيس يقول: فرماني فتعاطى فعقر، وأي شىء تعاطى بعد الرمي، والتعاطي: التناول ... وهل يقول امرؤ القيس : لحاظ فاتك ؟ فيصف الجمع بالمفرد .

وهل يشبّه العربي طلوع الشعر في الخد بالسُرى في الليل ؟ مع أنه سير في ضياء كالنهار ؟

وكيف تفهم وتعرب قوله:

بالضحى والليل من طرته فرقه ذا النور كم شيء زهر

وهل يقول عربي، أو مستعرب فصيح في حبيبه: إن العذار شق خده شقًّا ؟!

.... بعد هذه الإشارات الكافية في بيان أن الشعر ليس للعرب الجاهليين، ولا للمخضرمين، وإنما هو من خنوثة وضعف المتأخرين، أسمح لك بأن تفرض أنه لـ امرىء القيس إكرامًا واحترامًا للمؤلف – أي مؤلف كتاب ( تنوير الأفهام ) - ولكن هل يمكن لأحد أن يكرمه ويحترمه فيقول: إن الكلمات التي وضع لها العلامات هي عين آيات القرآن ؟ .... وليس في القرآن ( فرماني فتعاطى فعقر ) وقد ذكرنا لك الآية آنفًا، وقوله: ( تركني كهشيم المحتظر ) مثله، وإنما الآية الكريمة: { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر } (القمر:31) فالمعنى مختلف والنظم مختلف، وليس في البيت إلا ذكر المشبه به، وهو فيه في غير محله؛ لأن تشبيه الشخص الواحد بالهشيم يجمعه صاحب الحظيرة لغنمه لا معنى له، وإنما يحسن هذا التشبيه لأمة فُنيت وبادت كما في الآية ... وليس في القرآن أيضًا: كانت الساعة أدهى وأمر، وإنما فيه { سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } (القمر:45-46)فههنا وعيدان شرهما الساعة المنتظرة فصح أن يقال: إنها أدهى وأمر، وليس في البيت شيء يأتي فيه التفضيل على بابه .

واعلم أن هذا الشعر من كلام المولدين المتأخرين هو أدنى ما نظموا في الاقتباس، ولم ينسبه إلى امرىء القيس إلا أجهل الناس .

ثم إن المعنى مختلف، والنظم مختلف، فكيف يصح قول المؤلف – أي مؤلف كتاب ( تنوير الأفهام ) -: إن هذه الكلمات من آيات القرآن، وإنها لا تختلف عنها في المعنى، ولو فرضنا أن هذه الكلمات العربية استعملت في معنى سخيف في الشعر ليس فيه شائبة البلاغة، ثم جاءت في القرآن العربي بمعان أخرى وأسلوب آخر، وكانت آيات في البلاغة كما أنها في الشعر عبرة في السخافة، فهل يصح لعاقل أن يقول: إن صاحب هذا الكلام البليغ في موضوع الزجر والوعظ مأخوذ من ذلك الشعر الخنث في عشق الغلمان، وأن المعنى واحد لا يختلف ؟

فمن كان معتبرا باستنباط هؤلاء الناس وتهافتهم في الطعن والاعتراض على القرآن فليعتبر بهذا، ومن أراد أن يضحك من النقد الفاضح لصاحبه، الرافع لشأن خصمه فليضحك، ومن أراد أن يزن تعصب هؤلاء النصارى بهذا الميزان فليزنه، وإنه ليرجح بتعصب العالمين ." اهـ [ مجلة المنار 7 / الجزء 5 / ص 161 ]

وختامًا، فإن أي محاولة للتشكيك في إعجاز القرآن وبلاغته، إنما هي محاولة فاشلة يائسة، فقد اجتمع في كفار قريش أقوى عاملين للتشكيك في القرآن الكريم، العامل الأول: كونهم أهل اللغة العربية، وفيهم فطاحل الشعراء والخطباء، والعامل الثاني: رغبتهم الجامحة في إطفاء نور الله تعالى والصد عن سبيله .

ومع ذلك كله، لم يستطيعوا أن يخفوا أو ينكروا إعجاز القرآن وبلاغته وقوته، بل نسبوا إعجازه إلى ما لا يحسنه كل أحد كالسحر والكهانة، فأي تشكيك بعدهم في بلاغة القرآن الكريم وإعجازه، إنما هو ضرب من الكذب والهذيان، إذ إن أولى الناس بهذا التشكيك – وهم كفار قريش – وقفوا حائرين أمام عبارات القرآن وآياته، فكيف بالمولدين بعدهم ممن لا يحسن أحدهم إعراب جملة، أو بناء قصيدة، فضلاً عن أن يعارض معلقة من المعلقات المشهورة { والله متم نوره ولو كره الكافرون } (الصف:.


مع تحيات المهندس احمد

http://www.anssar.com/nadera1_files/fer%20on.jpg
 
 
Page generated in 0.03029 seconds with 10 queries