عرض مشاركة واحدة
قديم 29/12/2005   #41
شب و شيخ الشباب عبد الرحمن الرحيم
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ عبد الرحمن الرحيم
عبد الرحمن الرحيم is offline
 
نورنا ب:
Sep 2005
مشاركات:
1,221

افتراضي


يظهر منه ركاكة الأسلوب، فإن قوله: ( فتعاطى ) جاء بعد قوله: ( فرماني ) فإذا كان قد رماه، فأي شيء تعاطاه، والتعاطي هو تناول الشيء، فلماذا يتعاطى شيئا بعد أن رماه، وكان المفترض أن يتعاطى شيئا ثم يرميه به، لا أن يرميه ثم يتعاطى، وقد جاء بعد هذا البيت:

بسهام من لحاظ

أي أنه قد رماه بسهام من سهام العيون، وإذا كان الأمر كذلك، فما فائدة قوله: ( فتعاطى فعقر ) إلا الزيادة في قبح الأسلوب ورداءة المعنى، على أن العقر إن أريد به الذبح فإنه لا يأتي في اللغة إلا في الناقة والخيل، يقال: عقرت الناقة، وعقرت الخيل، ولا يقال عقر بمعنى ذبح إلا في الناقة والخيل. وإن أريد به الجرح، فإن البيت موضوع أصلا للدلالة على الرمي المعنوي بسهام العيون، لا على الرمي الحقيقي بآلة أو نحو ذلك، وأيا ما كان الأمر فإن ضعف الأسلوب وركاكة التعبير تخجل من نسبة هذا الشعر إلى شاعر مولد فضلاً عن شاعر عربي جاهلي .

الوجه الثاني عشر: أن البيت الذي فيه:

بسهام من لحاظ فاتك فر عني كهشيم المحتظر

فيه ركاكة وخلل تركيب واضحين، فقوله: ( كهشيم المحتظر ) لا معنى له في البيت، فإن ( هشيم المحتظر ) هو حشيش الحظائر البالي الذي تدوسه الأغنام بأقدامها، أو هو العظام المحترقة، أو التراب المتناثر من الحائط كما جاء في تفسيرها [ انظر تفسير الطبري 11 / 561 ] فأي علاقة بين ذلك وبين فراره عنه، وما وجه الشبه، وهل يفر وهو كشيهم المحتظر ؟ أم كان الأولى به أن يهلك ويموت إذا صار كهشيم المحتظر، وقارن بين ضعف التشبيه هنا، وقوته في قوله تعالى: { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر } (القمر:31) .

الوجه الثالث عشر: أن المناوي رحمه الله صاحب فيض القدير، لم تكن له عناية في كتابه ذلك إلا بشرح أحاديث الجامع الصغير، فلم يعتن بجمع الشعر أو نسبته، أو تمحيص رواياته، وكتابه ( فيض القدير ) ليس كتابا معتمدًا في نقل الشعر أو نسبته، وإنما هو كتاب في شرح الحديث، هذا فضلاً عن كونه من المتأخرين، حيث توفي سنة 1029 هـ، فكيف يصبح كلامه مقدما على كلام من سبقه من أساطين اللغة، وعلماء الأدب والبلاغة، ولا شك في أن نسبته لتلك الأبيات إلى امرىء القيس خطأ محض، كما سبق بيانه، ولهذا لا يذكر لها سندًا أو عزوًا أو مصدرًا .

الوجه الرابع عشر: أن البيت الذي ذكره المناوي ، وهو:

اقتربت الساعة وانشق القمر من غزال صاد قلبي ونفر

غير مستقيم من ناحية الوزن الشعري، فالشطر الأول مكسور، إلا لو أبدلنا ( اقتربت ) بـ ( دنت )، وحينئذ يتبين أن المناوي لم يكن على عناية في كتابه بذكر الشعر أو تحقيقه، لا سيما وأن البيت الذي فيه:

إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها

لا يستقيم في ميزان الشعر ألبتة، فالتاء زائدة وكاسرة للوزن، وليس هناك رواية مكذوبة أخرى لتصحح هذا الخلل، مما يدلك على أن أصل نسبة تلك الأبيات إلى امرىء القيس، محض خطأ أو كذب .

الوجه الخامس عشر: أن الأبيات الثلاثة التي ذكرها المناوي ، وهي:

إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها

تقوم الأنام على رسلها ليوم الحساب ترى حالها

يحاسبها ملك عادل فإما عليها وإما لها

لا يمكن أن تصدر من امرىء القيس ، فليس هي من معهود شعره، كما أن أهل الجاهلية لم يكونوا يؤمنون بالبعث، فضلاً عن أن يذكروا تفاصيل إخراج الأرض لأثقالها وقيام الأنام لربها، مع حضور الرسل ليوم الحساب، إضافة إلى مشهد حساب الله تعالى للخلائق، إلا ما نقل عن الحنفاء الذين عرف اتصالهم بأهل الكتاب، ووجد في شعرهم شيئ من ذلك كـ أمية بن أبي الصلت ، و زيد بن عمرو بن نفيل ، و امرئ القيس ليس منهم قطعًا .

الوجه السادس عشر: أن البيتين المنسوبين إليه، والذين ذكرهما المناوي ، وهما:

يتمنى المرء في الصيف الشتاء حتى إذا جاء الشتاء أنكره

فهو لا يرضى بحال واحد قتل الإنسان ما أكفره

في هذين البيتين خلل من ناحية الوزن الشعري، وبيانه أن كل أشطار البيتين من بحر الرمل، إلا الشطر الثاني من البيت الأول، فهو من بحر الرجز، ولا يمكن أن يقع هذا من مثل امرىء القيس ، اللهم إلا إذا أخذنا بالرواية التي ذكرها الذهبي في ( تاريخه ) والتي نسب فيها البيتين إلى غير امرىء القيس ، أو الرواية التي ذكرها التيفاشي ، فحينئذ يستقيم البيت على بحر الرمل .

الوجه السابع عشر: أن كفار قريش كانوا أعلم الناس بأشعار العرب، وأحفظهم له، وأعرفهم بمداخله ومخارجه، وقد كانوا مع ذلك أحرص الناس على بيان كذب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ما هو إلا ساحر أو كاهن أو شاعر، ومع ذلك كله لم يقل له أحد منهم: إن ما جئت به يشبه شعر امرىء القيس أو أحد غيره، فضلاً عن أن يقول له: إن ما جئت به مقتبس من شعر من سبق، وإذا كانوا قد ادعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر، ورد الله تعالى عليهم بقوله: { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } فلم يستطيعوا تكذيب كلام الله تعالى، ولم يقدروا على أن يأتوا بدليل على كلامهم إلا التهويش والتكذيب، ولو كان ذلك الشعر من كلام امرىء القيس ، لكان كفار قريش وصناديد الكفر أول من يستعين به في رد كلام الله تعالى .

الوجه الثامن عشر: أن الوليد بن المغيرة شهد على نفسه وقومه من قبل بأن القرآن الكريم ليس من جنس شعر العرب، فضلاً عن أن يكون مقتبسا منه، قال الوليد : " والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا " وإذا كان كذلك علم أن الأبيات السابقة مكذوبة لا محالة .

وقال ضماد بن ثعلبة الأزدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في ( صحيح مسلم ): " لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر " .

وفي قصة عتبة بن ربيعة حين جاء يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم على أن يترك دعوته ويعرض عليه المال والملك والسلطان، فقرأ عليه صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن، فلما رجع إلى قومه وجلسوا إليه قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال: ورائي أني والله قد سمعت قولاً ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا الكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم .

ولما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق أخوه حتى قدم مكة وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة ليسمع منه، ثم أسلم رضي الله عنه .

يتبع.....

http://www.anssar.com/nadera1_files/fer%20on.jpg
 
 
Page generated in 0.03371 seconds with 10 queries