فلم يعطف ذلك مالكاً ، وطال الحبس على الفرزدق . فوجه القصيدة الثانية إلى ابن الخليفة معاوية بن هشام بن عبد الملك ، مادحاً ، مستعطفاً ، راجياً الدعاء من إبراهيم الخليل ، مضمناً حكاية الضحية على ما حفظها في "القرآن" :
أرجو الدعاء من الذي تل ابنه لجبينه ، ففداه ذو الأنعـــــام
إسحاق حيث يقول لما هـابه لأبيه حيث رأى من الأحــــلام
امضي وصدق ما أمــــرت فإنني بالصبر محتسبا لخير غلام
(الديوان ، ص 831)
ولا سبيل إلى الشك في صحة الأبيات . من هنا كان أن بعض المفسرين في العصر العباسي - وقد أخذت فكرة " الذبيح إسماعيل " تتغلغل في معتقد القوم - لما وقفوا على شعر الفرزدق في الموضوع ، أزعجهم قوله . ولما لم يمكنهم " تزييف " هذا في الشعر، جعلوا الفرزدق " يصحح " رأيه متأخراً ، فوضعوا على لسانه القول : " سمعت أبا هريرة يقول على منبر المدينة : الذبيح إسماعيل " (ابن قتيبة : الشعر والشعراء ، 296).
ولا يخفى أن أبا هريرة توفي بالمدينة سنة 57 أو 58 أو 59 للهجرة (677-679)، أي قبل أن نظم الفرزدق قصيدتيه المذكورتين بما لا يقل عن خمسين سنة .
فلو كان صحيحاً ما قيل من أنه سمع أبا هريرة يقول : " الذبيح إسماعيل " ، جاز السؤال : ولم لم يستفد من ذلك في شعره ، فظل على القول بأن الذبيح اسحق بعد ذلك بنصف قرن ؟
على أن ابن قتيبة كان من القائلين بأن " الذبيح إسحاق " (المعارف ، 1

.
وكذلك محمد بن سلام في تعليقه على بيت جرير في هجاء سراقة البارقي :
ولقد هممت بأن أدمدم بارقا فحفظت فيهم عمنا إسحاقا !
قال ابن سلام : " يعني إسحاق الذبيح " . (طبقات الشعراء ، 107) .
كذلك كان رأي ابن عبد ربه ، وقد أورد حديثاً في وفاة إبراهيم الخليل جاء فيه أن الذبيح إسحاق .
قال : وفي بعض الحديث أن إبراهيم خليل الرحمن ، صلوات الله عليه ، كان من أغير الناس . فلما حضرته الوفاة ، دخل عليه ملك الموت في صورة رجل أنكره . فقال له : " من أدخلك داري ؟ " قال : " الذي أسكنك فيها منذ كذا وكذا سنة ! " قال : " من أنت؟ " قال : " أنا ملك الموت . جئت لقبض روحك . " قال : " أتاركي أنت حتى أودع ابني إسحاق ؟ " قال : " نعم ." فأرسل إلى إسحاق . فلما أتاه ، أخبره . فتعلق إسحاق بأبيه إبراهيم . وجعل يتقطع عليه بكاء . فخرج عنهما ملك الموت . وقال : " يا رب ، ذبيحك إسحاق متعلق بخليلك ." فقال له الله : " قل له : إني قد أمهلتك ." ففعل . وانحل إسحاق عن أبيه . ودخل إبراهيم بيتا ينام فيه . فقبض ملك الموت روحه ، وهو نائم . " ( العقد الفريد 440:2 ) .
فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: صَحِيحٌ، يَامُعَلِّمُ! حَسَبَ الْحَقِّ تَكَلَّمْتَ. فَإِنَّ اللهَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.
- انجيل مرقس 12:32
موقع مسيحيات فقط
http://www.answer-me-muslims.com/