كانت عادة اليهود أن~ يدهنوا موتاهم بالأطياب والحنوط عند تكفينهم وذلك لحفظ الجسد سليمًا لفترة ولكن ليس كالمصريين القدماء الذين أخذوا عنهم هذه العادة بل لمجرّد تكريم الجسد ومن ثم فلم ينزعوا من الجسم المخ والأحشاء والأجزاء القابلة للفساد بل كانوا يدهنون الجسد من الخارج فقط.
وقد إستخدم نيقوديموس في دهان جسد المسيح بالأطياب كمية كبيرة من " المر " والذي له مفعول طبي مطهر، وكان يُستخدم كأحد مواد التحنيط الأساسيّة عند قدماء المصريين
(30) ، و" العود " وكان غالي الثمن جدًا وله رائحة نفّاذة تظلّ عالقة بالجسد لسنوات عديدة، "نحو مئة منًا " أي حوالي 36 كيلو .
وبعد دهن الجسد بالأطياب ولفُّه بالكتّان والأربطة وضعاه في قبر يوسف الرامي الجديد والمنحوت في الصخر والذي لم يدفن فيه أحد من قبل ( مت27/60؛ ولو 23/53 ). وهذا القبر كان في نفس موقع الصليب مما جعله مناسبًا ليتمّ دفن جسد المسيح فيه قبل غروب الشمس وبداية سبت الفصح العظيم " وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيباً. " ( يو19/41-42 ). ثم وضع حجرًا ضخمًا علي القبر ( مت27/60 ) لمنع أيّ خطر قد يتعرّض له الجسد المقدّس سواء من إنسان أو من حيوان.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(30) كانت عملية تحنيط جثة الميت عند قدماء المصريين تتم بسحب المخ من الجمجمة بإدخال آلة حديدية من فتحتي الأنف ثم بتنظيف الجمجمة وغسلها بالعقاقير، وكذلك إخراج محتويات البطن من خلال فتحة تُعمل بطول الخاصرة وغسلها بالعرقي (خمر النخيل) ثم بسكب العطور المسحوقة، وبعد ذلك يملأ تجويف البطن بالمر مع السنا Cassia ومختلف الأطياب، عدا البخور، وتغلق الفتحة وتنقع الجثة في النطرون مدة سبعين يوماً، وبعدها تغسل وتلف وتربط بالكتان الفاخر الذي يثبتونه في الجثة باللبان، الذي يستخدمه المصريين عامة بدلاً من الصمغ العربي، وتوضع الجثة في تابوت خشبي على شكلها ثم يوضع التابوت قائماً أمام حائط المقبرة. ( Herodotus B. 2:86 ) .
ــــــــــ
- 156 –
وكان هناك بعض النساء اللواتي كنّ يتابعنّ دفن الجسد المقدس " وَتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ وَنَظَرْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُ. فَرَجَعْنَ وَأَعْدَدْنَ حَنُوطاً وَأَطْيَاباً (إضافية) وَفِي السَّبْتِ اسْتَرَحْنَ حَسَبَ الْوَصِيَّةِ " ( لو23/55-56 ).
12 - ختم القبر ووضع حراسة مشددة عليه :
عاد رؤساء اليهود من كهنة وفرّيسيين إلي منازلهم سعداء ليستعدّوا للفصح بعد أنْ ظنُّوا أنَّهم قضوا علي المسيح، خاصّة وأنَّهم تأكَّدوا من صلبه وموته ودفنه، ولكن كان بداخلهم شعور غير مريح من أنَّه قد يظهر ثانية كما قال، فقد تذكّروا ما سبق أنْ أعلنه وردّده مرّات كثيرة من أنَّه سيقوم من الموت في اليوم الثالث. فقرّروا أنْ يطلبوا من الوالي الروماني بيلاطس البنطي أنْ يختم القبر ويضع حراسة عليه " وَفِي الْغَدِ الَّذِي بَعْدَ الاِسْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِئَلا يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!» فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ». فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ. " ( مت27/62-66 ). وهكذا وضعوا حراسة مشددة علي القبر وختموا الحجر بالشمع حتي لا يمكن أنْ يتحرّك من مكانه بدون كسر هذه الأختام، وقد تصوّروا أنَّهم بذلك قد منعوا تحقيق نبواته وقيامته في اليوم الثالث دون أنْ يدروا أنَّ ما فعلوه كان برهانًا علي حقيقة موته واستحالة خروج جسده من القبر سواء بالسرقة أو التواطؤ لأنَّ الجنود الرومان حرسوا القبر بأوامر مشدّدة من السنهدرين وتحت قيادته مع موافقة الوالي وسلطانه، وهؤلاء جميعًا أعطوا البرهان الأوَّل لحقيقة قيامته من الموت فقد حرسوا جسده بكل عناية ولما قام من الموت كان من المستحيل عليهم جميعًا أنْ يمنعوا خروجه من القبر وهو الذي انتصر علي الموت والهاوية.
ــــــــــ
- 157 –
13 - انتحار يهوذا :
بعد أن برهنَّا تفصيليًا علي صحَّة موت المسيح علي الصليب يتبقّي لنا أنْ نُعَلِّق علي الزعم القائل بأنَّ الذي صُلِبَ هو يهوذا وليس المسيح، يقول لنا الكتاب " حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ قَائِلاً: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً». فَقَالُوا: «مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!» فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: «لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ». فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. لِهَذَا سُمِّيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ «حَقْلَ الدَّمِ» إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. " ( مت27/3-8 ). فقد إنتحر يهوذا ندمًا وحزنًا بأنْ خنق نفسه، ويقول الكتاب أيضًا أنَّه سقط وانسكبت أحشاؤه " إِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسَطِ فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. " ، وكان جميع سكان أورشليم يعرفون هذه الحقيقة " وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ " ، كما أن الحقل الذي تم شراؤه بالثلاثين من الفضة كان معروفاً أيضا لجميع سكان أورشليم " حَتَّى دُعِيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقْلَ دَمَا» (أَيْ: حَقْلَ دَمٍ). " ( أع 1/18-19 ).
كان صلب المسيح وموته علي الصليب معروفًا لجميع سكان أورشليم كما كان انتحار يهوذا أيضًا وانسكاب أحشائه وشراء حقل الدم الذي جُعل مقبرة للغرباء بالثمن الذي باع به المسيح معروفًا لجميع سكان أورشليم وكلا الحادثتَين تمَّا في مكانَين مختلفَين وبعلم ومعرفة جميع سكان أورشليم، وهذا في حدّ ذاته يردّ علي كلّ إدّعاء ويُبْطِل الأقوال المبنيّة علي الخيال والأوهام والبعيدة تمامًا عن الحقيقة والواقع.
ــــــــــــــــــــ
فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: صَحِيحٌ، يَامُعَلِّمُ! حَسَبَ الْحَقِّ تَكَلَّمْتَ. فَإِنَّ اللهَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.
- انجيل مرقس 12:32
موقع مسيحيات فقط
http://www.answer-me-muslims.com/