وجاء في التلمود اليهودي ما نصَّه " قبل خراب الهيكل بأربعين سنة انفتحت أبواب الهيكل من تلقاء ذاتها، حتى وبَّخ الحبر يوحنان بن زكاي قائلاً: أيها الهيكل 00 أيها الهيكل 00 لماذا تضطرب منزعجًا؟ أنا أعلم نهايتك وشيكة الحدوث. لقد تنبأ عنك زكريا بن عدو ( زك11/1 ) حين قال:" اِفْتَحْ أَبْوَابَكَ يَا لُبْنَانُ فَتَأْكُلَ النَّارُ أَرْزَكَ. "
(20) . وذكر المؤرّخ والكاهن اليهوديّ يوسيفوس معاصر تلاميذ المسيح (36-100م) والذي عاصر وعاش بنفسه أحداث خراب أورشليم ودمار الهيكل أنَّه حدثت علامات كثيرة في عيد الفصح تُنْذر وتُنْبِئ بخراب الهيكل القادم، فيذكر أنَّ نجمًا ظهر كسيف ووقف فوق أورشليم واستمر النجم المذنب عام كامل، ثم يتحدَّث عن نور أشرق في الساعة التاسعة من الليل حول المذبح والهيكل وإستمر ساطعًا كضوء النهار لمدة نصف ساعة وإعتبره البسطاء فأل حسن، ولكن الخبراء رأوا فيه نذيرًا بما هو قادم ويذكر أنَّه أثناء نفس العيد وُلدت بقرة، قُدمت للذبيحة، حملاً في وسط الهيكل وأنَّ البوابة الشرقية للرواق الداخلي والتي كانت مصنوعة من نحاس سميك وضخمة جدًا لدرجة أنَّها كانت تحتاج إلي عشرين رجلاً لتحريكها كل ليلة وكانت تُغلق بالمتاريس والقضبان الحديديّة وكان لها أذرع حديدية تغوص بعمق العتبة الصخرية الصلدة، هذه البوابة الضخمة شاهدها الحراس وهي تنفتح ذاتها فأسرعوا وأبلغوا القائد وتمكَّنوا من إغلاقها بجهدٍ شاقٍ وظنَّ غير الخبراء أنَّ هذا فأل حسن وأنَّ الله فتح لهم أبواب السعادة ولكن الحكماء أدركوا أنَّ أمن الهيكل قد إنكسر من ذاته وأنَّ ذلك مقدِّمة لخراب الهيكل القادم
(21) .
وما جاء في التلمود وما ذكره يوسيفوس إلى جانب ما ذكر في الأناجيل
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(19) Jos. The Jewish W. B6 :5,299.
(20) المسيح في يوسيفوس ص49.
(21) Jos. The Jewish W. B6 :5, 288-295.
ــــــــــ
- 147 –
الأبوكريفية يتطابق تماماً مع ما جاء في الإنجيل ولا يتعارض معه ويؤكِّد حقيقية وتاريخية حدوث هذه العجائب والمعجزات .
تقرير بيلاطس البنطي إلي الإمبراطور طيباريوس قيصر: أرسل بيلاطس البنطي الوالي تقريرًا إلي الإمبراطور الروماني المعاصر طيباريوس قيصر شرح فيه بإيجاز شديد ما فعله المسيح من أعمال ومعجزات وما حدث في أثناء محاكمته وصلبه وموته وقيامته وقد ذكر هذا التقرير ترتليان (145-220م)
(22) ، كما ذكره أيضًا المؤرخ الكنسي يوسابيوس (264-340م) والذي قال عنه " ولما ذاع في الخارج خبر قيامة مخلصنا العجيبة وصعوده ، فإنَّه جريًا علي العادة القديمة التي سرت بين حكام المقاطعات نحو إرسال تقرير للإمبراطور عن كل الحوادث الجديدة التي تحدث فيها لكي لا يخفي عليه شئ – جريًا علي هذه العادة بعث بيلاطس البنطي إلي طيباريوس بالأنباء التي ذاعت في الخارج في كل أرجاء فلسطين المتعلقة بقيامة مخلصنا يسوع المسيح من الأموات. وقد أعطي وصفًا أيضًا عن عجائب أخري عرفها منه، وكيف اعتقد الكثيرون نتيجة قيامته من الأموات أنَّه إله "
(23) . وهذا نصَّ ما جاء في رسالة بيلاطس كما جاء في مجموعة آباء ما قبل نيقية
(24) عما حدث وقت صلبه.
" وعندما صُلب كانت هناك ظلمة علي الأرض تمامًا واختفت الشمس تمامًا وبدت السماء مظلمة علي الرغم من أنَّ ذلك كان بالنهار، وظهرت النجوم وكان ضوؤها معتمًا في آنٍ واحدٍ، وكما أعتقد فإنَّ عظمتكم لا تجهلون ذلك، لأنَّه أضيئت مصابيح في العالم كله من الساعة السادسة (12ظهراً) حتى المساء وبدا القمر مثل الدم ولم يضئ طوال الليل برغم أنَّ البدر كان في تمامه . وناح أوريون Orion والنجوم أيضًا علي اليهود للشرِّ الذي فعلوه ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(22) Apol. 1:21 .
(23) يوسابيوس ك 2ف 1:2،2 .
(24) Ante N.F. vol. 8p. 4632.
ــــــــــ
- 148 –
رابعاً: واليهود، من رؤساء كهنة وفريسيين وكتبة وغيرهم، الذين شاهدوا هذه الظواهر الإعجازيّة، وخاصّة ما حدث في الهيكل، آمنوا بالمسيحيّة بعد قيامة المسيح وبعد حلول الروح القدس يوم الخمسين وانضموا إليها بالآلاف وكانوا هم أوَّل من حملوا لواءها إلي العالم أجمع. وهذا ما دُوِّن لنا في سفر أعمال الرسل وفي تاريخ الكنيسة في القرون الأولي. ويُعلِّق هيلد Held علي هذه الحقائق الإنجيلية وما حدث في الهيكل بقوله أنَّ هذا النذير ذا المغزي كان بلا شك التفسير لحقيقة أنَّ عدد كبير من الكهنة تحوّلوا إلي المسيحيّة في الأزمنة الرسوليّة الأولي.
أما من جهة قيامة كثير من أجساد القديسين الراقدين لحظة موته وظهورهم لكثيرين بعد قيامته فقد سجل لنا القديس أغناطيوس تلميذ بطرس الرسول الذي أستشهد سنة 107م أنَّ المسيح أقام أنبياء من الموت عند مجيئه إلى العالم " أنَّ أنبياء كتلاميذه بالروح كانوا ينتظرونه كمعلم ولأنَّه رجاؤهم فقد أقامهم عند مجيئه "
(25) . كما سجَّل بابياس الذي عاش في بداية القرن الثاني الميلادي (70-155م) وكما نقل لنا عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري أنَّه سمع " قصة عجيبة من بنات فيلبس (الرسول) . لأنّه يقول أنَّ واحدًا قام من الأموات في عصره (عصر فيلبس) "
(26) .
8 – إيمان قائد المئة وبقية الجنود الرومان الذين كانوا يحرسون الصليب :
وكما آمن الآلاف من اليهود وانضموا إلي المسيحيّة بسبب ما حدث من قوات وعجائب وقت صلب المسيح وموته، هكذا أيضًا آمن الكثيرون من الرومان بسبب حدوث هذه المعجزات والعجائب، يقول الكتاب " وَأَمَّا قَائِدُ الْمِئَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ يَحْرُسُونَ يَسُوعَ فَلَمَّا رَأَوُا الزَّلْزَلَةَ وَمَا كَانَ خَافُوا جِدّاً وَقَالُوا: «حَقّاً كَانَ هَذَا ابْنَ اللَّهِ». " ( مت27/54 )،
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
(25) Magnesians ch.9.
(26) يوسابيوس ك 3ف 9:39
ــــــــــ
- 149 –
لقد أدرك قائد المئة والجنود أنَّ ما حدث علي الصليب وأثناء عملية الصلب وما حدث عن موت السيّد المسيح يدلّ علي أنَّ المصلوب لم يكنْ مُجَرَّد إنسان عاديّ، بلّ أكثر من ذلك وأعظم، فقد سمعوا بآذانهم كلمات المسيح علي الصليب وشاهدوا بعيونهم ما حدث ومن ثم فهموا ما قاله رؤساء الكهنة وهم يسخرون منه " إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ! " ( مت27/40 )، وربما كانوا أيضًا قد سمعوا قولهم لبيلاطس " يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ " ( يو19/7 )، فآمنوا أنَّـه حقًا كـان " ابْنَ اللَّهِ ".
9 – أقوال المصلوب وتصرفاته هل يمكن أن تكون لغير المسيح ؟
بعد أنْ استعرضنا عمليّة الصلب من جميع جوانبها نأتي إلي هذا السؤال الهام:
هل يمكن أنْ تحدث تلك الظواهر الإعجازيّة لو كان المصلوب إنسان آخر غير المسيح؟
وهل يمكن أنْ يتصرف هذا الآخر نفس التصرّفات وتخرج منه نفس الأقوال التي صدرت من فم المصلوب؟
والإجابة بالقطع كلا، فلا يمكن أنْ تغيب الشمس في عزّ الظهيرة ولا أنْ تتزلّزل الأرض ولا أنْ تنشق الصخور ولا أنْ ينشقّ حجاب الهيكل لموت أيّ إنسان مهما كان، إلاَّ لموت المسيح فقط، فهو البار وربّ المجد.
ولا يمكن أنْ تخرج الكلمات التي خرجت من فمه الطاهر من فم مصلوب آخر، فقد كان ينتاب المصلوبين نوبات من الهلع والجنون والصرع والتشنج وكان يخرج من أفواههم، نتيجة لذلك، سبّ وتجديف وصراخ، وهذا ما فعله اللصَّان اللذان صُلِبَا معه والتي وصلت بهما درجة الهلع واليأس إلي التجديف علي المسيح ذاته حتي أدرك اللصّ اليمين، في لحظات نورانيّة خطأه وتاب، بينما كان المسيح برغم كثرة الآلام وسكرات الموت هو الحمل الوديع محبّ البشر، فقد غفر لصالبيه وشفع فيهم لدي الآب، وقَبِلَ توبة اللصّ التائب ووعده بالفردوس في نفس اليوم، وترفَّق بأمِّه العذراء وسلَّمها لتلميذه الحبيب، وفي ساعات الظلمة صرخ معلنًا احتجاب وجه
ــــــــــ
- 150 –
الآب عنه بسبب اجتيازه الآلام الروحيّة كنائب عن البشريّة، وفي النهاية أعلن أنَّ كلّ ما جاء لأجله قد أُكمل، وعندما أسلم روحه البشريّة بإرادته استودعها في يَدَيّ الآب.
والغريب أنَّ المعارضين لصلب المسيح أدركوا ذلك ولم يعترضوا علي أي تصرّف أو قول صدر من المسيح أو نسبوه لغيره ولكن أحدهم زعم " أنَّ التلاميذ كانوا واقفين من بعيد ولم يقترب أحد منهم إلي المصلوب ولم يتحدّث إليه "، وإعتبر أنَّ ما ذُكر في الإنجيل هو من روايات التلاميذ أنفسهم !! ونقول لهذا وأمثاله هل يقبل عقل إنسان مؤمن بوحي الله والكتب الموحي بها أنَّ التلاميذ الحواريّين الذين قيل عنهم " وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي (المسيح) قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ " ( المائدة: 111 ) . وأنَّهم " أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ " ( آل عمران: 52 )، وأنصار المسيح ، وأنَّهم قالوا " رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ (المسيح) فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ " ( آل عمران: 53 ) . والذين قال لهم المسيح " وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ " ( أع1/8 )، هل يمكن أنْ يكونوا ملفّقي روايات ؟!! بالطبع كلا وحاشا.
كما أنَّ كثيرين من أتباع المسيح كانوا قريبين من الصليب بدرجة كافية ليروا كل شئ ويسمعوا كل ما قاله وعلي رأس هؤلاء مريم العذراء التي خاطبها مباشرة وعندما سلَّمها لتلميذه يوحنا وتلميذه الحبيب ابن زبدي الذي تسلَّم منه مباشرة أُمه العذراء والذي تابع محاكمة المسيح وصلبه عن قرب ودون خوف لأنه كان معروفاً عند رئيس الكهنة ( يو15/18 )، وكان هناك أيضًا العشرات من تلاميذ المسيح غير المعروفين
(27) والذين قصُّوا لبقيَّة التلاميذ ما حدث أثناء عمليّة الصلب. وكذلك العشرات من رؤساء الكهنة الذين آمنوا ولكن خفية بسبب الخوف من الطرد من المجمع اليهودي ( يو12/42 )،
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
(27) يذكر القديس بولس الرسول أن السيد المسيح بعد قيامته ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ (1كو 6:15) وبالطبع كان العشرات من هؤلاء عند الصليب وقريبين منه جداً دون خوف لأنهم كانوا غير معروفين لرؤساء الكهنة'.
ــــــــــ
فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: صَحِيحٌ، يَامُعَلِّمُ! حَسَبَ الْحَقِّ تَكَلَّمْتَ. فَإِنَّ اللهَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.
- انجيل مرقس 12:32
موقع مسيحيات فقط
http://www.answer-me-muslims.com/