2 ـ القبض على المسيح :
بعد أنْ أنهي الرب يسوع المسيح صلاته وتأكيد قبوله لإرادة الآب قال لتلاميذه "
هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ " ( مت26/45-46 ) . ثم جاء يهوذا بالجند " وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ. " ( مت26/47 )، " وَجَاءَ إِلَى هُنَاكَ بِمَشَاعِلَ وَمَصَابِيحَ وَسِلاَحٍ. " ( يو18/3 ). ولما اقتربوا تقدّم إليهم يسوع "
وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ ».
قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ» . وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ.
فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ» رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ . فَسَأَلَهُمْ أَيْضاً: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» فَقَالُوا: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». أَجَابَ: «
قَدْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا هُوَ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هَؤُلاَءِ يَذْهَبُونَ ». " ( يو18/4-8 ).
لقد تقدّم من الذي جاءوا للقبض عليه وقدم له ذاته بنفسه، فهو وحده سيّد مصيره
ــــــــــ
- 121 -
كما قال عن نفسه " لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي.
لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. " ( يو10/18 ). وأمام هذا المشهد الجليل والمهيب بل والرهيب سقط الذين جاءوا للقبض عليه علي الأرض، فقد كان هو وحده سيّد الموقف وصاحب السلطان. وهذا المشهد يؤكّد لنا إستحالة القبض علي غير المسيح لأنَّ شخصه المهيب، في هذا الموقف بالذات، لا يمكن أنْ يختلط علي أحد، كما كانت الإضاءة كافية بدرجة لا يمكن أنْ يُخطئ فيها أحد مثل هذه الشخصيّة ذات الجلال والمهابة والعظمة، فقد كان القمر في تمام بدره (إذ كان ليلة 14 من الشهر القمري) وذلك إلي جانب المشاعل والمصابيح الوهّاجة التي كانت مع الجموع. وأمام موقف السيّد هذا وتسليمه لنفسه، مع أنَّه كان في إمكانه أنْ يذهب بتلاميذه بسلام دون أنْ يستطيع أحد أنْ يمسّه أو يتقدّم منه، تقدّم منه يهوذا وقبّله إذ كان قد أعطاهم علامة قائلاً " الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ " ( مت26/48 ) وذلك علي الرغم من أنَّ شخصيّة السيّد أصبحت واضحة للجميع تمامًا، فقد كان السيد أيضًا إلي جانب ما سبق يتميّز بصفات جسميّة وملامح خاصّة به كطول القامة ( لو2/52 ) وطول الشعر المسدل علي كتفيه (لأنه كان نذيرا ( عد6/2 و 5؛ قض13/5؛1صم1/11 ) وقوّة نظرات عينيه الناريّة التي لا تُنسى ( رؤ1/14؛ 2/18؛ 19/1 ).
وقبّله يهوذا فقال له السيد معاتبًُا " يَا صَاحِبُ لِمَاذَا جِئْتَ؟ " ( مت26/50 )، " يَا يَهُوذَا أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ابْنَ الإِنْسَانِ؟ " ( لو22/48 ) ، فلمّا رأى التلاميذ ذلك قالوا " يَا رَبُّ أَنَضْرِبُ بِالسَّيْفِ؟ " ( لو22/49 ) وبرغم أنَّه لم يكن معهم سوي سيفين إلاَّ أنَّ جلال السيّد ومهابته وسلطانه علي مُسَلّميه شجّع التلاميذ علي ذلك ومن ثمّ استل بطرس سيفه " وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى. " ( لوقا22/50 ).وكان يمكن لبطرس وبقية التلاميذ أنْ يتمادوا في ذلك، خاصة وأنَّ من جاءوا مع يهوذا كانوا شبه مخدرين أمام جلال ومهابة السيد المسيح، ولكن المسيح رفض ذلك ووبّخ بطرس عليه " فَقَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ: اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي الْغِمْدِ. " ( يو18/11 )، ولقّنه الدرس الأبديّ وأنَّ المسيحيّة لا يمكن أنْ تنبني علي السيف:
ــــــــــ
- 122 -
" لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟» ." ( مت26/52-54 ) . أي أنَّه لو أراد الله إنقاذه فيُرسل حتي لو إثنى عشر جيشًا من الملائكة؟ مع أنَّ ملاكًا واحدًا لهذه المهمّة يكفي !! أمَا كان المسيح في إمكانه أنْ يتركهم ويهرب وهم مرتمين علي الأرض مذعورين ؟! ثم أكّد له ( بطرس ) حتميّة القبض عليه وصلبه " الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ ألاَ أَشْرَبُهَا؟ " ( يو18/11 )، هذه " الكأس " التي صلّي توًا أنَّه قَبِلَها بحسب إرادة الآب. ثم مدّ يده بالشفاء و" أَبْرَأَ " ( لو 22/51 ) الأذن المقطوعة في الحال، وسلّم نفسه للجنود الذين لما رأوه مستسلمًا هكذا بإرادته " قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ وَأَوْثَقُوهُ " ( يو18/12 )، فقال لهم مشيرًا إلي الطريقة التي جاءوا بها إليه " كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي. " ( مت26/55 )، " وَلَكِنَّ هَذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ " ( لو22/53 ) ، " وَأَمَّا هَذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ " ( مت26/56 ). وهنا يؤكّد السيّد حتميّة القبض عليه ومحاكمته وآلامه وصلبه وقيامته، هذه الحتميّة التي أعلن عنها في كل كتب الأنبياء ( لو22/44-47 ). ولما وجد تلاميذه أنَّه قدّم نفسه لمسلّميه تركوه وهربوا ( مت26/56 ).
مما سبق يتّضح لنا بشكلٍ قاطعٍ وحاسمٍ أنَّ الشخص الذي قَبَضَ عليه اليهود لا يمكن أنْ يكون سوي المسيح فقد كان شخصه واضحًا بلا لبسٍ ولا غموضٍ وكانت الإضاءة من قمر في تمام بدره ومشاعل ومصابيح تُضئ المكان بقوّة وكانت هيبة المسيح وجلاله مسيطرة علي الجموع تمامًا، وكان هو وحده الداعي إلي السلام والرافض لاستخدام السيف، وكان هو وحده الذي شفي المريض وأبرأ أذنه وهو وحده الذي اهتّم بسلامة التلاميذ، وهو وحده يعلم حتميّة صلبه وقيامته.
3 - محاكمة السيد المسيح :
بعد القبض عليه مباشرة واجه السيد المسيح محاكمتَين مختلفتَين أمام محكمتَين
فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: صَحِيحٌ، يَامُعَلِّمُ! حَسَبَ الْحَقِّ تَكَلَّمْتَ. فَإِنَّ اللهَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.
- انجيل مرقس 12:32
موقع مسيحيات فقط
http://www.answer-me-muslims.com/