القبض على المسيح ومحاكمته
كان رؤساء الكهنة والكتبة والفرّيسيّون منذ زمن يتحيّنون الفرصة للتخلّص من السيّد المسيح وكانت أهم أسبابهم هي أولاً : قوله عن نفسه أنَّه " ابن الله " وكونه ابن الله يعني المساواة بين الآب والابن، فاعتبروا ذلك تجديفُا علي الله " فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللَّهِ. " ( يو5/18 )، ولذلك يستحق الرجم " أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً» " ( يو10/33 ).
ثانياً : لأنَّه كان دائمًا يتحدّي سلطانهم، خاصّة تحدّيه الكبير لهم بطرده الباعة من الهيكل لتطهيره له إلي جانب انبهار الجموع بتعاليمه السامية ذات السلطان السماويّ " وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ لأَنَّهُمْ خَافُوهُ إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. " ( مر11/18 ). و " لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ. " ( مت7/29 )، " وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي فِي الْهَيْكَلِ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ. وَقَالُوا لَهُ: «بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هَذَا وَمَنْ أَعْطَاكَ هَذَا السُّلْطَانَ حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟» " ( مر11/27-28 ). ولما أفحمهم بسؤاله عن مصدر سلطان معموديّة يوحنا المعمدان وعجزهم عن الردّ عليه قرّروا التخلص منه وإعدامه.
ثالثاً : كانت معجزاته وإيمان الجموع به وخوفهم من ضياع امتيازاتهم وتميّز أمّتهم اليهوديّة نتيجة لإيمان الجميع به سببًا قويًا للتخلّص منه " فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعاً وَقَالُوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هَذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. إِنْ تَرَكْنَاهُ هَكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا». فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ قَيَافَا كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً. ولاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا». 000 فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ
ــــــــــ
- 119 -
تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. " ( يو 11/47-53 ) . وكانت إقامة لعازر من الموت من أسباب إيمان الكثيرين به ومن أسباب قرار التخلّص منه أيضًا " فَتَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضاً. لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ. " ( يو12/10-11 ) .
ثم قرّروا التخلّص منه بعد عيد الفصح حتي لا يحدث شغب في العيد ( مت26/5 ) الذي يحضره يهود من دول وبلاد كثيرة يزيد عددهم علي المليونين فرد .
ولكن يهوذا الإسخريوطى قَلَبَ خطّتهم رأسًا علي عقب فقد ذهب إليهم قبل الفصح مباشرة " قَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ000 تَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ. " ( لو11/1 و 4 )، " وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟» فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. " ( مت26/15 )، " وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْواً مِنْ جَمْعٍ. " ( لو22/6 )، وكان ذلك فرصة ذهبية لهم. وبعد أنْ غمس السيّد اللقمة وأعطاهم ليهوذا " فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلاً. " ( يو13/30 ).
1 - صلاة يسوع في البستان :
بعد العشاء، عشاء الفصح والعشاء الربانيّ، ذهب السيّد مع بقيّة تلاميذه إلي جبل الزيتون ( لو22/39 ) إلي ضيعة تُدْعَي بستان " جثيمانى " وترك ثمانية من تلاميذه وقال لهم " اجْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ " ( مت26/36 ) وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا " ابْنَيْ زَبْدِي " ( مت26/37 )، وطلب من الجميع أن يصلوا " صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ " ( لو22/40 ). وطلب من بطرس وابني زبدى أنْ يمكثوا معه ويسهروا " امْكُثُوا هَهُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي " ( مت26/38 )، " ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». " ( مت26/39 ) ، وكرّر هذه الطلبة ثلاث مرات. ولم يكن معني ذلك أنَّه يريد أنْ ينجو من الموت صلبًا، كلا وحاشا، فقد أعلن مرارًا أنَّ
ــــــــــ
- 120 -
ذلك محتوم ومكتوب عنه، ولكنّه عبّر كإنسان عن قوّة وشدّة الآلام الآتية عليه، كما عبّر عن قبوله وتسليمه لإرادة الآب "
لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ " ( لو22/42 ) ، "
وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ 000
لْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ " ( مت26/39 و 42 ). فقد طلب أنْ تعبُر عنه " الكأس " بمعني أنْ " يجتازها " أي يشربها بحسب إرادة الآب دون أنْ يكون لها سلطان عليه، وكما يقول أحدهم "
وهذه الصلاة تُظهر بوضوح أن يسوع قبل هذه التضحية بملء إرادته وحريّته وقد أكّد بإصرار أنَّه ليس عنده أي رغبة سوي أنْ يتمّم مشيئة الله ". فقد أكّد أنَّه قدّم ذاته بإرادته متمّمًا إرادة الآب فيه وتنفيذ مشيئته برغم قسوة وشدّة ما سيأتي عليه.
و " ظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. " ( لو22/43 )، وكان ظهور الملاك له إعلانًا عن قبوله المهمّة وعن رضا الآب لتحقيق إرادته كما أنَّه إعلانًا للرضا التام والحبّ المتبادل بين الآب والابن.
فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: صَحِيحٌ، يَامُعَلِّمُ! حَسَبَ الْحَقِّ تَكَلَّمْتَ. فَإِنَّ اللهَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.
- انجيل مرقس 12:32
موقع مسيحيات فقط
http://www.answer-me-muslims.com/