تكن خيالاً، كما إدّعي بعض غير المؤمنيين، الذين ليسوا سوي خيالات "
(15) ، "
لو أنّ ربنا صنع ما صنعه في الخيال، لا غير، لكانت قيودي أيضًا خيالاً "
(16) .
(4) كما كان لهذه الجماعات، أيضًا، اعتقادات أخري في المسيح،
فقالوا أنَّ المسيح الإله نزل علي يسوع الإنسان وقت العماد وفارقه علي الصليب، وقالوا أيضًا أنَّ المسيح الإله والحكمة الإله نزلا علي يسوع واتحدا به وفارقاه أيضًا عند الصليب !! أي أنَّ الذي صُلِبَ، من وجهة نظرهم هو المسيح الإنسان وليس المسيح الإله !!! وفيما يلي أفكار قادتهم :
1 - فالنتينوس (حوالي 137م) : وقوله أنَّ المسيح لم يُوْلَدْ من العذراء ولكن جسده الهوائي مرّ من خلال جسدها العذراوي: وقد ظهر في النصف الأوّل من القرن الثاني ونادى بوجود ثلاثين إلهًا، وقال أنَّ الإله فيتوس ( أي العمق ) ولد ثمانية أيونات، ومنهم وُلد عشرة ومن العشرة وُلد إثنا عشر ذكرًا وأنثى، وولد سيغا ( أي الصمت )، من هذا الإله فيتوس، ومن سيغا وُلد الكلمة، كما قال أنَّ كمال الآلهة هو كائن " أنثي - ذكر " يُدعي الحكمة، وهو المسيح
(1
!!
وقال أنَّ المسيح لم يتّخذْ جسدًا إنسانيًا حقيقيًا بل إتّخذ هيئة الجسد، مظهر الجسد وهيئة الإنسان لأنَّه لا يمكن أنْ يأخذ جسد من المادة التي هي شرّ بحسب اعتقاده ! إتّخذ جسدًا سمائيًا وأثيريًا، وهو،
حسب قوله لم يُولد من العذراء ولكن جسده الهوائيّ مرّ من خلال جسدها العذراوي (19) !!
2 - كيرنثوس وقوله بصلب يسوع الإنسان دون المسيح الإله: وقال كيرنثوس الذي كان معاصرًا للقديس يوحنا الإنجيلي، والذي يقول عنه القديس إريناؤس أنَّه
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(15) رسالته إلي أزمير ( سميرنا ) 2.
(16) المرجع السابق 4: 2.
(17) القديس كيرلس الأورشليمي " العظات 6: 17-18.
(1
تاريخ الفكر المسيحي د. القس حنا الخضري ج1: 207
ــــــــــ
- 62-
كان متعلمًا بحكمة المصريّين " أنَّ العالم لم يخلقه الإله السامي، ولكن خلقته قوّة معيّنة منفصلة بعيدًا عنه وعلي مسافة من هذا المبدأ الذي هو سامي علي الكون ومجهول من الذي فوق الكلّ. وقال أنَّ يسوع لم يُولد من عذراء، وإنما وُلد كابن طبيعي ليوسف ومريم بحسب ناموس الميلاد البشريّ وقال أنَّه كان أبرّ وأحكم وأسمي من البشر الآخرين،
وعند معموديّته نزل عليه المسيح (الإله) من فوق من الحاكم السامي ونادى بالآب غير المعروف وصنع معجزات.
ثم رحل المسيح (الإله) أخيرًا من يسوع وتألّم وقام ثانية، بينما ظلّ المسيح (الإله) غير قابل للألم لأنَّه كان كائنًا روحيًا" (20) .
أي من، وجهة نظره، أنَّ الذي تألّم علي الصليب هو يسوع المسيح، عيسي، أمّا المسيح الإله فلم يتألّم لأنَّه غير قابل للألم كإله.
3- سترنيوس ( Saturnius ) وقوله أنَّ المسيح كان بلا ميلاد وبلا جسد وبدون شكل وكان مرئيًا افتراضًا : وقال سترنيوس أنَّ " الآب غير المعروف من الكلّ " خلق الملائكة ورؤساء الملائكة، الذين كانوا من سلالات شريرة وخيرة، وخلق الرياسات والقوات، ثم قام سبعة من رؤساء الملائكة بخلق الكون والبشرية أيضًا. وقال أنَّ إله اليهود هو أحد رؤساء الملائكة السبعة، هؤلاء الذين خلقوا الكون، وكان معاديًا للآب، وقد جاء المسيح المخلّص ليدمّر إله اليهود هذا ويحارب الأرواح التي تؤيّده مستشهدًا بقول القديس يوحنا الرسول بالروح " لأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. " ( 1يو3/8 )، لأنَّه اعتقد أنَّ الشيطان هو إله اليهود،
وأنَّ المسيح كان كائنًا روحيًا وقد بدا وكأنَّه إنسان (21) .
وقال أنَّ " المخلّص
كان بلا ميلاد وبلا جسد وبدون شكل وكان مرئيًا افتراضًا، وأنَّه جاء ليدمّر إله اليهود، الذي كان واحدًا من الملائكة، ويخلّص الذين يؤمنون به "
(22) .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(20) Irenaeus against Heresies. 1:26 .
(21) Jesus after the Gospels: Robert M. Grant P. 45-46.
(22) Ibid 30.
ــــــــــ
-63-
4 - جماعة السزيان أو فايتس وقولهم بصلب يسوع دون المسيح والحكمة: نادت هذه الجماعة في القرن الثاني الميلادي " أنَّ يسوع وُلِدَ من العذراء بعمل الإله يادابوس وكان أحكم وأطهر وأبرّ من كلِّ البشر الآخرين. ثم إتّحد المسيح (الإله) مع الحكمة ونزلا عليه (علي يسوع)، وهكذا تَكَوّن يسوع المسيح. ويؤكّدون أنَّ كثيرين من تلاميذه لم يعرفوا بنزول المسيح عليه. ولكن عندما نزل المسيح علي يسوع بدأ يعمل معجزات ويُشفي ويُعلن الآب غير المعروف ويُعلن نفسه صراحة أنَّه ابن الإنسان الأوّل (الإله)
(23) . فغضبت القوات و ( الإله يادابوس ) والد يسوع لهذه الأعمال
وعملوا علي تحطيمه، وعندما اُقتيد لهذا الغرض ( الصلب ) يقولون أنَّ المسيح نفسه مع الحكمة رحلا منه إلي حيث الأيون غير الفاسد بينما صُلِبَ يسوع. ولكن المسيح لم ينسي يسوعه فأنزل عليه قوّة من فوق فأقامته ثانية في الجسد الذي يدعونه حيوانيّ أو روحانيّ ثمّ أرسل العناصر الدنيويّة ثانية إلي العالم. وعندما رأي تلاميذه أنَّه قام، لم يُدركوا، ولا حتي يسوع نفسه، مَنْ الذي أقامه ثانية من الموت. والخطأ الذي وقع فيه التلاميذ أنَّهم تصوّروا أنَّه قام في جسد ماديّ غير عالمين أنَّ " إِنَّ لَحْماً وَدَماً لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ " ( اكو15/50 )
(24) .
5 – ماركيون : وقوله أنَّ المسيح لم يُولد من العذراء ولم يعرف ميلادًا ولا نموًا ولا حتى مظهر هذه الأحداث إنما ظهر بطريقة فجائية وفي هيئة بشرية احتفظ بها بحسب الظاهر إلي موته علي الصليب: وعلّم ماركيون، المولود حوالي سنة 120م ، بوجود إلهَين، الإله العظيم السامي أو الإله المحبّ، وهذا الإله كان غير معروف من العالم ومخفيًا عن عينيه لأنَّه لا صلة له بالعالم وليس هو الخالق له. أمّا الإله الثاني فأقل من الأول درجة وهو إله عادل ولكن سريع الغضب ومنتقم
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(23) الإنسان الأول في عـقيدتهم هو النور الأول في الأعـماق، أبو الكل – الإله.
(24) Iren. B. I. 30:12-13. Robert M. Grant Gnosticism.
ــــــــــ
-64-
يحارب ويسفك دم أعدائه بلا رحمة ولا شفقة، وهو الذي خلق العالم واختار منه شعبًا هو شعب إسرائيل ليكون شاهدًا له وأعطى له الناموس. وعاقب بشدة وصرامة الذين تعدُّوا علي هذا الناموس، وترك بقيّة الشعوب الأخري فريسة للمادة والوثنيّة. وكان هذا الإله، إله اليهود يجهل تمامًا وجود الإله السامي المحبّ الذي ظلّ غير معروف حتي
ظهر المسيح في بلاد اليهوديّة في هيئة بشرية، وبدأ يُعلن للبشر السر ّ العظيم عن الإله السامي المحبّ الذي يجهله البشر وإله اليهود
(25) !!
وقال إنَّ
المسيح لم يُولد من العذراء ولم يعرف ميلادًا ولا نموًا ولا حتي مظهر هذه الأحداث إنما ظهر بطريقة فجائيّة وفي هيئة بشرية احتفظ بها بحسب الظاهر إلي موته علي الصليب (26) !!
ونتيجة لاعتقاد هؤلاء الهراطقة بأنَّ المسيح كان مُجرّد شبح وخيال وأنَّه ظهر علي الأرض في شكل وهيئة ومظهر الإنسان ولكنّه في حقيقته هو روح وخيال، ظهر في مظهر الإنسان دون أنْ يكون إنسانًا ! جاء في شبه جسد ولكنّه لم يتّخذ الجسد بل كان شبح وروح وخيال في شكل جسد !!
فلما وُضع علي الصليب ليُصْلَب بدا لهم وكأنَّه يُصْلَب ولكن لأنَّه شبح وروح وخيال فقد ظهر في مظهر وهيئة وشكل الذي يُصلب ولكن في الحقيقة لم يُصلب بل شُبِّه لهم أنَّه يُصْلَب !! بدا لهم معلقًا علي الصليب ولكنّه في الحقيقة غير ذلك !! بدا لهم يسفك الدم وينزف أمامهم ولكن لأنَّه شبح وروح وخيال وليس له لحم ولا دم ولا عظام، فقد كان يبدو هكذا لهم مظهريًا فقط، شُبِّه لهم !! ظهر وكأنَّه مات علي الصليب وهو الإله الذي لا يموت !!
6- باسيليدس وقوله بإلقاء شبه يسوع علي غيره لأنَّه قوّة غير ماديّة وعقل الآب غير المولود فقد غيّر هيئته كما أراد وهكذا صعد إلي الذي أرسله :
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(25) Gnosticism a Sourse book of Heretical writings from the Early Church Period p. 44-45.
تاريخ الفكر المسيحي د. القس حنا الخضري ج1: 481-482 (26) Irenaeus against Heresies. 1:24 ; 2
ــــــــــ
-65-
وكان أوّل من قال بإلقاء شِبْه يسوع علي غيره هو باسيليدس الذي تصوّر وجود صراع بين الآلهة العديدة والذين كان أحدهم يسوع المسيح. وقد نقل عنه القديس إريناؤس قوله: "وصنع الملائكة الذين يحتلون السماء السفلي المرئية لنا كل شئ في العالم، وجعلوا لأنفسهم اختصاصات للأرض والأمم التي عليها، ولما أراد رئيس هؤلاء، إله اليهود كما يعتقدون، أنْ يخضع الأمم الأخري لشعبه اليهود، واعترضه وقاومه كلّ الرؤساء الآخرين بسبب العدواة التي كانت بين أمّته وكل الأمم، ولمّا أدرك الآب غير المولود والذي لا اسم له أنّهم سيُدمّرون
أرسل بِكْرَه العقل (وهو الذي يُدعي المسيح) ليُخلّص من يُؤمن به، من قوّة هؤلاء الذين صنعوا العالم.
فظهر علي الأرض كإنسان لأمم هذه القوات وصنع معجزات. وهو لم يمتْ بل أُجبر سمعان القيرواني علي حمل صليبه وألقي شَبْهَه عليه واعتقدوا أنَّه يسوع فصُلِبَ بخطأٍ وجهلٍ . وإتّخذ هو شكل سمعان القيرواني ووقف جانبًا يضحك عليهم. ولأنَّه قوّة غير مادي وعقل الآب غير المولود فقد غيّر هيئته كما أراد وهكذا صعد إلي الذي أرسله" (27) .
7 ـ سر الصليب في أعمال يوحنا : قالوا في الكتاب الذي أسموه " أعمال يوحنا "
(2
والذي يرجع إلي القرن الثاني الميلادي، في عبارات صوفيّة غامضة جدًا
أنَّ المسيح تألّم دون أنْ يتألّم وصُلِبَ دون أنْ يُصْلَب وطُعِنَ بالحربة دون أنْ يسيل منه دمًا وماء، عُلِّقَ علي صليب من خشب وصليب من نور في آنٍ واحدٍ، كان علي الصليب بين الجموع المحتشدة وفي نفس الوقت مع يوحنا علي الجبل : " بعد أنْ رقص الرب معنا هكذا يا أحبائي خرج ونحن كمذهولين أو مستغرقين في النوم وهربنا هذه الطريق أو تلك ولم أتأخر بآلامه، بل هربت إلي جبل الزيتون بكيت لما حدث،
وعندما عُلِّق (علي الصليب) يوم الجمعة في الساعة السادسة من النهار حلّت الظلمة علي كل الأرض ( مر15/23 ).
ثم وقف ربّي وسط الكهف وأناره
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(27) Ibid. b. 1:24: 3-4.
(2
Acts of John 97-98. ــــــــــ
فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: صَحِيحٌ، يَامُعَلِّمُ! حَسَبَ الْحَقِّ تَكَلَّمْتَ. فَإِنَّ اللهَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.
- انجيل مرقس 12:32
موقع مسيحيات فقط
http://www.answer-me-muslims.com/