قالوا بصلب المسيح وأسباب قولهم بذلك
1 – عدم وضوح معنى الآية :
كما سبق أنْ بينّا من عدم وضوح معني قوله " وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ " فقد وُجد هناك أربعة أراء لأربع مجموعات من العلماء المسلمين :
1 – الرأي الأول
والذي يقول بإلقاء شبه المسيح علي آخر، ولكن كيف ومتي ومن هو الشبيه فهذا غير معلوم، وهذا ما يتلخّص في قول الإمام محمد أبو زهرة ( إنَّ القرآن الكريم لم يُبَيّن لنا ماذا كان من عيسي بين صلب الشبيه ووفاة عيسي أو رفعه علي الخلاف في ذلك؟، ولا إلي أين ذهب؟، وليس عندنا مصدر صحيح يُعْتَمَد عليه )، وهذا هو الرأي التقليديّ ورأي الأغلبية .
ومن ضمن أصحاب هذا الرأي الذين نقلوا روايات عن جهلاء أهل الكتاب العرب، كما يقول ابن خلدون، أو الذين راحوا يؤلّفون روايات من وحي خيالهم هم !!
2 – الرأي الثاني
والذي يري أنَّ المسيح صُلِبَ فعلاً وإنما قول القرآن جاء من باب مجادلة اليهود والمقصود بها التنقيص من شأنهم، كقول د. عبد المجيد الشرفي " هذا فليس من المستبعد أنْ يكون إنكار قتل اليهود عيسي وصلبه من باب المجادلة المقصود بها التنقيص من شأن المجادلين".
3 – الرأي الثالث
والذي يقول بصلب المسيح فعلاً ولكن بعدم موته علي الصليب، ومن هؤلاء الأستاذ الجوهري فضلاً عمّا يناور ويقول به السيد أحمد ديدات !!
ــــــــــ
- 47 -
4 – الرأي الرابع
والذي يقول بصلب المسيح كما جاء في الأناجيل ، سواء عن طريق النقل من الإنجيل بأوجهه الأربعة دون تعليق، مثل المؤرّخ الإسلامي اليعقوبي ، والأستاذ خالد محمد خالد. وغيرهم. هذا فضلاً عن البيضاوي الذي نقل قول النسطورية: " وقيل صُلِبَ الناسوت ولم يُصْلَبْ اللاهوت " .
ولو كان نصّ الآية واضحًا تمامًا لما إختلف المسلمون عبر التاريخ في جزئيّة واحدة حول معني الآية، ولكن اختلاف المفسّرين ، بهذه الصورة دليلُ علي عدم وضوحها، وخاصّة أنّها الآية القرآنيّة الوحيدة التي تكلّمت عن هذا الموضوع، باستثناء آيات الموت والوفاة، وهذا موضوع آخر.
2 – العلماء والمؤرخون المسلمون الذين قالوا بصلب المسيح :
ظهر بعض الكتاب والعلماء والمؤرخين المسلمين الذين حاولوا التوفيق بين حقيقة وتاريخية صلب المسيح وتفسيرهم لقوله " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً " ( النساء :157 ) . ولذا فقد قالوا بصلب المسيح ، وفيما يلي أهم من قالوا بذلك :
(1) وقال الشيخ احمد بن أبي يعقوب ، اليعقوبي، الذي يُعدّ من أقدم مؤرّخي الإسلام والذي قال " ولما طلب اليهود من بيلاطس أنْ يُصْلَبَ المسيح. قال لهم خذوه أنتم واصلبوه أمّا أنا فلا أجد عليه علّة. قالوا قد وجب عليه القتل من أجل أنَّه قال أنَّه ابن الله. ثم أخرجه وقال لهم خذوه أنتم واصلبوه فأخذوا المسيح وحملوه الخشبة التي صُلِبَ عليها " (
تاريخ اليعـقـوبي جـ 1: 64 ).
(2) وقال أخوان الصفا من القرن الخامس الهجري (457 – 459): " فلما أراد الله تعالى أن يتوفّاه (أي المسيح) ويرفعه إليه اجتمع معه حواريّوه في بيت المقدس في غرفة واحدة، وقال أني ذاهب إلي أبي وأبيكم وأوصيكم بوصية 00 وأخذ عهدًا
ــــــــــ
- 48 -
وميثاقًا فمن قبل وصيّتي وأوفى بعهدي كان معي غدًا 000 فقالوا له ما تصديق ما تأمرنا به. قال أنا أوّل من يفعل ذلك. وخرج في الغد وظهر للناس وجعل يدعوهم ويعظهم حتى أُخذ وحُمل إلي ملك إسرائيل فأُمر بصلبه. فصُلِبَ ناسوته (جسده) وسُمِّرَتْ يداه علي خشبتي الصليب وبقي مصلوبًا من صحوة النهار إلي العصر . وطلب الماء فسُقِيَ الخل وطُعِنَ بالحربة ثم دُفِنَ في مكان الخشبة ووُكِّلَ بالقبر أربعون نفرًا. وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه فلمّا رأوا ذلك منه أيقنوا وعلموا أنَّه لم يأمرهم بشيء يخالفهم فيه. ثم اجتمعوا بعد ذلك بثلاثة أيام في الموضع الذي وعدهم أنْ يتراءى لهم فيه. فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم وفشا الخبر في بني إسرائيل أنَّ المسيح لم يُقْتَل. فنُبِشَ القبر فلم يُوجّد فيه الناسوت "(
رسـالة إخوان الصفا جـ 4: 96-97 ).
(3) ويقول د. عبد المجيد الشرفي (عميد كلية الآداب بتونس، وله كثير من المقالات التي تتعلق بالعلاقات المسيحيّة – الإسلاميّة ): " وكما نفي القرآن ألوهيّة عيسي وعقيدة الثالوث، فإنَّه نفى في الآية 157 من سورة النساء أنْ يكون اليهود قتلوا عيسي أو صلبوه ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ 000 وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً )، فهل تعني هذه الآية أنَّه قُتل وصُلب، لكن علي غير أيدي اليهود أم أنَّه لم يُقتل ولم يُصلب البتة؟ لا شئ مبدئيًا يمكّننا من ترجيح أحد الاحتمالين إنْ اقتصرنا علي النصّ القرآني وحده، ولم نعتمد السنّة التفسيريّة التي بتّت في اتجاه نفي الصليب جملة في أغلب الأحيان. علي أنَّ هذه الآيات لا يجوز أنْ تُفصل عن الآية 33 من سورة مريم : { وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } ، وكذلك عن الآية 55 من آل عمران : { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ }، وعن الآية 117 من المائدة : { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ }، وهي صريحة في أنَّ عيسي يموت ويتوفّي.
ــــــــــ
- 49 -
فليس من المستبعد أنْ يكون إنكار قتل اليهود عيسي وصلبه من باب المجادلة المقصود بها التنقيص من شأن المجادلين، لا سيّما أنَّ كل الأحداث المتعلّقة بحياة المسيح لم تزلْ منذ القديم محلّ أخذ ورد واختلاف، ولا أحد يستطيع إدعاء اليقين فيها. يُضاف إلي هذا أنَّ إقرار القرآن برفع عيسي في الآية الموالية يتّفق والعقيدة المسيحية في هذا الرفع، بل ويتماشي والعقليّة الشائعة في الحضارات القديمة والمؤمنة بهذه الظاهرة. والأمثلة علي ذلك كثيرة. فهل نحن في حاجة إلي التنقيب عن مصدر العقيدة القرآنيّة المتعلّقة بنهاية حياة المسيح في آراء الفرق الظاهرانية ( Docetiste )؟¨، " أليس في منطق الدعوة ذاته ما يفسّر هذا الموقف الواضح في سائر الأنبياء من جهة، والذي يترك الباب مفتوحًا للتأويل واعتماد المعطيات التاريخيّة في أمر من جهة أخري " . ويقول المؤلف أيضًا تحت عنوان : الصلب :
" من اليسير أولاً أنْ نسجّل أنِّ هذا الفرض لم يكنْ محلّ عناية كبيرة من قِبَل المفكّرين المسلمين، رغم أنَّه غرض محوريّ في المنظومة اللاهوتيّة المسيحيّة ويحق لنا أنْ نتساءل عن علّة هذا الإعراض النسبيّ، وهل ينمّ عن نوع من الحرج في مواجهة الرواية ذات الصبغة التاريخيّة المتعلّقة بالصليب والسائدة في أوساط النصاري 000 بمجرّد آية قرآنية ؟ أم هل اعتبر المسلمون أنَّ نظريّة الفداء تسقط بطبيعتها إنْ لم ترتكز علي أساس متين بعد النقد الصارم الذي وُجّه إلي عقيدتي التثليث والتجسّد ؟ "(
المسيح في كشمير. د. فريز صموئيل ص139-140 ).
(4) وقال عبد الرحمن سليم البغدادي الذي كان عراقيًا وُلد وعاش ومات في بغداد (1832 – 1911)، وكان رئيسًا لمحكمتها التجارية وانتخب نائبًا في المجلس العثماني " ( َمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ) لا يُفهم منها أنَّ المسيح لم يمتْ قطّ، بل هو نصّ صريح في أنَّ القتل والصلب لم يقعا علي ذاته من اليهود فقط ". ربما يقصد
ــــــــــ
فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: صَحِيحٌ، يَامُعَلِّمُ! حَسَبَ الْحَقِّ تَكَلَّمْتَ. فَإِنَّ اللهَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.
- انجيل مرقس 12:32
موقع مسيحيات فقط
http://www.answer-me-muslims.com/