هل صلب المسيح حقيقة أم شبّه لهم؟
آمن المسيحيون عبر كل تاريخهم وعصورهم، بناء علي ما سبق أنْ تنبّأ به آباء وأنبياء العهد القديم، من إبراهيم إلي موسي وجميع الأنبياء وكتاب المزامير الموحي إليهم بالروح القدس، وما دوّنه العهد الجديد تفصيليًا عن المحاكمة والصلب والقيامة وكرازة تلاميذ المسيح ورسله للعالم أجمع بالمسيح المصلوب، وما سجّله خلفاء التلاميذ والرسل، تلاميذهم الذين تعلموا علي أيديهم وتسلموا منهم الإنجيل، سواء المكتوب، العهد الجديد، أو الشفوي " فمًا لفم " ( 2يوحنا3/12و14 ).
وذلك إلي جانب ما سجله المؤرخون والفلاسفة الرومانيون واليونانيون والربّيون اليهود المعاصرون للحدث.
ولم يشك أحد من المسيحيين أو غيرهم في حقيقة صلب المسيح ولا في إمكانية وحقيقة قتل الأنبياء والعظماء عبر تاريخ العالم وفي سجلات الكتاب المقدس وبقية كتب اليهود وغيرهم وذلك بطرق اإعدام والقتل المختلفة حسب أسلوب وعقيدة كل زمن وكل عصر وكل دولة.
ولم يقل أحد بأنّ المسيح لم يُصلب أو يُقتل قبل مجيئ الإسلام كما لم يقل أحد بذلك غير الإخوة المسلمين وذلك بناء علي تفسيرهم لما جاء في القرآن في معرض توبيخه لليهود وحديثه عن كفرهم في قوله: " وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا " (
سورة النساء 157و158 ).
ــــــــــ
- 8 -
1- آية وحيدة ونصّ غير واضح:
آمن المسيحيون، كما قلنا، منذ البدء بصلب المسيح، وشرح كتاب الإنجيل بأوجهه الأربعة وبقية أسفار العهد الجديد حادثة الصلب تفصيليًا، بل كانت قصة الصلب هي أول من كرًز به تلاميذ المسيح ورسله وقدّموه للعالم أجمع وأوّل ما كُتب في الإنجيل، كما سبق أنْ تنبّأ عنه أنبياء العهد القديم تفصيليًا، وعرف ذلك العالم عنهم ولم يقل أحد بعدم صلب المسيح حتّي جاء نص الآية القرآنية المذكور. وبعد انتشار المسيحية بأكثر من 600 سنه. وهذه الآية غير واضحة ولنا عليها عدة تساؤلات:
(1) فهي تقول: " وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ "!! ولو افترضنا أنّ اليهود آمنوا فعلاً بأنّ المسيح هو رسول الله لما فكروا في قتله وصلبه بل لكانوا قد آمنوا به مثل بقية من آمن به منهم وصاروا مسيحيين
(1) !!
(2) كما تقول " وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ "!!! ولم يشك أحد لا من اليهود ولا من المسيحيين ولا من الرومان أو غيرهم في حقيقة أنّ الذي كان مصلوبًا ومعلقًا علي الصليب هو المسيح، ولا في
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ويري البعض أنّ الآية تتكلم بأسلوب العبرة وليس بأسلوب التاريخ والتأريخ، فيقول أ. محمد أحمد خلف الله " وبان للعقل الإسلامي أن وصف عيسي عليه السلام بأنّه رسول الله في قول اليهود الذي حكاه عنهم القرآن في قوله تعالي ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ )، لا يمكن أنْ يُفهم علي أنّه قد صدر حقًا من اليهود فهم لم ينطقوا بهذا الوصف وإنما القرآن هو الذي أنطقهم به . ذلك لأنّ وصفه بالرسالة ليس إلا التسليم بأنّه رسول الله وهم لم يسلموا بهذا، ولو سلموا بهذا لأصبحوا مسيحيين، ولما كان بينهم وبينه أي لون من ألوان العداء، ولما كان قتل وصلب، إنّ اليهود إنما يتهمون عيسي بالكذب، ويُنكرون عليه أنّه رسول الله، ويذكرونه بالشرّ، ويقولون إنّه ابن زنا وأنّ أمّه زانية. يقول اليهود كل هذا وأكثر منه، ومن هنا لم يستطع العقل الإسلامي أن يُسلم بأنّ وصف عيسي بأنّه رسول الله قد صدر حقًا من اليهو د" القصص القرآني مع شرح وتعليق خليل عبد الكريم (ص66و67).
ــــــــــ
- 9 -
حقيقة موته علي الصليب أو دفنه في القبر، ولم يقل أحد بشيء مثل ذلك في أى كتاب من كتب المسيحيين أو اليهود أو الرومان أو غيرهم!!!
(3) وعبارة " وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ " لا تقول صراحة إن كان المقصود هو لإلقاء شبه المسيح علي آخر كما يقول أصحاب نظرية الشبه أم أنها تقصد شيئ آخر. يقول كل من الإمام الفخر الرازي في تفسيره، وابن كثير في كشافه: " شُبِّهَ " مسند إلي ماذا؟ إنْ جعلته إلي المسيح فهو مشبّه به وليس بمشبّه، وإنْ أسندته إلي المقتول، فالمقتول لم يجرَ له ذكر؟ "(
التفسير الكبير ج 3، ص35؛ والكشاف ج1، ص 580 ).
(4) إنّ كل الضمائر الموجودة بالآية والخاصّة بالمصلوب تعود جميعها علي المسيح وليس علي آخر يُمكن أنْ يُفترض أنّه المقصود!!!
(5) ولم تقل من هو المصلوب صراحة؟ سواء كان المسيح أو غيره؟.
(6) ولا من هو الذي ألقي عليه الشبه، إنْ كان هناك من ألقي الشبه عليه؟.
(7) ولا من هو المُشبّه؟.
(

ولا من هو المُشبّه به؟.
(9) ولا كيف نجا إنْ لم يُصلب؟.
(10) ولا كيف تمّ ذلك؟.
(11) ولا متي تمّ ذلك؟.
(12) ولا تقول لنا أي تفاصيل توضّح المعني المقصود في الآية؟.
(13) ولا يوجد في القرآن آية غيرها توضّح ما جاء بها؟ بل علي العكس توجد ست آيات قرآنية تتكلّم عن موت المسيح ووفاته قبل رفعه وتلمّح لقتله، وهي:
ــــــــــ
- 10 -
1و2- فقد قيل عن لسان المسيح " وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا " (
مريم 33 ). وهذا نفس ما قيل عن يوحنا المعمدان، يحيي بن زكريا " وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا " (
مريم 15 ). والمعروف في المسيحية والإسلام أنّ يوحنا المعمدان أو يحيي بن زكريا مات قتيلاً علي يد هيرودس الملك
(2) .
3 - " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُون " (
البقرة87 ) . والآية هنا تؤكد على تكذيب اليهود لفريق من الرسل وحقيقة قتلهم لفريق آخر ، وفي نفس الوقت لا تذكر من الفريقين سوى موسى وعيسى ، ومن ثم فأحدهم من الفريق الذين كذبوه والآخر من الفريق الذي قتلوه!!!
4 - " الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " (
آل عمران183 ). والمسيح هو أكثر من أتي بالمعجزات وبالبينات بحسب ما ذكر القرآن وهو الذي أنزل الله عليه مائدة من السماء بناء علي طلب الحواريين
5- " إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: صَحِيحٌ، يَامُعَلِّمُ! حَسَبَ الْحَقِّ تَكَلَّمْتَ. فَإِنَّ اللهَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.
- انجيل مرقس 12:32
موقع مسيحيات فقط
http://www.answer-me-muslims.com/