لقد أخبرنا الله في القرآن الكريم أن اليهود تزعم أن عزيراً ابن الله ، فقال تعالى في سورة التوبة ( و قالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، ذلك قولهم بأفواههم ، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل )
و أما اليهود فما يقولون هذا ، و ما كان فيهم من يقول : عزير ابن الله في زمن نزول القرآن ، و إنما هي قالة تاريخية لفئة منهم ، قالتها ثم انقرضت ، كما نقله القرطبي عن النقاش .
و لذلك ضرب أعداء الإسلام في الكلام على هذا الموضوع ، و زعموا أن في القرآن من الأخبار عن عقائد اليهود ما ليس في عقائدهم ، و قال اليهود منهم : إن القرآن يقولنا ما لم نقل في كتبنا و لا في عقائدنا .
إلى أن جاء العصر الحديث ، و كشف المعرفة التاريخية لعقائد بعض قدماء المصريين ما أثبت هذا الخبر القرآني ، ليكون الآية الناطقة ، و الحجة البالغة ، الدالة على أن هذا القرآن من عند الله و ليس من صنع البشر.
قوله تعالى : ( و قالت اليهود عزير ابن الله ) يتضمن من وقائع التاريخ ، و حقائق العلم ، أمراً لم يكن أحد يعرفه على وجه الأرض في عصر نزول القرآن .
ذلك أن اسم عزير ،لم يكن معروفاً عند بني إسرائيل إلا بعد دخولهم مصر ، و اختلاطهم بأهلها ، و اتصالهم بعقائدها ووثنيتها .
قال : و اسم عزير ، لم يكن معروفاً عند بني إسرائيل إلا بعد دخولهم مصر ، و اختلاطهم بأهلها ، و اتصالهم بعقائدهم ووثنيتها .
قال : واسم " أوزيرس" كما ينطق به الإفرنج ، أو " عوزر " كما ينطق به قدماء المصريين .
و قدماء المصريين منذ تركوا عقيدة التوحيد ، و انتحلوا عبادة الشمس ، كانوا يعتقدون في " عوزر " أو " اوزيرس" أنه ابن الله .
و كذلك بنو إسرائيل في دور أدوار حلولهم في مصر القديمة ، استحسنوا هذه العقيدة عقيدة أن عوزر ابن الله ، وصار اسم أوزيرس أو عوزر من الأسماء المقدسة التي طرأت عليهم من ديانة قدماء المصريين ، وصاروا يسمون أولادهم بهذا الأسم الذي قدسوه ضلالاً و كفراً ، فعاب الله عليهم ذلك في القرآن الحكيم ، و دلهم على هذه الوقائع من تاريخهم الذي نسيه البشر جميعا .
قال صاحب مجلة الفتح : إن اليهود لا يستطيعون أن يدعوا في وقت من الأوقات أن اسم عزير ، كان معروفاً عندهم قبل اختلاطهم بقدماء المصريين ، و هذا الاسم في لغتهم من مادة " عوزر " و هي تدل على الألوهية ، ومعناه : الإله المعين ، و كانت بالمعنى نفسه عند قدماء المصريين في اسم عوزر أو اوزيرس ، الذي كان عندهم في الدهر الأول بمعنى الأول بمعنى الإله الواحد ، ثم صاروا يعتقدون أنه ابن الله ، عقب عبادة الشمس .
و اليهود أخذوا منهم هذا الإسم في الطور الثاني ، عندما كانوا يعتقدون أن أوزيرس ابن الله .
قال : فهذا سر من أسرار القرآن ، لم يكتشف إلا بعد ظهور حقيقة ما كان عليه قدماء المصريين ، في العصر الحديث ، و ما كان شيء من ذلك معروفاً في الدنيا عند القرآن .
حتى إن أعداء الإسلام كانوا يصوغون من جهلهم بهذه التاريخية شبهة يلطخون بها وجه الإسلام ، و يطعنون بها في القرآن ، فقال اليهود : إن القرآن يقولنا ما لم نقل في كتبنا و لا في عقائدنا ، و أتى دعاة النصرانية منهم ، بما شاء لهم أدبهم من السب و الطعن و الزراية بالقرآن ، و دين الإسلام ، و نبي الإسلام " [1]
و قال الإمام القرطبي في قوله تعالى : ( و قالت اليهود ) قال : هذا لفظ خرج على العموم، و معناه الخصوص ، لأنه ليس كل اليهود قالوا ذلك ، وهذا مثل قوله تعالى : ( الذين قال لهم الناس ) و لم يقل ذلك كل الناس .
قال النقاش : لم يبق يهودي يقولها ، بل انقرضوا ، فإذا قالها واحد ، تلزم الجماعة شنعة المقالة ، لأجل نباهة القائل فيهم ، و أقوال النبهاء أبداً مشهورة في الناس ، يحتج بها ، فمن ها هنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها و الله أعلم
|